أثارت زيارة مسؤولين أميركيين برفقة وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان، لريف دير الزور الشرقي، أخيراً، العديد من التكهنات عما حملوه من رسائل للأطراف التي التقوها، خصوصاً بعض وجهاء القبائل العربية وممثلي المجتمع المحلي، وعن الهدف من الزيارة، وهل هي لمواجهة النفوذ الإيراني والتركي، أو لإيجاد طرف يستطيع إمساك الأرض من دون الحاجة إلى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
ولفهم الرسائل المراد إيصالها، ينبغي تسليط الضوء على بعض المعطيات التي رافقت الزيارة، والتي قد تكشف عن الدور الذي تريد واشنطن والرياض من عشائر الجزيرة والفرات أداءه. وكان الوفد الذي زار ريف دير الزور الشرقي قد ضم ويليام روباك، المستشار الأميركي للتحالف الدولي والذي يزور المنطقة بشكل دوري ويلتقي قيادات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) و"الإدارة الذاتية"، وهو معروف بعلاقاته الوطيدة بالقيادات الكردية في "قسد"، بالإضافة إلى معاداته لإيران. كما ضم الوفد نائب وزير الخارجية الأميركي جويل رابيون، وهو كولونيل سابق وباحث في الشؤون العسكرية، وله صلة وثيقة بالرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، الجنرال ديفيد بترايوس. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت أن مهمة رابيون تتمحور حول إنهاء الصراع في سورية. وقد طبع له في العام 2015 كتاب تحت عنوان "العراق بعد أميركا: رجال أقوياء وطائفيّون ومقاومة".
وقال مسؤول رفيع المستوى ومطلع على حيثيات الزيارة، طلب عدم كشف اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الأميركيين هم الذين نسقوا الزيارة وقاموا بإقناع السبهان بمرافقتهم. وأعلن رئيس "مجلس دير الزور المدني" غسان اليوسف أن الزيارة مخطط لها منذ شهور، وليست وليدة اليوم. وكشف اليوسف، في مقابلة مع تلفزيون "سوريا" أخيراً، عن جزء من تفاصيل اجتماعه مع الوفد المشترك. وقال إن الأميركيين أبلغوه بشكل واضح بأنه لا انسحاب أميركياً قريباً من شرق الفرات، وأن هناك مصلحة استراتيجية بالبقاء لفترة طويلة في المنطقة، وأن الوجود الأميركي مرتبط بالقضاء على تنظيم داعش وضمان عدم عودته وإرساء الأمن والاستقرار، وبالوصول إلى حل سياسي يرضي كل السوريين. كما كشف اليوسف أن الأميركيين أبلغوه بأنهم يسعون جاهدين لإشراكهم في مفاوضات جنيف المقبلة تحت مظلة الأمم المتحدة. وسألوه: "هل لديكم الاستعداد للتحاور مع الأطراف الأخرى؟ وكان الجواب نعم نحن على استعداد لدخول المفاوضات، لكن كطرف سياسي، هو مجلس سورية الديمقراطية (مسد)".
والسعودية مرشحة لأن تكون صاحبة النفوذ الأقوى لدى عشائر الفرات والجزيرة، بسبب الروابط القبلية وتوفر القدرات المالية، على الرغم من أن العشائر أضحت محط تجاذب لعدة قوى إقليمية ودولية، أبرزها إيران التي استثمرت في عشائر الفرات والخابور منذ ما قبل الثورة السورية، لتصل إلى مرحلة تشكيل مليشيات عسكرية، مثل "لواء الباقر"، الذي يقوده نواف البشير، المعارض العائد إلى حضن النظام السوري، بالإضافة إلى أن طهران توظف المال والمزايا للحصول على ولاء بعض الشيوخ. كما أن تركيا ليست بعيدة عن المشهد في شرق الفرات، إذ إنها تدعم كيانات قبلية عربية لها امتداد على طول الحدود مع سورية، وتتفق معها على عدة نقاط، أهمها معارضة نظام بشار الأسد ومشروع "الإدارة الذاتية" و"قوات سورية الديمقراطية". ويؤدي خلاف الرياض مع هاتين الدولتين، إلى طرح أسئلة عما إذا كانت زيارة المسؤولين الأميركيين والوزير السعودي إلى "مجلس دير الزور المدني" تهدف إلى تحويل العشائر إلى أداة في الصراع مع النفوذ الإيراني أو لعرقلة المشروع التركي، أم كليهما معاً، أو أنها تأتي في إطار رغبة الرياض بدعم المكون العربي ليكون موازياً لنفوذ "وحدات حماية الشعب" وتمكينه من حماية وإدارة مناطقه بشكل يضمن عدم عودة "داعش" من دون الحاجة إلى سلطة "قسد".