تدفع مخرجات زيارة الأمير محمد بن سلمان، باتجاه تعاون سعودي ـ أميركي أكبر، يحيد الخلافات السياسية بين الجانبين، التي تضخمت خلال السنوات القليلة الماضية. ويمكن قراءة الزيارة في سياق محاور عدة. المحور الأول يتمثل بالعلاقة مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وسياساته حيال المنطقة، بينما يتعلق المحور الثاني بالمصالح السعودية مع مؤسسات سياسية كالكونغرس، والأمم المتحدة، أما المحور الثالث فهو المحور الاقتصادي، المتعلق بتحقيق رؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني المندرج ضمنه، لعام 2020، والذي شمل لقاءات رسمية مع مسؤولين أميركيين اقتصاديين، بالإضافة إلى لقاءات مع مستثمرين أميركيين وقادة شركات عالمية. كما تظهر الزيارة أن الجانبين، السعودي والأميركي، يرغبان بتحييد خلافاتهما السياسية، عن علاقتهما التاريخية الاستراتيجية، قدر الإمكان.
ويبدو أن السعودية والولايات المتحدة نجحتا في هذا، خصوصاً مع حقيقة أن الرياض لم تعد تنتظر شيئاً، على ما يبدو، من إدارة أوباما في أشهرها الأخيرة، وتتطلع إلى استقرار علاقتها مع أميركا، بانتظار ساكن البيت الأبيض الجديد، بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لم يتسرّب الكثير عن لقاء ولي ولي العهد السعودي، بالرئيس الأميركي، في ظل اهتمام أميركي بمحمد بن سلمان، باعتباره "الرجل القوي" في السعودية، كما تصفه وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً لجمعه ثلاثة أداور سياسية وعسكرية واقتصادية، فهو ولي ولي العهد، ما يجعله الثالث في تراتبية العرش السعودي، وهو وزير الدفاع، أي المسؤول الأول عن السياسات العسكرية في الرياض، كما يرأس أيضاً مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الأمر الذي يعطيه سلطات اقتصادية واسعة.
بعد اللقاء مع الرئيس الأميركي، جدد أوباما التزام بلاده بأمن واستقرار المنطقة، وأكد على عمق العلاقات التاريخية بين السعودية والولايات المتحدة. لاحقاً، بعد اللقاء الذي تمّ في 17 يونيو/حزيران الحالي، وبعد أن رفع 50 دبلوماسياً أميركياً، مذكرة إلى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، حول التدخل في سورية، أعلن البيت الأبيض أنه من الصعب التدخل في سورية، ومواجهة نظام بشار الأسد، دون الانزلاق في "حرب شاملة".
يؤكد هذا السياق أن لا تغيير في سياسات البيت الأبيض تجاه سورية، أكثر الملفات الخلافية بين الجانبين السعودي والأميركي. ويمكن استنتاج أن الأوضاع لن تتغير، فيما يخص الهيمنة الإيرانية في المنطقة، والحرب الدائرة في اليمن، فما رسخه أوباما، خلال ما يقارب السبع سنوات والنصف، لن يقوم بتغييره في آخر ستة أشهر من فترته الرئاسية الأخيرة.
خلال الزيارة أيضاً التقى محمد بن سلمان رئيس مجلس النواب الأميركي، زعيم الأغلبية الجمهورية، بول راين، وزعيمة الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب نانسي بيلوسي، إضافة إلى أعضاء بلجان العلاقات الخارجية، والخدمات العسكرية، والشؤون الخارجية والقضاء، في مجلسي النواب والشيوخ.
أهمية هذه اللقاءات، أنها تأتي في وقت يُنتظر فيه، من مجلس النواب الأميركي، مناقشة قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المثير للجدل، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع، كاستهداف مباشر للسعودية، لمحاكمتها أميركياً، جراء دعاوى عن دور مزعوم للسعودية في أحداث 11 سبتمبر/أيلول. ومن غير المستبعد، أن يؤثر هذا اللقاء، في قادة الكونغرس وبعض أعضائه، في نتائج التصويت على قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، بعد أن تم تمريره بالإجماع من قبل مجلس الشيوخ.
