السلطة الخامسة أو مراكز الدراسات العربية

05 سبتمبر 2014

عمل بصري لـِ"بيجورن هولاند"

+ الخط -

تزداد أهمية مراكز الدراسات، وقد بدأت، في انتشارها وتأثيرها، تشكل ظاهرة مهمة في الإدارة والسياسة، حتى أنها توصف بـ "السلطة الخامسة". وفي أوروبا وأميركا، تمثل هذه المراكز بيوت خبرة توجه المسؤولين والسياسات وتقدم الخبرات والاستشارات والمعلومات، ويعتقد أنها تصوغ الجزء الأكبر والمهم من السياسة والإدارة الغربية.

تستطيع مراكز الدراسات العربية أن تحقق الكثير للدول والمجتمعات في صياغة التوجهات، وترشيد السياسات والقرارات، والتنمية، واستنبات التقنية، وتطوير المشروعات، وتعميم الثقافة الجادة، وتفعيل التعليم، ومواكبة المتغيرات والمستجدات في العلم والتقنية، والتدريب المستمر، وتأهيل المجتمعات، وتحقيق رقابة عامة وشعبية فعالة على المؤسسات العامة، الرسمية منها أو الأهلية. وهي، أيضاً، من أهم المداخل الممكنة مستقبلاً لتطوير الصحافة العربية، لتكون صحافة معلومات وتحليل ومصدراً للخدمة المعلوماتية والموسوعية والبحثية.

تقدم جامعة بنسلفانيا تقريراً سنوياً عن أهم مراكز الدراسات في العالم (Think Tanks). وقد شمل تقريرها لعام 2013 تصنيفاً لأهم مراكز الدراسات في العالم (نحو ستة آلاف مركز دراسات)، حسب الأقاليم ومجالات البحث. ويُظهر التقرير أنه يوجد في الأردن 40 مركزاً للدراسات والبحوث، وفي إسرائيل ومصر 55 مركزاً لكل منهما، وفلسطين 43، إيران 34، الكويت 11، لبنان 27، العراق 43، ليبيا 4، موريتانيا 2، المغرب 30، عمان 3، قطر 10، السعودية 7، السودان ،4 سورية 6، تونس 39، تركيا 29، الجزائر 12، البحرين 7، قبرص ،6 الإمارات 14، واليمن 30، وكانت أهم عشر دول في العالم من حيث عدد المراكز، هي: الولايات المتحدة التي تضم 1828 مركزاً، الصين (426)، المملكة المتحدة (287)، الهند (268)، ألمانيا (194)، فرنسا 177)، روسيا (122)، اليابان (108)، وكندا (96). وكان أهم مركز في العالم هو "بروكينغز إنستيتيوشن" في الولايات المتحدة، يليه "تشاثام هاوس" في بريطانيا، وكانت أهم المراكز التابعة للأحزاب السياسية: كونراد أديناور فاونديشن (ألمانيا)، فريدريتش إيبرت فاونديشن (ألمانيا)، هنريخ بول ستيفتنغ (HBS) في ألمانيا. ومنها أيضا مراكز في تشيلي وماليزيا والأرجنتين والبرازيل. ومن الدراسات والتقارير الملفتة، والتي وصفت بأنها الأفضل، مستقبل الموارد (تشاثام هاوس)، وثورة الموارد (مكينزي)، وخريطة لإصلاح السياسات والموارد المائية في الهند (مجلس البيئة والطاقة في الهند)، وروسيا في مركز السياسة العالمية (الأكاديمية الروسية للعلوم)، وحظي التعليم بعدد أكبر من الدراسات.

وقد بدأت مراكز الدراسات العربية بالتنامي والتأثير، وهي وإن كانت، إجمالاً، محدودة الموارد قليلة الحيلة، لكنها بالتأكيد في وضع أحسن من السابق. وكانت الصحافة العربية رائدة في إنشاء مراكز للدراسات مثل "الأهرام" و"الاتحاد" و"الخليج"، و"الرأي" الأردنية.

وفي وقت تبدو فيه تواريخ إنشاء مراكز الدراسات العربية متأخرة، فإن مراكز الدراسات الغربية بدأت قبل فترة طويلة، ولافتٌ جداً أن اليهود أنشأوا في فلسطين مركز دراسات عام 1921، أي قبل إنشاء دولتهم بستة وعشرين عاماً، وما زال هذا يعمل حتى اليوم، وقد أنشأ اليهود معظم مؤسساتهم قبل قيام دولتهم، مثل الجامعة العبرية في القدس (1925) وبنك إسرائيل (1922)، في حين تأخر إنشاء معظم المؤسسات العربية إلى ما بعد قيام الدول والاستقلال بفترة طويلة.

وقد يكون سهلاً القول إن مراكز الدراسات تعاني الضعف المالي وضعف الأداء، ويغلب عليها أنها مؤسسات فرد واحد تقوم عليه، وقد تتوقف بدونه، لكنها تجربة واعدة، وأضافت إلى الحياة السياسية والفكرية لوناً جديداً من العمل، مثل استطلاعات الرأي والحلقات النقاشية وورش العمل والدورات التدريبية، واستضافت خبراء ومفكرين من أنحاء العالم، وأتاحت الفرصة لباحثين وشباب ونشطاء كثيرين، للمشاركة في برامج فكرية والتواصل مع بعضهم.

وبالطبع، كانت المدة الزمنية التي انقضت على معظم هذه المراكز كافيةً للتحول إلى مؤسسات كبيرة، أو، على الأقل، التحول إلى الطابع المؤسسي في عملها، لكننا لا نستطيع أن نلومها على ذلك أيضاً، ولا أن نلومها على ضعف المحتوى العلمي، لأنها لا تعمل في فراغ، فالمجتمع المحيط يمثل عاملاً حاسماً في تحول هذه المراكز إلى مؤسسات وشركات مساهمة كبرى، تقدم الخدمات إلى المجتمع والسوق، ويحول الدراسات والمعلومات إلى سلعة واستثمار. وبغير ذلك، ستبقى عاجزة في ظل الحالة الاقتصادية السائدة، والتي تغيّر من الأولويات والنظرة إلى مراكز الدراسات.

428F6CFA-FD0F-45C4-8B50-FDE3875CD816
إبراهيم غرايبة

كاتب وباحث وصحفي وروائي أردني، من مؤلفاته "شارع الأردن" و"الخطاب الإسلامي والتحولات الحضارية"، وفي الرواية "السراب" و"الصوت"