الساحل السوري... وحكاية "اجتياحين" روسي وإيراني

22 نوفمبر 2015
أبناء الساحل أسرى إيران وروسيا (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
تحظى منطقة الساحل السوري بأهمية خاصة، إقليمياً ودولياً، بالنظر إلى موقعها الجغرافي ومكانتها لدى النظام، المرتبطة أساساً بتركيبتها الطائفية. وتتعرّض هذه المنطقة في السنوات الماضية، إلى نوعين من التأثير "الناعم" من جانب القوتين الرئيسيتين اللتين تدعمان نظام الرئيس بشار الأسد، وهما إيران وروسيا، وذلك عبر ازدياد حركة التشيّع التي ترعاها إيران في الساحل من جهة، والإقبال المحاط بحفاوة رسمية على تعلّم اللغة الروسية، من جهة أخرى.

في سياق التغلغل الإيراني في سورية عموماً، ومنطقة الساحل خصوصاً، افتُتحت قبل أشهر في سورية، أول ثانوية تُدرّس المذهب الجعفري السائد في إيران، وذلك في قرية رأس العين في ريف مدينة جبلة الساحلية. وتتبع الثانوية بشكل علني، وزارة الأوقاف السورية. وتتولّى إعداد الكوادر الشيعية، إذ ينتقل طلابها إلى الكلية الدعوية الشيعية الموجودة في جامع الرسول الأعظم بمدينة اللاذقية، الذي افتتح في أكتوبر/تشرين الأول 2014، الذي يقوم بدوره بتلقين الصغار والكبار أسس المذهب الشيعي. ويتم الاجتماع بالأولاد داخل الجامع، وتخصيص وقت لتدريسهم الدين، ووقت للنشاطات الاجتماعية، التي يقوم بها فوج الكشاف "كشاف الرسول الأعظم". وهو أول كشاف يتبع فريقاً طائفياً في البلاد.

في ريف جبلة أيضاً، تنشط مؤسسات إيرانية في رعاية أُسَر قتلى قوات النظام، وتجتمع معهم في ورشات دعم نفسي وطبي. وحلقات العمل الاجتماعي يرى فيها كثيرون على انها إحدى الأبواب التي يتم فيها إدخال الأهالي في التشيّع. وقد عمدت إيران إلى تشجيع المشايخ السوريين من المذهب العلوي على زيارتها، لتلقّي دروس مكثفة في المذهب الشيعي الجعفري في طهران، وإقناعهم بأنه "لا بدّ من عودتهم إلى المنهج الصحيح"، لأن بعض السوريين العلويين يتحللون في سلوكهم اليومي عموماً من أية التزامات دينية واضحة، ولا تضع نساؤهم غطاء على الرأس، ويتناولون الخمرة بشكل تقليدي.

ويؤكد الناشط بسام ع. من اللاذقية لـ"العربي الجديد"، أن "المشايخ الذين زاروا إيران أخيراً، بدأوا يتصرفون بالفعل كرجال الدين الشيعة، من خلال رفضهم لفكرة المزارات، وتشجيعهم على الحجاب بين أبناء مذهبهم وتحريمهم تناول الخمرة، ودعواتهم للصلاة في الجوامع الشيعية".

ويضيف بسام أن "زيارات المشايخ إلى إيران تتم على نفقة الجانب الإيراني مع مكافأة مالية، وترافقهم فيها زوجاتهم اللواتي يعدن إلى بيوتهن محجّبات وفق الزي الإيراني، ويتولّين في سياق مجموعات دينية نسائية، إقناع النساء بالمذهب الشيعي. ويُصاحب ذلك مغريات مادية واجتماعية".

اقرأ أيضاً روسيا في سورية: طموحات المنافع الاقتصادية تتخطى العسكرية

ويكشف بسام أنه "في الساحل السوري مؤسسات إيرانية، تُقدّم مختلف أنواع الدعم الثقافي والاقتصادي للعائلات التي تشيّعت، لجعلها مختلفة ومميزة اجتماعياً عن بقية أفراد المجتمع. كما تشجعّها معنوياً ومادياً على نشر التشيّع، لا في محيطها فقط، بل أيضاً لدى العائلات السورية السنيّة النازحة، خصوصاً تلك التي نزحت من الريف الحلبي إلى الساحل".

وما يساعد الجهود الإيرانية هذه، شعور بعض السوريين العلويين بالحاجة إلى سندٍ إقليمي ولوجستي، وتبدو إيران هي السند الوحيد بهذا المعنى، فضلاً عن ذراعها الرئيسي حزب الله. وكلما ازداد الضغط على بعض العلويين تتقدم إيران لاجتذابهم، خصوصاً في ظلّ "الفراغ الديني" لديهم، كونهم لا يملكون مؤسسة دينية، بينما يذهب كبار شيوخهم إلى إيران لتعلم الدين.

وتنشط في الساحل أيضاً، جمعية "البستان"، التي أسسها ويديرها رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وجمعيات أخرى في حملة التشيّع، وفي تأسيس مليشيات الشبيحة. كما تحوّلت بعض الجوامع في الساحل، إلى ما يشبه "الحسينيات" مثل جامع الزقزقانية، في اللاذقية.

