السوار الإلكتروني للمحكومين... سجن خارج الزنازين في الجزائر

10 ديسمبر 2017
+ الخط -

تنفست عائلة المحكوم الجزائري أحمد الصعداء عقب استفادة ابنها القاصر ذي الستة عشر عاما، من إجراءات تجريب بند المراقبة الإلكترونية في المشروع المتمم للقانون رقم 05/04 الصادر في فبراير/شباط 2005 لتنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين عبر تقنية المراقبة الإلكترونية بواسطة سوار يلبسه المحكوم ويحدد مكانه بشكل دائم للمديرية العامة للسجون وإعادة الإدماج لمدة 17 شهراً متبقية من حكمه، بعدما صدر في حقه عقوبة مخففة بالحبس 18 شهرا في مركز إعادة التربية وإدماج الأحداث

تحفظت عائلة أحمد على الكشف عن هويتها في مقابل الموافقة على الحديث مع معد التحقيق عن تجربة المراقبة عبر السوار الإلكتروني وقضائه ما تبقى من عقوبته في المنزل، لأن عقوبته لا تتعدى 3 سنوات، وفق ما ينص مشروع القانون الذي ستعرضه وزارة العدل على المجلس الشعبي الوطني في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، لاعتماده بشكل نهائي، بعد أن باشرت وزارة العدل تطبيق تجربة نموذجية للسوار الإلكتروني على بعض المساجين من أجل التأكد من فعالية الإجراءات الفنية والتقنية بحسب ما قالته المكلفة بالإعلام في الوزارة أمينة حداد لـ" العربي الجديد"، مضيفة أن الوزارة شرعت في تجريب مشروع القانون أيضا على المتهمين الذين تم وضعهم تحت الرقابة القضائية في الحبس المؤقت، تنفيذا لما جاء في قانون الإجراءات الجزائية 2015.

وأحصت الجزائر خلال العام الماضي 65 ألف سجين، وفق ما صرح به مصطفى فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، (هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية حلت مؤخرا وأنشئ مكانها المجلس الوطني الأعلى لحقوق الإنسان) لـ"العربي الجديد" ويثمن الحقوقي قسنطيني مشروع السوار الإلكتروني كونه يقلل من عدد المسجونين ويقلل من الاكتظاظ في السجون الجزائرية ويساهم في إدماج المساجين في الحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى تطوير النظام العقابي الجزائري بما يؤدي إلى وضع المحكوم عليه في بيئة تبعده عن حياة السجون والمراكز العقابية.


عصرنة العدالة

يعد استعمال السوار الإلكتروني حلقة من برنامج عصرنة العدالة الذي دعت إليه لجنة إصلاح العدالة المشكلة في عام 1999، والتي قررت إدخال الرقمية بشكل ملموس في قطاع العدالة ابتداء من عام 2013، عبر المراقبة الإلكترونية للمحبوسين بواسطة السوار الإلكتروني تظهر بحسب وثيقة صادرة في أغسطس/آب من عام 2017 عن وزارة العدل، وهو ما تؤكده المكلفة بالإعلام في وزارة العدل قائلة: "تطبيق السوار الإلكتروني أنجزه جزائريون، ولم تتجاوز تكلفة مشروع السوار 100 مليون دينار (833.333 دولار) على أن يتم استعمال أجهزة السوار المنتجة لمدة 10 أعوام، بحسب ما كشفه مدير الاستشراف والتنظيم في وزارة العدل زروالة كيلاني في رده على سؤال لـ"العربي الجديد".

وبلغت ميزانية تسيير وزارة العدل 72 مليارا و671 مليون دينار (605.591.666.67 دولارا) في العام المالي الحالي (2017)، وسترتفع في عام 2018 حسب مشروع قانون المالية للعام المقبل إلى 745.430.690.00 دينار (621.192.241.67 دولارا) أي بزيادة 2.58 في المائة وفق الإحصائيات التي تضمنها مشروع قانون المالية لعام 2018.

