السلطة وعدوان غزة: فرصة مفوّتة لترجمة صمود الميدان سياسياً

08 يوليو 2015
(Getty)
+ الخط -
كان من المفترض أن يكون العدوان الأخير على قطاع غزة في ظلّ صمود وتضحيات المقاومة على الأرض، نقطة تحول كبيرة في الملف السياسي الفلسطيني، لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وخارجية، لكن المشهد الحالي يعاكس ذلك.

يرى محللون سياسيون، أنه بعد مرور عام على العدوان، تضاعفت الخسائر السياسية لأن قيادة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، لم تحسن دعم المقاومة لترجمة تضحياتها إلى مكاسب سياسية من جهة، كما أخفقت قيادة الحركتين "فتح" و"حماس" في الوصول إلى مساحة من التفاهم السياسي، تدفن فيها الانقسام وكل ارتدادته، وتبدأ من نقطة توافق يكون فيها السقف الوطني أعلى من السقف الفصائلي من جهة أخرى.

ويقول أحد قادة الفصائل الفلسطينية الذي شارك في المفاوضات غير المباشرة بعد الحرب على غزة، لـ"العربي الجديد"، إنّه "كان بإمكاننا أن نبدأ نقطة التحول الكبيرة من خلال المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت من مصر خلال العدوان، لكن حرصت بعض الأطراف، لا سيما قيادة السلطة الفلسطينية، والمقصود حركة فتح، والقيادة المصرية أن لا تحصل حركة حماس على أي مكسب سياسي مقابل صمود المقاومة أمام آلة الحرب الإسرائيلية". ويضيف، أنّ "إفشال حصول حماس على أي مكاسب سياسية ترتب عليه كل الخسائر السياسية الداخلية والخارجية التي نعيشها اليوم".

ويلخّص محللون ومراقبون أبرز إشارات التعثر السياسي الفلسطيني بعد مرور عام على العدوان، باستمرار حصار غزة، وعدم إعادة إعمارها، وتعميق الانقسام الفلسطيني أكثر، وإحكام السيطرة على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية حتى لا ينتشر نموذج المقاومة فيها كما في غزة. لذلك خرجت المقاومة في الضفة الغربية على شكل عمليات فردية استطاعت أن تنجو من إحكام الأمن، ولم تتحول إلى حالة مقاومة كما هو الحال في غزة.

لكن أوساطأ أخرى ترى أن السلطة الفلسطينية لم تكن لتأخذ بقرار الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وإسكات الغضب المتصاعد للشعب الفلسطيني، وقبل ذلك، الذهاب إلى مجلس الأمن بمشروع إنهاء الاحتلال، إلا بعد العدوان على القطاع. ويرد آخرون أن السلطة الفلسطينية اقتصر حراكها على الميدان الخارجي الذي لا يعوّل عليه، على أمل الحصول على رصيد شعبي لتتحرك بقوة ضد إسرائيل، وتركت الساحة الداخلية، ما أدّى إلى حدوث شرخ بين الضفة والقطاع، بل وكانت جزءا أساسياً في تعميقه.

اقرأ أيضاً: عام على العدوان على غزة: يوميات الدم والمقاومة

على صعيد إعمار قطاع غزة، وهو أكبر مؤشر على أن الوفاق الفلسطيني الداخلي وصل إلى طريق مسدود، إذ لا يزال القطاع بحاجة إلى عملية إعمار من الصفر، كما يقول الخبراء. ويحمّل بعضهم المسؤولية لحكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمدالله، التي تعثرت ولم تنجز أيا من مهامها. فيما يلقي بعضهم الآخر بالمسؤولية على "حماس" التي لم تساعد الحكومة على القيام بعملها، واشترطت أن يكون الحل عبر رزمة كاملة تحل جميع الملفات العالقة، لا أن تقوم الحكومة باختيار ما تريد من هذه الملفات بحسب أهميتها.

ويقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد المجدلاني، لـ "العربي الجديد"، إنّه "على الرغم من كل العراقيل التي وضعتها حماس في سيطرتها على المعابر، إلا أن حكومة الوفاق الوطني أنجزت شيئاً مهماً في إعادة الإعمار، سواء في البنية التحتية أو فيما يتعلق بترميم البيوت المهدمة"، مشيراً إلى أنّه "أعيد ترميم 92 ألف منزل، وبدأت المرحلة الأولى من إعادة الإعمار في بعض المناطق، وتم الاتفاق مع شركات على إزالة الركام وفتح الطرق، والتمديد للبنية التحتية".

