السجن لإمام دنماركي-فلسطيني والتهمة: معاداة السامية

15 نوفمبر 2015
عبدالله إسماعيل إمام مسجد في ألمانيا(العربي الجديد)
+ الخط -
في الحرب العدوانية على غزة في صيف العام الماضي 2014 كانت المشاهد المؤلمة والناجمة عن آلة قتل همجية تقصف عشوائيا تثير حتى عواطف وأحاسيس الأوروبيين الذين تزايد نقدهم لسياسات حكوماتهم وأحيانا خضوعها لضغوط اللوبيات المؤيدة لدولة الاحتلال، ومنها منظمات صهيونية وأخرى سياسية متشددة في معسكر اليمين. لم يختلف الأمر في إسكندنافيا عن غيره في دول أخرى حيث ذهبت المنظمات الصهيونية إلى حد التباكي على ما وصفته بـ"تزايد المعاداة للسامية" كلما فتح صحفي أو سياسي فمه لانتقاد دولة الاحتلال وجيشها، ورغم كل محاولات إخفاء الصورة وتمييع الخبر إلا أن أصواتا كثيرة ارتفعت من السويد شمالا وحتى ألمانيا الحذرة تطالب بمقاطعة وعقوبات على إسرائيل.
عبد الله إسماعيل (أبو بلال) مواطن دنماركي من أصل فلسطيني، يقيم في الدنمارك منذ 25 سنة، يؤم المصلين في مدينة آرهوس وسط البلاد، ويتنقل مدعوا بين مدنها وله عائلة في ألمانيا مقيمة في برلين. وفي جمعة 18 يوليو 2014 بشهر رمضان، كان إسماعيل في زيارة إلى برلين حين دعاه أحد مساجدها (النور) لإلقاء خطبة كان عنوانها "التوبة". في ذات اليوم ارتكب القصف الإسرائيلي مجزرة بحق المدنيين، وفي الدقيقتين الأخيرتين، وفقا لتسجيل صوتي، وجد إسماعيل نفسه يتحدث عن فلسطين ومعاناة أهل غزة تحت القصف.

استخبارات ألمانية
حديث لم يكن يدري "أبو بلال" بأنه يجري تسجيله ليصل إلى الاستخبارات الألمانية وجهات يهودية نافذة في برلين وكوبنهاغن. يقول لـ "العربي الجديد": "كفلسطيني ومسلم وإنسان، أثارني ذلك الإجرام بحق شعبي، وفي الدقائق الأخيرة من خطبتي عن التوبة دعوت على الصهاينة المجرمين الذين يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ ودعوت الله أن ينتقم لهم". بعد نشر التلفزيون للتهمة بدأت المضايقات ضد إسماعيل ولم يعد يرغب أحد بتشغيله وسط اعتذار وأسف المديرين السابقين له أيضا.
اكتشف عبد الله إسماعيل في 22 أغسطس/آب، بعد شهر تقريبا من تلك الخطبة، أنه تم رفع شكوى ضده من قبل 30 يهوديا من البلدين، ألمانيا والدنمارك، والتهمة " تحريض على قتل اليهود وعلى التعايش السلمي بين الناس". وجهت الحكومة الألمانية رسالة رسمية لإسماعيل تطالبه بعد تعداد التهم الموجهة إليه بأن يرد خلال مدة أقصاها شهر وإلا "فستمنع من دخول ألمانيا لبقية حياتك وستقدم إلى محكمة بشأن التهم والشكاوى".
رد إسماعيل برسالة رسمية ووكّل محامياً للدفاع عنه بتاريخ الثالث من سبتمبر/أيلول. لكنه حكم غيابيا بالسجن 3 أشهر في 14 مارس/ آذار وغرامة تصل 10 آلاف يورو.
يوم الخميس 12 نوفمبر/تشرين الثاني ذهب عبد الله إسماعيل لحضور جلسة الاستئناف في برلين ، يقول: "بعد ربع قرن من الغربة واحترام قوانين البلد الذي كبرت فيها وولد فيه
أولادي أقف عاجزا عن تفسير ما يراد مني ومن غيري حين يتعلق الأمر بالإسرائيليين، هل المطلوب تكميم الأفواه ومنع انتقاد أو حتى توجيه الدعاء إلى الله للانتقام من قتلة لا يزالون يمارسون الإعدام بدم بارد؟". ويضيف: "حتى الأحزاب اليسارية في هذه البلاد لديها غضب عارم ضد الصهاينة وهي تقول بحق دولة الاحتلال أكثر مما نقوله، نحن في ديننا ندعو الله ولم نقل قم يا فلان وانتقم في أوروبا. هناك يساريون ومتضامنون يسافرون إلى فلسطين ويرمون الاحتلال بالحجارة ويوثقون انتهاكاته، بل نعرف بأن هناك يسارا ثوريا يؤيد الجبهة الشعبية والكفاح المسلح. صحيح أيضا أن هؤلاء يلاحقون إعلاميا ويراقبون لكن أن يجري التركيز على صفة التعميم بتقديمنا إلى محاكم تحت تهديد السجن، وهذا يخرق أقل مبادئ ما يقولون بأنهم يؤمنون به وهو حرية الرأي والتعبير".
ما يخشاه عبد الله إسماعيل، من خلال تركيز منظمات يهودية على الفلسطينيين، هو أن يتحول إحباطهم (اللوبيات) إلى غضب نحو جيل فلسطيني ولد في الغرب وكبر فيه ولكنه لا يزال يعتبر قضية فلسطين الحد الفاصل بين الظلم والعدالة، بإلصاق تهم للناشطين من خلال بعض القضايا باعتبارها "معاداة للسامية".

