لم يكن مكرم الرحالي يعي أنّه مصاب بمرض السكري من النوع الثاني، وكان يظنّ أنّ التعب الذي يشعر به مردّه إلى الجهد المبذول في العمل وأنّ الدوار الذي ينتابه أحياناً هو نتيجة قلّة النوم. وعندما خضع لكشف طبي في إحدى القوافل الطبية التي نظّمها الهلال الأحمر التونسي في العاصمة تونس قبل مدّة، أدرك إصابته بهذا المرض وراح يتلقّى العلاج في "مستشفى الرابطة" في العاصمة، واليوم يستخدم حقن الإنسولين.
والرحالي ليس الأوّل ولا الأخير في تونس الذي يكتشف إصابته بالسكري من النوع الثاني صدفة. ويؤكد عبد الباسط سيف الله من الهلال الأحمر التونسي لـ"العربي الجديد"، أنّ "أمراضاً عدّة تُكتشف في خلال القوافل الطبية المجانية، ولا سيّما السكري من النوع الثاني وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، وذلك بسبب قلّة وعي المواطنين لضرورة الخضوع لكشف طبي كلّ فترة للاطمئنان إلى صحتهم. وبعد ذلك، يُوجَّه المعنيّون إلى أطباء اختصاص في المستشفيات".
مفيدة حفيظ، بدورها، لم تكتشف منذ البداية إصابتها بمرض السكري من النوع الثاني. حدث ذلك قبل عشرة أعوام، عند إصابتها بمشكلة كلوية. وبعد الخضوع لبعض الفحوصات، أدركت مرضها، وهي اليوم تخضع للعلاج، ووضعها مستقرّ لأنّها ملتزمةٌ كذلك نظاماً غذائياً وفق توجيهات المتخصصين في المجال.
تقول الطبيبة المتخصصة في الغدد الصماء الدكتورة ألفة البدري لـ"العربي الجديد" إنّ "نصف مرضى السكري من النوع الثاني تقريباً لا يعون أنّهم مرضى، أو يكتشفون الأمر صدفة في خلال إجراء بعض الفحوصات الطبية، وذلك بسبب غياب الوعي حول ضرورة إجراء فحوصات طبية في فترات مختلفة، تتعلّق بأمراض السكري وضغط الدم والقلب وغيرها من الأمراض التي قد لا يدرك المريض إصابته بها، ولا سيّما في بدايتها". وتشير البدري إلى "ارتفاع عدد مرضى السكري من النوع الثاني في خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير"، موضحة أنّه "كان من الممكن أن تأتي النسب أقلّ بكثير لو حصل الكشف المبكر". وتتحدّث عن "نصائح للمريض باعتماد نظام غذائي خاص لتعديل مستوى السكر في الدم، فمن شأن ذلك تجنيبهم أيّ مضاعفات لهذا المرض إلى جانب ممارسة الرياضة. لكنّ ذلك لا ينجح إلا عند الكشف المبكر".
وتفيد الإحصاءات الرسمية الأخيرة بإصابة نحو 19 في المائة من التونسيين بمرض السكري من النوع الثاني، فيما تتوقّع ارتفاع النسبة إلى نحو 25 في المائة بحلول عام 2024. وينتشر هذا المرض بين الأشخاص الذين تراوح أعمارهم ما بين 40 عاماً و60 بنسبة 35 في المائة، وهو ما دفع وزارة الصحة إلى تنظيم حملات توعية سنوية حول أهمية الكشف المبكر من خلال الخضوع لفحوصات طبية دورية لإبعاد احتمال الإصابة. ومن تلك الحملات ما يتوجّه إلى العائلة في معظم المحافظات، فيركّز على الكشف المبكر، ولا سيّما أنّ مزيد من الأطفال يُصابون اليوم بالسكري من النوع الثاني، ودور العائلة في علاج المرضى وتزويدها بمهارات التعامل مع المرض والوقاية من مضاعفاته الخطيرة. ومن ضمن ذلك، يأتي تقديم معلومات عن النظام الغذائي الواجب توفيره لعائلة المريض، وتوعيتها على ضرورة التزام المواعيد المحدّدة مع الطبيب المباشر.
كذلك أطلقت وزارة الصحة في إدارة الرعاية الصحية الأساسية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للاتصالات، مشروعها "توعية مرضى السكري عبر الهاتف الجوّال" لمصلحة مرضى السكري وعائلاتهم. ويتمثل المشروع وفق وزارة الصحة بإسداء نصائح على شكل رسائل نصيّة قصيرة يومية باللغة العربية أعدّها خبراء في المجال. وعلى خلفية ارتفاع عدد المرضى، راحت وزارة الصحة تنظّم قوافل طبية للكشف المبكر المجاني في عدد من الجهات، مع العلم أنّ آلاف الحالات اكتشفت في خلال مثل هذه القوافل وحملات التوعية.
في السياق، يقول الطبيب المتخصص في مرض السكري الدكتور محمد الأسود لـ"العربي الجديد" إنّ "حملات التوعية ساعدت كثيراً في هذا المجال، بالإضافة إلى تشجيع الأشخاص المعنيين على اتّباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة لحماية المريض من مضاعفات المرض". ويؤكد أنّ "نحو نصف المرضى يكتشفون مرضهم صدفة في خلال خضوعهم لبعض التحاليل، وعند علاجهم مرضاً آخر"، مضيفاً أنّ "عدم الكشف المبكر عن المرض قد يؤدّي إلى مضاعفات". ومن جهة أخرى، يلفت الأسود إلى أنّ "السكري من النوع الثاني يصيب مزيداً من الأطفال، لذا من الضروري تكثيف حملات التوعية الموجّهة إلى تلاميذ المدارس والمعاهد، بهدف تثقيفهم حول ضرورة ممارسة الرياضة بانتظام واتّباع نظام غذائي صحي وتجنّب الوجبات الخفيفة في الشارع، ولا سيّما أنّ عادات التونسيين العذائية تغيّرت كثيراً، وصاروا يقبلون كثيراً على تناول الطعام في خارج المنزل، وخصوصاً المواد الغذائية التي تكون نسبة السكر فيها مرتفعة".