السلطة الفلسطينية وخطوات ضمّ الضفة: مراوحةٌ بسياسة التصريحات

25 ابريل 2020
يفقد الفلسطينيون كل مقومات "الدولة" (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -


بعد الاتفاق بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزعيم "كاحول لفان" بني غانتس، قبل أيام، على تشكيل الحكومة الجديدة، وتحديد ضمّ الضفة الغربية المحتلة كهدفٍ رئيسي لهذه الحكومة، بدأ العد التنازلي الفعلي لخطوة الضمّ بمباركةٍ أميركية كاملة، ما دفع الفلسطينيين إلى القيام بتحركات دبلوماسية وإطلاق تصريحات سياسية لم تخرج حتى اليوم عن مربع التهديد اللفظي، ما يدفع خبراء ومسؤولين للتوقع أن يراوح الحراك الفلسطيني في السياسة نفسها التي يحلو لهم أن يطلقوا عليها اسم "سياسة الراعي والذئب".

خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء الأربعاء الماضي، لم يأت بجديد، حين هدد بإلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي. وقال عباس: "أبلغنا جميع الجهات الدولية المعنية، بما في ذلك الحكومتان الأميركية والإسرائيلية، بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي إذا أعلنت إسرائيل ضمّ أي جزء من أراضينا، وسوف نعتبر كل التفاهمات بيننا وبين هاتين الحكومتين لاغية تماماً، وذلك استناداً إلى قرارات المجلسين الوطني والمركزي ذات الصلة". تهديد عباس هو ذاته الذي صدر عنه بعد قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإعلان رسمياً عن بنود "صفقة القرن" (الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي بدأ تنفيذها فعلياً منذ وصوله إلى البيت الأبيض.

وشكّل كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم الأربعاء الماضي، بأن "الإسرائيليين سوف يتخذون هذه القرارات في نهاية المطاف، هذا قرار إسرائيلي، ولكننا سنعمل معهم بشكل وثيق لمشاركة وجهات نظرنا في هذا الشأن في إطار خاص"، فرصة لتجديد التصريحات الصحافية الفلسطينية المستنكرة للضمّ، وللدور الأميركي الرئيسي فيه، سواء عبر مراسلة الفلسطينيين لبرلمانات العالم، وفق تصريحات أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أو عبر التواصل مع الاتحاد الأوروبي و"الرباعية الدولية" للتحذير من مغبة هذه الخطوة، وفق تصريحات القيادة الفلسطينية المختلفة التي صدرت خلال الساعات الماضية.

ويرى سياسيون ومراقبون أنه آن الأوان أن يخرج الفلسطينيون من مربع التهديد اللفظي والتصريحات الإعلامية، وأن يمثل عباس منظمة التحرير ومؤسساتها، لا أن يمثل نهجه بعدم اتخاذ قرارات حاسمة.

في هذا السياق، رأى القيادي في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عمر شحادة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المطلوب ليس تصريحات ولا إعلانات ولا التوجه إلى الأمم المتحدة التي سبق أن توجهنا إليها أكثر من مرة، بل سحب اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل وإلغاء كل الاتفاقات، والدعوة للقاء عاجل للقيادات الفلسطينية السياسية والاجتماعية، من أجل وضع خطة حقيقية قابلة للتنفيذ، للتصدي للمخطط الإسرائيلي، على أن تكون هذه الخطة على أنقاض اتفاق أوسلو والتزاماته، بشكلٍ يعيد للشعب ومنظمة التحرير ومؤسساتها دورها القيادي".

وأكد شحادة "أن هذه الخطوات يجب أن تكون فورية، وألا ننتظر الأول من يوليو/ تموز المقبل (الموعد الذي حدده الاحتلال لتنفيذ خطة الضمّ)، حتى نقوم بها، وهذا يثبت ما إذا كانت القيادة جادة في تهديداتها أم لا"، مضيفاً أنه "بات واضحاً جداً أن سياسة الراعي والذئب التي تقوم بها القيادة الفلسطينية تجاه الأخطار التي تهدد بتصفية القضية وسرقة ما تبقى من الأرض، غير فاعلة".

ويجمع خبراء في الاستيطان والشأن الإسرائيلي، على أن الوقت لم يعد يسعف القيادة الفلسطينية لأي تحركٍ كبير يوقف أو يعرقل بالحدّ الأدنى خطة الضمّ الإسرائيلية، سوى إعادة النظر بالنهج السياسي الفلسطيني بأكمله، بما يتوافق مع حجم الخطر.