حالة سعار
يستغرب البعض في المدينة التي يقيم فيها عبد الله إسماعيل كيف أن التهديدات بالاعتداءات وحرق المساجد يجري تنفيذها من قبل أشخاص معروفين ولكن بنفس الوقت تلصق بهم تهم "العته"، بينما إذا تلفظ شاب في مظاهرة ضد دولة الاحتلال بشعارات ما فورا يجري اتهامه بالإرهاب والتشدد.
رغم كل شيء يقول أبو بلال بأنه لن يتوقف حتى يوصل قضيته الأوروبية لحقوق الإنسان وما هو أعلى منها.
يقول عبد الله إسماعيل "منذ سنوات كنت أعمل في شركة سكن تقطنها أغلبية مهاجرة، كان المديرون يقدرون جهدي بين الشباب ودعوتهم الدائمة لاحترام قوانين ومصالح الدنمارك وعدم التوجه باتجاهات مشوهة لصورة العرب والمسلمين. لقد أقنعنا الكثير من الشبان المولودين في بلاد الغربة، ومنها الدنمارك، بالابتعاد عن أية قضايا جنائية عبر ناد يضمه مسجدنا، وتعترف الشرطة منذ سنوات في لقاءات رسمية معنا بالدور الذي لعبناه في إبعاد هؤلاء الشبان واليافعين عن الطريق الخطأ. لكن من المؤسف الاعتراف بأن جهات سياسية، محافظة ويمينية وبعض اللوبيات لم يعجبها ذلك. فتزعم البعض حملة تشويه بحقي شخصيا وحق مساجدنا واعتبروا بكل سذاجة أن إبعادنا لهؤلاء اليافعين عن أية أعمال جنائية هو ما يطلقون عليه هنا "راديكاليسيينغ" بمعنى إيصال هؤلاء الشبان بدلا من المسار الذي يودي بهم إلى المحاكم والسجون إلى الالتزام بتعاليم وأخلاق الدين تشددا".

من هنا بدأت المضايقات، وأصبح عبد الله إسماعيل بعد 7 سنوات من العمل بلا عمل، بل باتوا يعرضون عليه أعمالا لا تليق ولا يمكن ذكرها، في تحدّ وتعدّ رآه خطيرا على صورة الأئمة "أمام شبان لا يفهمون في الجهة الرسمية الانعكاسات السلبية لمثل تلك التضييقات".
في حالات كثيرة كان إسماعيل وبعض الأئمة والشبان يزورون الكنائس والأديرة ويلتقون بالقساوسة ويحتسون الشاي والقهوة يجمعهم نقاش قد لا يكون الدين عنوانه الأساس بل "الأخلاق المشتركة وطريقة التعايش باندماج إيجابي".
"العربي الجديد" حضر في بعض تلك اللقاءات التي عبر فيها أحد أكبر قساوسة الدنمارك عن رغبته الدائمة "في تبادل تلك الزيارات وتناول بعض الطعام معاً في المسجد".
ليس عبد الله وحده من يظن بأن "ظلما إعلاميا كبيرا وقع على هؤلاء الأئمة، وخصوصا بعد أن جرى تداول ما يسمى لائحة إرهاب أصدرتها جهات عربية تعتبر فيها منظمات جاليات مسلمة إرهابية". ويرى بأن الرقابة اللصيقة والتنصت باتا من روتينيات العمل اليومي لأجهزة غير شرطية، وهو يشير إلى الاستخبارات التي تلمح إلى قضايا يرفض عبد الله وغيره أن يكون مساهما فيها.