لا يزال ظهور نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل، علي عبدالله صالح، العميد طارق صالح، في محافظة شبوة قبل أيام، ثم لاحقاً ما تردد عن وجوده في عدن، يثير موجة غضب كبيرة في المحافظات الجنوبية، وسط تصعيد متعدد الأشكال ضد دول التحالف، وفي مقدمتها الإمارات، احتجاجاً على إعادة رموز النظام السابق من بوابة الجنوب، من دون أن يكون مصير هذه الاحتجاجات محسوماً، سواء ما يتعلق بالنجاح في معركة إبعاد رموز صالح، وتحديداً طارق، أو الفشل في ذلك. ويحظى طارق صالح، ومن يتواجد من رموز صالح في الجنوب، بدعم الإمارات، الطرف الرئيسي في التحالف العربي الذي يتحكم بالقرارات في الجنوب، وتحديداً في عدن.
وكان "مجلس المقاومة الجنوبية" أعلن رفضه لوجود طارق صالح في عدن، معتبراً أن وجوده في المدينة "استفزاز صارخ" للمقاومة الشعبية ودماء الشهداء، داعياً دول التحالف العربي إلى احترام إرادة "الشعب الجنوبي". وطالب المجلس، في بيانين منفصلين، الكيانات السياسية وقوى "الحراك الجنوبي"، وفي مقدمتها "المجلس الانتقالي" بإعلان موقف "واضح"، تجاه طارق صالح، الذي قال إنه يتواجد في اللواء 31 في معسكر بئر أحمد.
وشهدت مدينة عدن، الإثنين الماضي، توتراً أمنياً بين قوات التحالف العربي، و"المقاومة الشعبية الجنوبية"، بعد معلومات عن نشر "المقاومة" نقاطاً أمنية على طول الطريق الممتد من المطار في مدينة خور مكسر إلى مدينة البريقة حيث يقع مقرّ قوات التحالف العربي، بحسب ما ذكرت وكالة "الأناضول" التركية. وجاءت خطوة "المقاومة"، عقب رفض قوات التحالف العربي لمطالب "المقاومة" بإيضاح أسباب بقاء طارق صالح، قائد القوات الخاصة إبّان حكم صالح، في عدن. وفي السياق، أعلن التجمع الديمقراطي الجنوبي "تاج" رفضه المطلق لاستقبال قيادات من وصفهم بـ"دولة الاحتلال" في الأراضي الجنوبية. وأكد، في بيان، أنه سيتصدى لأي محاولة لاستجلاب قوات إلى الجنوب. وقال القيادي في "المقاومة الجنوبية" ونائب مدير أمن عدن، علي الذيب، المعروف بـ"أبو مشعل الكازمي"، تعليقاً على تواجد طارق صالح في الجنوب إن "الجنوب حر ولن يخضع لأي إملاءات، والقضية أكبر من شرعية ومجلس ومكونات".
وبدا واضحاً أن حجم الاستياء المتصاعد في الجنوب إثر ظهور طارق صالح، سبب إحراجاً لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي التزم الصمت، تماشياً مع الموقف الإماراتي الداعم لطارق صالح، وهو ما جعل المجلس في مرمى انتقادات وسخرية الشارع. وبخلاف بدايات تأسيسه، بات من الملاحظ أن الفجوة تتسع يوماً بعد يوم بين "المجلس الانتقالي" والشارع في الجنوب، مع خضوع معظم مواقف المجلس لتبعية أجندات أبو ظبي. ويقول الصحافي، صلاح السقلدي، إنه "حتى الآن لم يصدر عن المجلس الانتقالي الجنوبي أي تعليق عن الأخبار التي تتحدث عن وجود طارق صالح بعدن. هذا التأخر من الانتقالي يعزز التكهنات القائلة بأن الإمارات هي من تدفع بطارق جنوباً وتسهل له الحركة والتمكن، وتمارس ضغوطاً على الانتقالي بمثل هذه الأمور". وأضاف، في منشور على صفحته على "فيسبوك"، إن "الانتقالي قد أصدر عدداً من البيانات في الفترات السابقة بشأن أمور أقل أهمية من هذا الأمر. المنتظر من الانتقالي توضيح هذا الأمر".