ويشير الناشط ياسين كروم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بعض الطلاب السوريين ممن حصلوا على منح دراسية في الجامعات الإيرانية لاستكمال دراستهم في فرع معيّن، فوجئوا هناك بتغيير اختصاصهم ليصبح دراسة الشريعة الإسلامية". ويكشف أن "حملة التشيّع تشمل الطائفة الإسماعيلية أيضاً. وقد تحوّل جامع الرسول الأعظم في مدينة مصياف في ريف حماه، إلى جامع شيعي".

وترافقت عمليات التشيّع مع منح الجنسية السورية لأعداد كبيرة من الشيعة، في السنوات والأشهر الأخيرة، بالتزامن مع قيام النظام بعملية إبادة وتهجير واسعة لبعض المناطق، وإحراق مراكز تسجيل الملكيات، ومباني التسجيل العقاري في بعض المناطق، تحديداً في حمص.

في المقابل، بدأت تبرز بعض الأصوات الخافتة التي تتوجّس من فقدان "الهوية العلوية"، وتنظر بقلق إلى التغول الإيراني في المجتمع. وفي هذا الإطار كتب أحد الناشطين، ويُدعى "مارتيني" على صفحته على موقع في "فيسبوك"، أن "المجتمع في الساحل لن يقبل التشيّع، وهذا شيء يجب أن تفهمه ‫إيران. نحن لم نحارب البرقع الأفغاني لنقع في سراديب الملاية السوداء، سواء كانت للدواعش أو للنصرة أو لغيرها. نحترم ما تقدمه إيران لكن لا ضرر في أن نتحدث قليلاً ببعض الشفافية وللمستقبل".

وفي سياق موازٍ، وإن أقلّ حدّة، لهذا التغلغل الإيراني، ثمة رياح أخرى تهب على منطقة الساحل، حيث يقبل الطلاب في محافظة اللاذقية على تعلّم اللغة الروسية، بوتيرة متصاعدة، بعد أن اعتمدت وزارة التربية السورية اللغة الروسية لغة ثانية بين اللغات الأجنبية بعد الإنجليزية، فضلاً عن إدخال الروسية إلى التعليم الجامعي عبر مرسوم جمهوري.

وقد احتفت وسائل إعلام النظام وبعض وسائل الإعلام الروسية، بما سمته "إقبال الطلاب في المرحلة الإعدادية في محافظة اللاذقية على تعلم اللغة الروسية"، كونها المكان الذي تتجمّع فيه القوات الروسية، سواء في المرافئ، أم في مطار حميميم، ومنطقة الروس، التي تبعد عن جبلة حوالي 18 كيلومتراً.

ويشار هنا إلى أن المنطقة الساحلية مهيأة أصلاً لاحتضان اللغة الروسية، كونه تمّ خلال العقود الماضية إيفاد آلاف الضباط إلى روسيا لتلقّي التدريبات العسكرية أو الهندسية، بالإضافة إلى إرسال عدد كبير من أبناء المحافظة للتحصيل الجامعي في روسيا، منذ عهد الاتحاد السوفييتي السابق. ما جعل أعداداً كبيرة من أبناء المحافظة يعرفون أو ملمّين باللغة الروسية. كما يسعى بعض أبناء المنطقة إلى تعلّم اللغة الروسية، لأسباب تجارية مع إحساسهم أن مكوث الروس سيطول في منطقتهم، ولا بد في النهاية من التعامل تجارياً معهم، تحديداً إذا ما اصطحبوا عائلاتهم.

وقد بدأ البعض في البحث عن اهتمامات الزبائن الروس في مناطق قريبة من جبلة، إلا أن النظام يفرض إجراءات صعبة لمنح الموافقات والرخص. ويتطلّب الحصول على رخصة لافتتاح مطعم يقدم الكحول في محيط مطار حميميم، أو مرفأ اللاذقية، موافقة الاستخبارات العسكرية، التي تعطي الأفضلية للعسكريين المتقاعدين.

ويقول وزير التربية والتعليم في النظام، هزوان الوز، إن "قرار تعليم اللغة الروسية في البلاد لم يكن سياسياً، بل بهدف تلبية حاجة تربوية، كوننا في سورية نقوم بتطوير المنظومة التعليمية والتربوية. كما أن اللغة الروسية هي اللغة الثانية في شبكة الإنترنت، ونحن أردنا توسيع مصادر المعرفة لطلابنا".

لكن الوزير يشير إلى وجود صعوبات في هذه المرحلة، كونه تمّ حتى الآن افتتاح حوالي 6 مدارس لتعليم اللغة الروسية في كل محافظة، وتم قبول 2500 تلميذ فقط، على الرغم من أن عدد الراغبين كان كبيراً، وذلك بسبب عدم إعداد مناهج وكتب مدرسية خاصة باللغة الروسية، وعدم توفر كادر تدريسي. ويجري في هذه المرحلة الاعتماد على المتخرجين من الاتحاد السوفييتي سابقاً باختصاصات مختلفة، بالإضافة إلى زوجات السوريين اللواتي يتحدرن من بعض الدول المستقلة، بينما وعد الجانب الروسي بإرسال خبراء لتدريب المدرسين السوريين، مشيراً أيضاً إلى أنه "تمّ افتتاح قسم اللغة الروسية في كلية الآداب بجامعة دمشق".

اقرأ أيضاً: يحدث في اللاذقية