وتشير الإحصاءات ذاتها إلى أن الوزارة خصصت للمديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج 355.603.200.00 دينار (296.336.000 دولار) في عام 2018 أي بزيادة تصل إلى 902.140.000 دينار (751.783.333 دولار) ما يمثل ارتفاعا بـ 2.6 في المائة مقارنة بـ2017.

لكن الاعتمادات المقترحة لمؤسسات السجون في عام 2018 بلغت 703.278.000 دينار (586.065.0 دولار) بانخفاض يقدر بـ53 مليون دينار (441.666.66 دولار) أي بنسبة 0.75 في المائة مقارنة بـ2017، لكن هذا الانخفاض لا يرجع إلى اعتماد السوار الإلكتروني الذي سيبدأ في 2018، حسب ما أوضحه رئيس الهيئة المدنية لإدماج ذوي السوابق العدلية والوقاية من العود عمار حمديني لـ"العربي الجديد"، والذي يعتقد أن التطبيق الفعلي لقانون الوضع تحت المراقبة الإلكترونية سيكون تدريجيا لأن انعكاسات تطبيقه على ميزانية مؤسسات السجون أو على المجتمع في الميدان تتطلب وقتا.




شروط الاستفادة من السوار الإلكتروني

تُعرّف المادة 150 مكرر من مشروع القانون الذي بحوزة "العربي الجديد" الوضع تحت المراقبة الإلكترونية بأنه "إجراء يسمح بقضاء المحكوم عليه كل العقوبة أو جزءاً منها خارج المؤسسة العقابية، ويتمثل في حمل الشخص المحكوم عليه طيلة المدة المذكورة لسوار إلكتروني يسمح بمعرفة وجوده في مكان تحديد الإقامة المبين في مقرر الوضع الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات".

وتوضح المادة 150 مكرر 1 أنه "يمكن لقاضي تطبيق العقوبات تلقائيا أو بناء على طلب المحكوم عليه شخصيا أو عن طريق محاميه أن يقرر تنفيذ العقوبة تحت نظام المراقبة الإلكترونية في حالة الإدانة بعقوبة سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها 3 سنوات، أو في حالة ما إذا كانت العقوبة المتبقية لا تتجاوز هذه المدة، ويصدر قاضي تطبيق العقوبات مقرر الوضع تحت المراقبة الإلكترونية بعد أخذ رأي النيابة العامة، كما يأخذ رأي لجنة تطبيق العقوبات بالنسبة للمحبوسين".

ويرى النائب العام السابق بمجلس قضاء ولاية بشار (جنوب غربي الجزائر) عبد القادر بن هني، أن هذا القانون من شأنه التقليل بالأخص من متاعب عائلة المحبوس التي تعيش في بعض الحالات وضعا نفسيا أصعب من الذي يعيشه ابنها المحبوس.

وتشترط المادة 150 مكرر 2 "للاستفادة من نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية أن يكون الحكم نهائيا، وأن يثبت المعني مقر سكن إقامة إثبات، وألا يضر السوار الإلكتروني صحة المعني، وأن يسدد المعني مبالغ الغرامات المحكوم بها عليه، ويؤخذ بعين الاعتبار عند الوضع تحت المراقبة الإلكترونية الوضعية العائلية للمعني أو متابعته لعلاج طبي أو نشاط مهني أو دراسي أو إذا أظهر ضمانات جدية للاستقامة"، مثلما جاء في المادة 150 مكرر3.

وبعد تقديم طلب الاستفادة من نظام المراقبة الإلكترونية "يتم إرجاء تنفيذ العقوبة إلى حين الفصل النهائي في طلب المعني إذا كان غير محبوس، ويفصل قاضي تطبيق العقوبات في الطلب في أجل 10 أيام من إخطاره بمقرر غير قابل لأي طعن، ويمكن للمحكوم عليه الذي رفض طلبه أن يقدم طلبا جديدا بعد مضي 6 أشهر من تاريخ رفضه طلبه"، حسب المادة 150 مكرر4.



خصائص السوار وطريقة عمله

حسب ما استقته "العربي الجديد" من وزارة العدل، فإن السوار الإلكتروني قطعة معدنية تحيط  كاحل المحكوم، وتتكون من جزأين، الأول به شريحة هاتف نقال وأنظمة لتحديد المواقع والثاني بطارية لشحن السوار.

