تختلف العادات والتقاليد بين سكان كلّ منطقة من مناطق المملكة العربية السعودية. فالبلاد تعيش تنوعاً كبيراً على المستوى الاجتماعي. وعادات أهل المنطقة الشرقية أو الوسطى مثلاً، لا تشبه بأيّ وجه عادات أهل الغربية. وكذلك بالنسبة لعادات أهل الجنوب المختلفة عن أهل الشمال وبقية المناطق.
فالاختلاط بين الجنسين مثلاً، كعادة اجتماعية، يلاحظ في المناسبات الاجتماعية والولائم والأفراح لدى سكان مكة المكرمة والمنطقة الغربية. لكن، لا يمكن أن تجدها في مجتمع المنطقة الوسطى أو الشرقية. وتؤكد سمية، وهي من سكان مكة، أنّ "الاختلاط عادة قديمة لدينا، لم تمنع إلاّ في التسعين عاماً الأخيرة، لكن ما زلنا نمارسها في مناسباتنا الإجتماعية الخاصة".
في المقابل، يقول أحمد من منطقة جيزان إنّ عادة مضغ القات تكاد تكون مقتصرة على سكان المناطق السعودية المحاذية لليمن، نتيجة التقارب الجغرافي والتزاوج والتداخل الأسري بينهما.
من جهتها، تعزو الخبيرة الاجتماعية نورة الحمودي أسباب التباين في العادات لدى سكان المناطق المختلفة في السعودية إلى عدة عوامل، منها ما يعود للانفتاح القديم الذي تعيشه المنطقة الغربية والحجاز على وجه الخصوص، نتيجة وجود الحرمين الشريفين وتوافد الحجاج من شرق الأرض وغربها باختلاف ثقافاتهم وعاداتهم. كما يستقر بعضهم في الحجاز سواء في جدة أو مكة أو المدينة منذ القدم، لتختلط عاداته وثقافته مع ثقافة أهل البلد الأصليين.
كما تشير إلى أنّ للطبيعة الجغرافية أثرها في تشكيل هذا الاختلاف. فسكان المناطق الزراعية مثلاً يتمتعون باستقرار أكبر من غيرهم من سكان المناطق الصحراوية التي يقيم فيها البدو الرحّل، والذين تتيح لهم عاداتهم الانفتاح أكثر، مع السماح لبناتهم بالزواج من خارج القبيلة. أما أهل المناطق الزراعية فتحمل الأرض قيمة كبيرة لديهم وهو ما يجعلهم يتشددون في عادة زواج الأقارب بحيث يضمنون بقاء هذه الثروة في نطاق الأهل.
وتلفت الحمودي، في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى نقطة مهمة، وهي أنّ العادات تستمر مع استمرار وظيفتها الاجتماعية التي تؤديها. فإذا انتهت الوظيفة انقرضت العادة. ومن هذا القبيل، عادة زواج بنت العم من إبن العم. فقد كان لهذه العادة وظيفة اقتصادية مهمة في الحفاظ على ثروة العائلة ضمن نطاقها. لكنّ ذلك تغيّر، وتتجه الوظيفة هذه إلى نهايتها في كثير من المناطق، ومعها العادة التي تكاد تنقرض.
بدوره، يقول الباحث المهتم بالتراث واللهجات والتنوع المناطقي أحمد المطلق: "الكيان السياسي السعودي لم يكن في يوم من الأيام كياناً اجتماعياً واحداً، بل هو دولة قائمة على الجمع بين عدة مجتمعات قديمة منفصلة ثقافياً تحت نظام سياسي واحد. فالمنطقة الشرقية مثلا تأثرت بدول الخليج الأخرى أكثر من تأثرها بنجد أو الحجاز".
ويتابع: "إذا نظرنا للكويت مثلاً لوجدناها مع مدينة الأحساء مجتمعين متقاربين ثقافياً. بل أكثر من ذلك، تأثرت الشرقية بثقافة شعوب الهضبة الإيرانية وسواحلها أكثر من تأثرها بجيزان أو نجران على رغم اختلاف اللغة. فالخليج يقرّب ولا يبعد، بعكس الصحراء التي تفصل ولا توصل. فيما تأثرت الحجاز بمصر والشام تأثراً كبيراً نتيجة العلاقات والتنقلات السكانية بينها، خصوصاً قبل قيام الدولة السعودية".
ومن المنطلق نفسه، يشير إلى أنّ منطقة عسير تعتبر مع اليمن منطقة ثقافية متقاربة جداً. ويتابع أنّ الجزيرة العربية منذ القدم "كانت أقاليم اجتماعية منفصلة عائمة في الصحراء. فالاختلاف في العادات والتقاليد سببه الانفصال الثقافي بين الأقاليم بسبب الصحراء الكبيرة، والتساؤل حول اختلاف العادات اليوم ناشئ من توحيد الدولة السعودية كلّ تلك الأقاليم غير المتجانسة أساساً".
أما الخبير في عادات وسلوكيات المجتمع السعودي يوسف الشريدة، فيقول: "هناك حقيقة ثابتة في علم الاجتماع، وهي أنّ التسامح يزدهر في المناطق الساحلية نتيجة التواصل مع البلدان الأخرى وتبادل المنافع التجارية معها. فيعتاد الناس على التواصل مع المختلفين وينشغلون بما يحقق مصالحهم المشتركة".
ويتابع: "أما المناطق البعيدة عن السواحل، فيغلب على قاطنيها التشدد والتعصب والقابلية لاستعداء الآخرين وعدم الثقة بهم. ولذا يمكن من خلال المراجعة ملاحظة أن أغلب النماذج المتشددة انطلقت من بيئة داخلية شبه صحراوية. وهذا يفسر الاختلاف الجوهري بين أبناء الحجاز مثلاً وأبناء نجد".