السقا والبوابرجي يعودان إلى مصر... واختفاء الفرّاز والصبّاغ

29 اغسطس 2016
عودة مهنة السقاية للانتشار في مصر(كريس بورونكل/ فرانس برس)
+ الخط -
اندثرت العديد من المهن في مصر خلال الفترة الماضية، بعضها بفعل طفرة التكنولوجيا في القطاع الخاص، وبعضها الآخر بفعل تدني مستوى الخدمات، كالانقطاع المتواصل للمياه في العديد من القرى والمناطق العشوائية.

يقول العامل بشركة "كريستال"، عصفور محمد نجدي، إن الشركة كان يعمل فيها آلاف العاملين بمهنة "فراز"، الذين يقومون بفرز الكريستال، ولكن بعدما استعانت الشركة بماكينات كبيرة للقيام بتلك المهمة استغنت عما يقرب من ألف عامل عن طريق المعاش المبكر، مشيراً إلى أن الشركة في طريقها للاستعانة بماكينات جديدة تقوم بمهام أخرى، مثل الغسيل والرص وغيرها، وهو ما يهدّد آلاف العاملين بالشركة بالطرد أو التسريح، وما حوّل التطور التكنولوجي إلى نقمة على العمال المصريين الذين لا يجدون بديلاً سوى التسول.

تتفق مع هذا الرأي العاملة في شركة "فابلوس سبورتس وير" للملابس الجاهزة، منى حمدان، إذ توضح أن مهنة الصباغ اندثرت منذ ما يقرب من خمس سنوات، إذ كان الصباغ يقوم بتلوين الملابس، مما يعرضها للألوان الصناعية والكلور وغيرها من المواد المضرة. وتضيف أن "الشركات، التي استطاعت الاستمرار في ظل موجة هروب الشركات وإغلاقها في مصر على مدار الفترة الماضية، انتقلت للاستعانة بالصباغ الآلي، وبالتالي تم الاستغناء عن غالبية العاملين في مهنة الصباغة".

تشير حمدان إلى أن استخدام الماكينات الصناعية سيىء جداً في الصباغة، نظراً لكونه يتسبب في وقف تصدير الملابس الجاهزة من مصر، إذ تخرط الغالبية العظمى من المنتجات فور تعرضها للشمس أو المياه، بينما كانت الملابس نفسها تتمتع بجودة أفضل، عندما كانت الشركات تعتمد على الصباغ اليدوي".

وتلفت حمدان إلى أن أغلب من يتم تسريحهم من العمل بمهنة الصباغة يتجهون على الفور لإحياء مهنة الخياطة أو الكي، إذ يتمتع أغلبهم بخبرات كبيرة في المهن كافة، التي ترتبط بصناعة الملابس الجاهزة.

إلا أنها تؤكد أن الأزمة الحقيقية عند كبار السن والسيدات اللواتي كنّ يعملن في تلك المهنة، إذ لا يرغب أغلب أصحاب الشركات في هذا القطاع بالاستعانة بهم في أعمال الخياطة وغيرها، نظراً لعدم قدرتهم على تحمل أعبائها بالنسبة لكبار السن، وعدم قدرة النساء على تحمل العمل تحت الضغط والتأخر عن ساعات العمل الطبيعية، خصوصاً المتزوجات منهن. وهو الأمر الذي يؤدي إلى زيادة البطالة بين تلك الفئات.

من جهته، يقول الموظف في شركة مياه الشرب، سيد عبد الله، إن مهنة سقاية المياه عادت من جديد إلى مصر بعد أزمة المياه، التي وصلت إلى آلاف القرى المحرومة من مياه الشرب، فعاد السقّا في ثوب جديد أكثر تطوراً، حيث تقوم الشركة بتوفير عربات مياه معها سائق ومساعد يقوم بملء خزانات المياه للمواطنين ويلف على بيوتهم لتوصيلها لقاء القليل من الجنيهات، وتنتشر تلك المهنة كلما توجهت ناحية العشوائيات.

إلى ذلك، تقول ربة المنزل، فوزية عليوة، إنه منذ اندلاع الثورة بدأت تظهر في مصر العديد من المهن، التي كانت قد غابت تماماً، كمهنة البوابرجي أو الشخص الذي يقوم بتصليح "الباجور"، المستخدم بديلاً من أسطوانات غاز الطهو "البوتاغاز" ويمكن استخدامه في التدفئة، في ظل الانقطاع المتواصل للكهرباء، ممّا دفع آلاف بل ملايين الفقراء إلى اللجوء مرة أخرى إلى "الباجور" لاستخدامه في التدفئة، وأحياناً لإعداد الطعام في أثناء أزمة أنابيب الغاز.

إلى ذلك، توضح عليوة أيضاً أن مهنة خياطة الملابس للأسرة عادت من جديد بفعل الارتفاع الجنوني في أسعار الملابس الجاهزة، خاصة المستوردة منها، الأمر الذي دفع آلاف الفقراء إلى الاتجاه للحياكة من أجل توفير القليل من الجنيهات . وكانت هذه المهنة قد اختفت في مصر منذ الثمانينيات. وتختم عليوة بالقول إن بعض المهن غابت تماماً، مثل مبيّض النحاس والقرداتي وغيرها، ولكن لا يمكن لأحد أن يستبعد عودتها من جديد.
دلالات
المساهمون