ويرفق السوار بلوحة تحكم منقولة تشبه الهاتف النقال يحملها المتهم معه، تتضمن تطبيقا خاصا تسهل عمل مصالح المراقبة والضبطية القضائية، من خلال تحديد المواقع المسموحة أو الممنوعة عنه، ويمكن لصاحب السوار من خلالها الاتصال بأعوان الرقابة، ويفتح السوار بصفة أوتوماتيكية عبر مفتاح مخصص لذلك.

ومن خصائص السوار أنه يبث ذبذبات إلكترونية تسمح بتحديد مكان حامله، وعند إزالته يطلق إنذارا، كما أنه مقاوم للماء في حدود 30 مترا وللحرارة بين 40 و80 درجة ومقاوم للرطوبة والغبار والاهتزازات والذبذبات والصدمات وللفتح والتمزق والقطع في حالة الربط، ومقاوم للأشعة فوق البنفسجية وللضغط إلى غاية 150 كيلوغراماً، وقابل للشحن بشاحن خاص به مضاد للحساسية به عازل مصنوع من قماش يفصله عن بشرة المتهم.

وتتابع مراكز المراقبة التابعة لمديرية السجون تحركات المحكوم بالدخول للتطبيق الإلكتروني الخاص بالسوار بكتابة معلوماته الشخصية، حيث يمكن تحديد موقع حامله في كل ثانية وفي أي مكان سواء كان على سيارة أو دونها، ويمكن إجراء تعديلات على البرنامج المعلوماتي للسوار عن بعد والتي ترسل إلى قاعدة البيانات الوطنية.



هل ينتهي الاكتظاظ في السجون؟

لا يخفي المحامي مختار بن سعيد، رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية)، تقديره الشديد لتقنية السوار الإلكتروني التي ستخفف من الاكتظاظ في السجون الجزائرية والذي كان محل ملاحظات من منظمته الحقوقية وغيرها من المنظمات غير الحكومية، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مبينا أن هذا القانون سيساهم في ضمان حقوق أكبر للمساجين.

بدوره، النائب العام السابق عبد القادر بن هني، والذي زار عدة سجون في الجزائر خلال مسيرته المهنية التي دامت 30 سنة، يقول لـ"العربي الجديد" إن الاكتظاظ  في السجون كان من النقاط السوداء التي تعاب على المؤسسات العقابية في الجزائر.

غير أن أمينة حداد المكلفة بالإعلام في وزارة العدل تشير إلى أن الوزارة واجهت الاكتظاظ في السجون "ليس عبر هذه التقنية الجديدة وحدها فقط، إنما أيضا عبر عدة مراكز للعقاب وإعادة التربية خلال السنوات الأخيرة"، وهو ما يؤيده رئيس الهيئة المدنية لإدماج ذوي السوابق العدلية، قائلا "تم بناء 51 مؤسسة عقابية جديدة مطابقة للمقاييس العالمية ضمن مشروع انطلق عام 2005".


الحرمان من المراقبة الإلكترونية

ينبه القانوني بن هني إلى ضرورة تمتع السوار بتقنيات لا تسمح بفك شفرته، فتجارب بعض الدول كفرنسا مثلا أثبتت أن مجرمين استطاعوا التخلص من السوار والفرار من المراقبة، مثلما يقول لـ"العربي الجديد"، لكن أمينة حداد تؤكد أن هذا السوار مؤمن كما يجب، مشيرة في حديثها مع "العربي الجديد" أن تطبيقه الإلكتروني أنجز بسواعد جزائرية تعمل في قسم عصرنة العدالة التابعة لوزارة العدل، والتي سهرت على أن يسمح بمراقبة المحبوس كما يجب.