لكن نائب الأمين العام لـ "الجبهة الديمقراطية" وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قيس عبد الكريم، يرى أن حكومة الوفاق الوطني لم تستنفد كل قدراتها لإعادة الإعمار. ويقول عبد الكريم لـ "العربي الجديد"، "لا نستطيع القول إن الحكومة استنفدت كل قدراتها لإعادة الإعمار. فقد قامت ببعض الجهد في هذا الاتجاه، إضافة إلى بعض العقبات الناجمة عن الموقف الإسرائيلي، وعدم تمكين الحكومة من القيام بمهماتها في غزة من جانب حماس، وخصوصاً فيما يتعلق بالمعابر، لأن موضوع المعابر ينعكس مباشرة على إدخال مواد البناء الضرورية".

وينتقد عبد الكريم الحكومة بأنّها "لم تنفذ الخطة التي وضعتها بشكل كامل وبالجهد المطلوب. كما أنّها لم تلاحق المانحين بشكل يضمن دفع المساعدات التي التزموا بها في مؤتمر إعادة الإعمار في القاهرة"، معتبراً أنّه "كان على الحكومة أن تقوم بجهد أكبر مع الجانب المصري لضمان تسهيل تدفق أكبر لدخول مواد إعادة الإعمار في ظل التعنت الإسرائيلي. وتبّين ذلك، بعد أن تدفقت هذه المواد أخيراً بصورة أكبر".

اقرأ أيضاً حماس للسلطة الفلسطينية: اعتقال كوادرنا ينسف جهود المصالحة

وحول أداء السلطة الفلسطينية سياسياً على الصعيد الداخلي والخارجي، يرى الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي في حديث إلى "العربي الجديد" أنه "بعد عام على العدوان، تعيش السلطة الفلسطينية في أزمة حقيقية، وتعاني إرباكاً حيال كافة الملفات الأساسية الداخلية وبالتحديد الملف السياسي". ويرى الريماوي أن "عناصر الإرباك تجلت في بعدين. يكمن الأوّل في فشل حركة فتح في بلورة منهج سياسي واضح للتعاطي مع الملف الفلسطيني، سواء في البعد السياسي أو الداخلي. فيما تجلى البعد الثاني في احتكار القيادة الفلسطينية للصوابية في المنهج السياسي، وهو المنهج نفسه الذي أدخل الشعب الفلسطيني في أزمات حقيقية منذ 25 عاماً ولم يستطع الخروج منها حتى الآن".

ويعتبر الريماوي أنّ استخدام منظمة التحرير لبعض الفصائل التي يشكّل حضورها صفراً في الملفات السياسية الداخلية بهدف تعزيز حضور حركة فتح، يضر بالمصلحة الوطنية الفلسطينية". وتوجّه الريماوي في كلامه إلى كل من حركة فتح والسلطة الفلسطينية بالقول "يجب أن يفهما أن في السياسة الداخلية الفلسطينية، جناحين للعمل السياسي. الجناج الأول، حركة فتح وما تمثله من امتدادات بما فيها سلطة رام الله، وحركة حماس وما تمثله من امتدادات بما فيها سلطة قطاع غزة. وإذا اعتبرنا أن حالة الخصوم القائمة بين الجناحين لا يمكن الجمع بينهما، أرى أن الملف الفلسطيني يسير باتجاه عبثي حقيقي".

ويعطي الريماوي مثالاً على ما سبق، أنّ "في الحرب الأخيرة، كانت المقاومة في غزة تقدم نموذجاً رائعاً على الأرض، وأجبرت إسرائيل على التعاطي والإعتراف بالمقاومة، لكن العبث الذي تم بإدارة الملف السياسي وتحديداً التصاق السلطة الفلسطينية بالخيار المصري، جعل من الملف المقاوم مأزوماً في القطاع، فلم يرفع الحصار". ويتابع، "في المقابل، لم تحسن المقاومة الفلسطينية حتى الآن في التعاطي مع السلطة الفلسطينية وتحديداً حركة فتح، لأسباب داخلية وخارجية، ما جعل المقاومة تعيش في حالة المقايضة على الكثير من القضايا".

اقرأ أيضاً: مصر تطلب تنسيقاً أمنياً حدودياً مع "حماس"

المساهمون