وعدا اللقاءات الأميركية، كان لولي ولي العهد السعودي لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بعد العاصفة السياسية التي أحدثها وضع التحالف العربي في اليمن، الذي تقوده السعودي، في القائمة السوداء، لتقرير الأمم المتحدة عن "الأطفال والصراعات المسلحة". ولم تصدر أي تصريحات حول اللقاء، باستثناء ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن الأمير محمد بن سلمان، وتأكيده بأنه "غير غاضب" من بان، ثم ما نقلته وكالة رويترز، عن أحد الدبلوماسيين، بأن اللقاء "كان جيداً".
وكانت عاصفة من الجدل ضربت علاقة السعودية بالأمم المتحدة، بعد وضعها في القائمة السوداء، حتى تم رفع التحالف العربي في اليمن من القائمة. حتى أن بان اعتبر بأن هذا القرار، كان "الأصعب في حياته"، في الوقت الذي سربت فيه مصادر في الأمم المتحدة، للإعلام، أن السعودية هددت بقطع إعانتها للأمم المتحدة، فيما جاء تصريح آخر، بأن السعودية هددت بإصدار فتوى دينية ضد الأمم المتحدة، باعتبارها محاربة للإسلام، الأمر الذي نفاه جملة وتفصيلاً، مندوب السعودية الدائم في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي.
المحور الأخير للزيارة، والمتمثل في الجانب الاقتصادي، لم تظهر ملامحه حتى الآن. فلم يتم الإعلان عن مشاريع كبرى تدعم خطة التحول الوطني 2020 أو رؤية 2030. وقاد محمد بن سلمان، اجتماعات متعددة مع مستثمرين أميركيين كبار، شملت على توقيع عدد من مذكرات التفاهم، واستعراض نوايا استثمارية، من دون الإفصاح عن تفاصيل.
وفي هذا الصدد، اجتمع محمد بن سلمان، مع رؤساء وأعضاء في شركات متخصصة بالصناعات العسكرية، والتقى مسؤولين من شركات "بوينغ" و"ريثيون" و"لوكهيد مارتن". وذلك في الوقت الذي تتضمن فيه رؤية السعودية 2030 بنوداً تتعلق بالصناعات العسكرية، وزيارة الاعتماد على الصناعة العسكرية المحلية، مما يقتضي شراكات مع شركات عالمية.
وقام ولي ولي العهد بزيارة إلى "سيليكون فالي"، التقى خلالها أهم قادة الشركات التقنية الأميركية، ومنهم مؤسس موقع "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، ومؤسس موقع "تويتر"، جاك دورسي، والرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، توم كوك. كما التقى بقيادات في مجال الترفيه، من شركتي "سيكس فلاغز" و"سي وورلد"، لتباحث أي إمكانيات استثمارية.
وأُعلن خلال الزيارة إلى واشنطن، إطلاق "كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال"، بشراكة أميركية. وتم توقيع اتفاقية تعاون لإطلاق الكلية، بين كل من "مؤسسة مسك الخيرية" و"مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" مع كلية "بابسون" العالمية، لإطلاق الكلية. كما وقع ولي ولي العهد، على اتفاقية تعاون "لتدريب القيادات السعودية في مجال العمل الخيري" مع مؤسسة "بيل وميليندا غيتس" الخيرية.
وتزامناً مع الزيارة، قام كل من وزير التجارة والاستثمار السعودي، ماجد القصبي، ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، خالد الفالح، والمستشار في الديوان الملكي، محمد الجاسر، باستعراض رؤية السعودية 2030 مع رجال أعمال سعوديين وأميركيين، في نيويورك، ضمن اجتماعات مجلس الأعمال السعودي الأميركي، الذي ضمّ مستثمرين من البلدين.