وتلفت المادة 150 مكرر 8 من القانون ذاته إلى أنه "تبلغ المصالح الخارجية لإدارة السجون المكلفة بإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين قاضي تطبيق العقوبات فورا عن كل خرق لمواقيت الوضع تحت المراقبة الإلكترونية" و"يمكن لقاضي تطبيق العقوبات بعد سماع المعني إلغاء الوضع تحت المراقبة الإلكترونية في حالة عدم احترامه لالتزاماته من دون مبررات مشروعة والإدانة الجديدة وطلب المعني"، بحسب ما تضمنته المادة 150 مكرر10، لكن  "يمكن للمحكوم التظلم ضد إلغاء مقرر الوضع تحت نظام المراقبة الإلكترونية أمام لجنة تكييف العقوبة التي يجب عليها الفصل في أجل 15 يوما من تاريخ إخطارها"، وفق ما تشير إليه المادة 150 مكرر11.

ويؤيد المحامي عمار حمديني تطبيق أقصى العقوبات على المتهمين الذين يريدون التخلص من السوار، لذلك يطالب بأن يطبق هذا الإجراء على من دخلوا السجن نتيجة أخطاء غير مقصودة وليس على المجرمين المدانين على حد قوله.

وجاء في المادة 150 مكرر 12 من مشروع القانون أنه "يمكن للنائب العام إذا رأى أن الوضع تحت المراقبة الإلكترونية يمس بالأمن والنظام العام أن يطلب من لجنة تكييف العقوبات إلغاءه، يجب على لجنة تكييف العقوبات الفصل في الطلب بمقرر غير قابل لأي طعن في أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ إخطارها".

وتنص المادة 150 مكرر14 على أنه "يتعرض الشخص الذي يتملص من المراقبة الإلكترونية، ولا سيما عن طريق نزع أو تعطيل الآلية الإلكترونية للمراقبة إلى العقوبات المقررة لجريمة الهروب المنصوص عليها في قانون العقوبات".


تعسف القضاة يخيف المحامين

رغم إقراره بالإيجابيات التي يحملها قانون الوضع تحت المراقبة الإلكترونية للمحبوسين، إلا أن الحقوقي مصطفى فاروق قسنطيني لا يعلق عليه آمالا كثيرة، في حال لم يتخلص القضاة من التعسف في الأحكام التي يصدرونها، مثلما يقول لـ"العربي الجديد"، وتابع "الإفراج المشروط  الذي يعطى للمحكوم في حال قضى نصف العقوبة ودفع الغرامة المالية المترتبة عليه لا يطبق من قبل القضاة، ولا يمنحون الإفراج للمحبوسين، والمشكل نفسه سيكون مطروحا بالنسبة للسوار، لأن القرار يعود للقاضي الذي له السلطة التقديرية في منح ذلك من عدمه".

ويرجع قسنطيني تعسف القضاة إلى طريقة تفكيرهم التي تميل إلى الحبس وتعتبر أن السجن يعالج كل أشكال الجرائم، بالرغم من تغير أساليب العقاب في الدول المتطورة التي صارت  تضع طرقا جديدة لمعاقبة المحكومين.

أما النائب العام السابق عبد القادر بن هني، فيؤكد أن التطبيق الحقيقي للسوار الإلكتروني مرتبط بمدى إحداث تغيير جذري في عقليات القضاة الذين يميلون في الغالب إلى الأمر بالحبس، وهو المشكل الذي لن يتغير سوى بتطوير تكوين القضاة، و"تحليهم بنوع من الإنسانية في أحكامهم والحرص على العدل في أحكامهم"، مثلما يذكر لـ"العربي الجديد".

لكن المحامي عمار خبابة يلفت في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن أكبر سؤال يجب أن يطرح حول استعمال السوار الإلكتروني، سواء تعسف القضاة في أحكامهم أم لا، هو مدى استطاعة هذه الآلية في التقليل من الجريمة التي تنخر المجتمع، لأن الهدف الأساس من أي عقوبة هو تقليص عدد الجرائم، لذلك يبقى الحكم على مشروع قانون الوضع تحت المراقبة الإلكترونية مؤجلا إلى غاية دراسة عملية تجريبه بعد فترة من الزمن، لأن المشكل في الجزائر ليس عدم وجود القوانين إنما في مدى تطبيقها على الميدان.