وتحت ضغط الشارع، أطلق رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، عيدروس الزبيدي، دعوة لأعضاء المجلس لاجتماع طارئ بعدن، من المرجح أن يكرس لإعلان موقف من تحركات طارق صالح، لكن هناك سياسيين يرون أن موقف المجلس، فيما لو أعلن، لن يخرج عن إطار توجه الإمارات بشأن القضية، التي بدأت ردّات الفعل تجاهها تأخذ منحى التصعيد. وبالتزامن مع الانتقادات الموجهة إلى "المجلس الانتقالي"، لم يسلم التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، من موجة السخط التي اجتاحت الجنوب بعد ظهور طارق صالح، والأنباء التي تتحدث عن تكليفه بمهمة عسكرية انطلاقاً من الجنوب. ولم يتوقف الأمر عند الانتقادات والتعبير عن الرفض لهذه الخطوة، بل تجاوزه إلى المطالبة بإعادة النظر في التحالف والعلاقة بين الجنوب والتحالف العربي، التي قامت على أرضية مواجهة مليشيا الحوثي والقوات الموالية للرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، بعد اجتياحهما الجنوب في العام 2015. وكانت دعوات مماثلة قد برزت، إثر لقاء قيادات في حزب "الإصلاح" بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي اعتبره قطاع واسع في الشارع الجنوبي تمهيدا لتأسيس تحالف في الشمال، يؤثر على مستقبل الجنوب.
وإضافة إلى الأزمة الحاصلة الآن بعد ظهور طارق صالح، فقد أصبح من المؤكد أن العلاقة الوطيدة بين الجنوب والتحالف العربي، التي أنتجتها الحرب، في طريقها للتراجع، وربما الصدام. وقال القيادي الجنوبي، عيدروس النقيب، إن "مجرد وطء الأرض الجنوبية بأقدام هؤلاء يمثل استفزازاً لكل جنوبي، ومن شأن ذلك أن يزيد من سخط الشارع الجنوبي ويستفز مشاعر ذوي الشهداء والجرحى والمختطفين، وقد يتسبب في اندلاع ثورة عارمة في وجه هؤلاء ومن يفكر باستضافتهم، ولو كلاجئين". وأشار النقيب، على صفحته على "فيسبوك"، إلى أن "ذلك يلحق الأذى بالسمعة التي كونتها دول التحالف لدى الشعب الجنوبي، الذي لم ينس وقوفها إلى جانبه في مواجهة هؤلاء عندما كانوا غزاة لأرضه".
وكان الفن قد دخل على خط الأزمة بين الجنوبيين والتحالف. ففي 11 يناير/كانون الثاني الحالي، أطلق الفنان عبود خواجة أغنية جديدة، بعنوان "لن نقبل الإذلال والعيش المهين"، انتقد فيها سياسات التحالف، وفي مقدمته الإمارات، في المحافظات الجنوبية، لتتزامن مع حملة رفض استضافة طارق صالح بعدن ويعطيها زخماً إضافياً. وبإطلاق هذه الأغنية، يكون الفن قد دخل على خط وسائل مواجهة الهيمنة الإماراتية على جنوب اليمن، ومن المرجح أن يفتح الباب أمام أعمال فنية جديدة في ذات الاتجاه. ولقي العمل رواجاً كبيراً بفعل ارتباط اسم الفنان عبود خواجة باحتجاجات "الحراك الجنوبي" منذ انطلاقته في العام 2007، وغالباً ما تلهب أغانيه، الموجهة بمعظمها ضد سياسات النظام السابق، حماسة الجماهير. وقال خواجة، في حوار مع صحيفة "عدن الغد" المحلية، إن الرسالة التي يحملها العمل الفني هي أن الجنوبيين قدموا تضحيات لأجل "استعادة الدولة ولأجل الكرامة فلم يحصلوا على شيء"، مضيفاً " تلقيت ردوداً إيجابية كبيرة ونقدا سطحيا ذكرني بنقاد الموالين لصالح في العام 2007 عند إطلاقي أول أغنية". وأشار إلى أن "الدور السلبي للتحالف، والإمارات بالذات، واضح في عدم تفعيل قوة الجنوب الاقتصادية، بهدف إبقائنا عند أبوابهم، ولن نقبل هذه السياسة".