عاماً بعد آخر، تختفي العادات السعودية الخاصة بشهر رمضان. وخارج الحارات الشعبية لا تلحظ مظاهر رمضان كما كانت العادة قبل عقد، وهو ما ساهمت بعض القرارات الحكومية فيه عن طريق منع مكبرات الصوت في المساجد خلال صلوات التراويح. وحتى التهنئة، بالشهر الفضيل، تحوّلت من الزيارات والولائم إلى رسائل إلكترونية جاهزة، بعضها لا يحصل على رد حتى.
وبذلك، تتقلّص روحانية الشهر، فيتحوّل من شهر صيام وعبادة إلى شهر تسوّق وسهر وبرامج تلفزيونية ومواقع تواصل اجتماعي.
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، محمد العتيقي، إنّ تطور الحياة وزيادة الأشغال ساهمت في ابتعاد السعوديين عن عادات رمضان وتقاليده، على الرغم من حرص كبار السن عليها. ويضيف لـ"العربي الجديد": "ليس في رمضان فقط، أمور كثيرة تغيرت في حياة السعوديين.. وحتى الأعياد لم تعد كما كانت، والسبب هو طغيان التقنية والأجهزة الذكية على الحياة، حتى باتت كل أمورنا تعتمد عليها". ويتابع: "هناك حالة من الانعزال الأسري الحاد، تقلّصت الزيارات العائلية، وبات التقارب مع الجيران شبه معدوم. فبعضهم قد يجاور أحدهم سنوات طويلة من دون أن يعرف اسمه".
في شهر رمضان الذي كان يمتلئ بالزينة وبالأجواء الروحانية سابقاً، كان من النادر أن يفكر أحد السعوديين بالسفر خارج البلاد إلاّ إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
ويتذكر حمد البريك (70 عاماً) كيف كانوا يستقبلون شهر الصيام، ويقول لـ"العربي الجديد": "تبدأ المظاهر منذ منتصف شهر شعبان، وفي الليلة التي يطلق عليها اسم القريش في المنطقة الشرقية، وكان كبير الأسرة يزيّن بيته بالأنوار، ويعيد فرش الديوانية لاستقبال الضيوف طوال الليل". ولا تقتصر الاستعدادات على شراء متطلبات الشهر الكريم، بل يتجاوز ذلك إلى استعدادات نفسية وروحانية. وفي أواخر شهر شعبان تلتف الأسرة حول المذياع لانتظار الإعلان الرسمي لدخول رمضان، والذي يأتي عادة من مدينة حوطة سدير (160 كلم شمال العاصمة الرياض). يضيف البريك: "ومنذ اليوم الأول تنشط الزيارات والاجتماعات، وتكثر المظاهر الدينية والمحاضرات والندوات والتوعية، وتقام الإفطارات الجماعية للفقراء والمحتاجين. أما صلاة التراويح فمن أهم الأمور في رمضان، فتتناغم أصوات المساجد في ما بينها في قراءات عذبة. وهو ما افتقدناه، أخيراً، بسبب قرار وزارة الشؤون الاجتماعية منع مكبّرات الصوت في رمضان. ولم تكن صلاة التراويح تقتصر على الرجال، بل كان للنساء دور كبير فيها".
كما يشير البريك إلى أنّ قراءة القرآن كانت حاضرة بقوة، ومن النادر ألاّ يختمه الصائمون. أما اليوم "فإنّ المسلسلات باتت بديلاً من العبادات".
من جهة أخرى، فإنّ عادات الأكل، أيضاً، تتغير خارج المناطق الشعبية، وتفقد المناطق هويتها وذوقها الرمضاني الخاص في المأكولات التقليدية مع استبدالها بالوجبات السريعة. ويقول العتيقي: "تتميز السعودية باختلاف العادات والتقاليد بين مناطقها.. لكن مع التطور التكنولوجي باتت العادات تتشابه، وللأسف تشابهت في الأسوأ، فمن غير المعتاد أن تجد أسرة تتسحّر على بيتزا مثلاً. اختفت السوبيا والفول والهريس والجريش، وحلت بدلاً منها الوجبات السريعة المضرّة بالصحة".
اختلاف العادات الاجتماعية للأسر السعودية كان أسرع في السنوات الخمس الأخيرة. فقد بات الفارق واضحاً، وغاب الكثير من معالم شهر رمضان التي ارتبطت به في الماضي. ويعطي دليهم السبيعي (64 عاماً) مثالاً عن ذلك في صوت مدفع الإفطار الذي غاب اليوم وبات من التراث القديم، وكذلك صوت المسحّراتي الذي كان يجوب شوارع الدمام وجدة والرياض مثل بقية المدن العربية، واستبدل بمنبه الجوال.
أسباب اقتصادية
تغييرات كثيرة طرأت على عادات رمضان في السعودية اليوم. لكنّ أهم أسباب التغيير بحسب البعض، اقتصادي. فقد تلاشت العادات بسبب ضعف القدرة المالية لرب الأسرة. هذا الأمر يؤسس لاجتماع من نوع آخر، فبدلاً من الموائد المشتركة والزيارات المتبادلة وحلقات الصلاة والتلاوة في المساجد، بات الجميع منشغلاً بمتابعة التلفزيون وما يعرضه من مسلسلات رمضانية، أكثر من أيّ شيء.