وحول الخطوات الفلسطينية الممكنة ضد تنفذ قرار الضم، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية خليل التفكجي، لـ"العربي الجديد"، إن "تنفيذ الحكومة الإسرائيلية لقرارها بضمّ الأغوار وكتل الاستيطان الكبرى في الضفة الغربية مطلع يوليو/ تموز المقبل، لن يترك أي خيارات سياسية للفلسطينيين". وحذر من أن الحديث "هو عن 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، إضافة إلى الكتل الاستيطانية الكبرى التي استنزفت مساحات شاسعة من أراضي الضفة؛ وبالتالي سيفضي الأمر إلى إنهاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، وفشل الحلول السياسية التي يعول عليها الفلسطينيون، على خلاف اليمين الإسرائيلي الذي يصر على عملية الضم، وعلى إلغاء أوسلو عملياً".

وشدّد التفكجي على أن "لا خيارات سياسية متاحة للفلسطينيين، الذين عليهم أن يعيدوا النظر في تفكيرهم السياسي الحالي، الذي يجردهم من كل مقومات الدولة من اقتصاد وسلطة حقيقية، ويفقدهم حقوقهم في الأرض والمياه، كما يفقدهم سيطرتهم على السماء أيضاً".

وحول عملية الضمّ بحدّ ذاتها، توقع تفكجي أن تتم "على مراحل وليس دفعة واحدة، إذ سيبدأ الاحتلال أولى خطواته بضم المستوطنات وتوسيع مناطق نفوذه الحالية، ثم يتبع ذلك ضمّ كامل مناطق الأغوار وما تبقى من أراضٍ تعتبر بالنسبة إليه ذات بعد أمني واستراتيجي، وهي إجراءات ستعيد الفلسطينيين في الواقع إلى كنه اتفاق أوسلو الذي لا يمنحهم حقهم في إقامة دولة، بل يعطيهم سلطة حكم ذاتي في معازلهم الحالية".

لكن هل دولة الاحتلال مستعدة للضم؟ الواقع يقول إنها عبر السنوات الماضية، قامت بخطوات كبيرة وفعلية على الأرض، تجعل موضوع لجنة الخرائط الأميركية الإسرائيلية الخاصة، التي توقفت عن العمل بسبب تفشي فيروس كورونا مجرد تفاصيل إضافية لتأطير الأمر ليس أكثر.

وفي هذا الإطار، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد لـ"العربي الجديد"، إنه "في الفترة الماضية، تم تنفيذ الكثير من الأمور على الأرض لصالح المستوطنين، جعلت موضوع الإعلان عن الضم تحصيلاً حاصلاً لهذه الإجراءات على الأرض، منها ما يتعلق ببناء أكثر من 4 آلاف شقة على أراض مسجلة بملكية فلسطينية في كل المؤسسات الرسمية الفلسطينية والتركية والأردنية والإسرائيلية، وهي ملكيات لفلسطينيين رفضوا بأي شكل أن يبيعوا أراضيهم". وتابع "صدر قانون من الكنيست والحكومة الإسرائيلية بعمل تسوية لهذه الوحدات السكنية واعتبارها قانونية باعتبار أن المستوطن قام بالبناء عليها بحسن نية، ولم يكن يتوقع أنها أراض فلسطينية، وممنوع هدم ما يبنيه المستوطنون، لذلك يجب تسويتها وضمّها للمستوطنات القريبة منها، وإخضاعها للقانون الإسرائيلي بما يتعلق بكل إجراءات بالأملاك والضرائب وما شابه".

وأشار شديد إلى أن "إسرائيل قامت بربط كل التجمعات، بما فيها ما كان يسمى البؤر الاستيطانية غير الشرعية، بشبكة طرق واسعة تربط مستوطنات الضفة مع بعضها البعض، ومع فلسطين المحتلة عام 1948". ولفت كذلك إلى "إقامة شبكة تعليم ديني للمستوطنين المتدينين، وجامعة في مستوطنة في الضفة الغربية، واعتمادها من وزارة التعليم العالي الإسرائيلية، وافتتاح كلية شريعة يهودية في مستوطنة مقامة على أراضي جنوب الخليل، وإنشاء المناطق الصناعية التي أقيمت في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية"، بالإضافة إلى "الكثير من التسهيلات الكبيرة للمستوطنين في شتى نواحي الحياة، من بنية تحتية وخدمات وإعفاء من الضرائب وغيرها، مع ما يقام من مشاريع صناعية وزراعية". وبرأيه، فإن "هناك أرضية قانونية وعملياتية، تجعل موضوع ضمّ الضفة تحصيلاً حاصلاً".