إقرأ أيضاً: رمضان العرب.. لهيب الحرب والصيف
وبذلك، تتقلّص روحانية الشهر، فيتحوّل من شهر صيام وعبادة إلى شهر تسوّق وسهر وبرامج تلفزيونية ومواقع تواصل اجتماعي.
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، محمد العتيقي، إنّ تطور الحياة وزيادة الأشغال ساهمت في ابتعاد السعوديين عن عادات رمضان وتقاليده، على الرغم من حرص كبار السن عليها. ويضيف لـ"العربي الجديد": "ليس في رمضان فقط، أمور كثيرة تغيرت في حياة السعوديين.. وحتى الأعياد لم تعد كما كانت، والسبب هو طغيان التقنية والأجهزة الذكية على الحياة، حتى باتت كل أمورنا تعتمد عليها". ويتابع: "هناك حالة من الانعزال الأسري الحاد، تقلّصت الزيارات العائلية، وبات التقارب مع الجيران شبه معدوم. فبعضهم قد يجاور أحدهم سنوات طويلة من دون أن يعرف اسمه".
في شهر رمضان الذي كان يمتلئ بالزينة وبالأجواء الروحانية سابقاً، كان من النادر أن يفكر أحد السعوديين بالسفر خارج البلاد إلاّ إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
ويتذكر حمد البريك (70 عاماً) كيف كانوا يستقبلون شهر الصيام، ويقول لـ"العربي الجديد": "تبدأ المظاهر منذ منتصف شهر شعبان، وفي الليلة التي يطلق عليها اسم القريش في المنطقة الشرقية، وكان كبير الأسرة يزيّن بيته بالأنوار، ويعيد فرش الديوانية لاستقبال الضيوف طوال الليل". ولا تقتصر الاستعدادات على شراء متطلبات الشهر الكريم، بل يتجاوز ذلك إلى استعدادات نفسية وروحانية. وفي أواخر شهر شعبان تلتف الأسرة حول المذياع لانتظار الإعلان الرسمي لدخول رمضان، والذي يأتي عادة من مدينة حوطة سدير (160 كلم شمال العاصمة الرياض). يضيف البريك: "ومنذ اليوم الأول تنشط الزيارات والاجتماعات، وتكثر المظاهر الدينية والمحاضرات والندوات والتوعية، وتقام الإفطارات الجماعية للفقراء والمحتاجين. أما صلاة التراويح فمن أهم الأمور في رمضان، فتتناغم أصوات المساجد في ما بينها في قراءات عذبة. وهو ما افتقدناه، أخيراً، بسبب قرار وزارة الشؤون الاجتماعية منع مكبّرات الصوت في رمضان. ولم تكن صلاة التراويح تقتصر على الرجال، بل كان للنساء دور كبير فيها".
كما يشير البريك إلى أنّ قراءة القرآن كانت حاضرة بقوة، ومن النادر ألاّ يختمه الصائمون. أما اليوم "فإنّ المسلسلات باتت بديلاً من العبادات".
من جهة أخرى، فإنّ عادات الأكل، أيضاً، تتغير خارج المناطق الشعبية، وتفقد المناطق هويتها وذوقها الرمضاني الخاص في المأكولات التقليدية مع استبدالها بالوجبات السريعة. ويقول العتيقي: "تتميز السعودية باختلاف العادات والتقاليد بين مناطقها.. لكن مع التطور التكنولوجي باتت العادات تتشابه، وللأسف تشابهت في الأسوأ، فمن غير المعتاد أن تجد أسرة تتسحّر على بيتزا مثلاً. اختفت السوبيا والفول والهريس والجريش، وحلت بدلاً منها الوجبات السريعة المضرّة بالصحة".
اختلاف العادات الاجتماعية للأسر السعودية كان أسرع في السنوات الخمس الأخيرة. فقد بات الفارق واضحاً، وغاب الكثير من معالم شهر رمضان التي ارتبطت به في الماضي. ويعطي دليهم السبيعي (64 عاماً) مثالاً عن ذلك في صوت مدفع الإفطار الذي غاب اليوم وبات من التراث القديم، وكذلك صوت المسحّراتي الذي كان يجوب شوارع الدمام وجدة والرياض مثل بقية المدن العربية، واستبدل بمنبه الجوال.
أسباب اقتصادية
تغييرات كثيرة طرأت على عادات رمضان في السعودية اليوم. لكنّ أهم أسباب التغيير بحسب البعض، اقتصادي. فقد تلاشت العادات بسبب ضعف القدرة المالية لرب الأسرة. هذا الأمر يؤسس لاجتماع من نوع آخر، فبدلاً من الموائد المشتركة والزيارات المتبادلة وحلقات الصلاة والتلاوة في المساجد، بات الجميع منشغلاً بمتابعة التلفزيون وما يعرضه من مسلسلات رمضانية، أكثر من أيّ شيء.
إقرأ أيضاً: رمضان العرب.. لهيب الحرب والصيف