في غرب مدينة ورزازات أو "هوليود المغرب"، وتحديداً في منطقة تازناخت التي تعني بالأمازيغية "الهادئة"، نشأت صفيّة وترعرعت في كنف زوج أمها بعد طلاق والدَيها. لطالما كنّت له كل التقدير وعدّته بمثابة أبيها الثاني، فهو كان سبب دخولها إلى المدرسة.
صفيّة مينوطراس (46 عاماً) جازمة.. "لو بقيت مع والدي آنذاك ما كنت لأتعلم حرفاً واحداً". ففي منطقة أكينان التابعة لمدينة طاطا في الصحراء المغربية حيث كان يستقرّ والدها، لم تكن تتوفر مدارس. لكنها لم تستطع استكمال دراستها بسبب تدهور صحّة زوج والدتها وقد اضطر إلى ملازمة الفراش. ولأن والدتها كانت "معيل البيت الوحيد" وكانت تصنّع الزرابي (البسط)، أصبحت صفيّة بمثابة ذراعها اليمنى.
وتروي صفيّة أنها وجدت نفسها "مْعْلمَة" (محترفة) عندما بلغت سنواتها العشر، "لكنني لا أذكر متى تعلمت صناعة الزرابي تحديداً. بدأ ذلك باكراً، ربما عندما كنت في السادسة من عمري". تضيف: "في الوقت الذي كان ينشغل أطفال الدوار (التجمّع السكني المحلي) الذكور باللعب بالعجلات التي كانوا يصنعونها بأيديهم، كانت الفتيات ينشغلن بلعبة صناعة زرابي صغيرة. والزربيّة كانت حاضرة دائماً في بيتنا. كانت بالنسبة إلينا كل شيء. هي حياتنا، وبفضلها استطعنا العيش وتأمين المأكل والمشرب والملبس، ولم نضطر إلى مدّ أيدينا لأي كان".
تتذكر صفيّة عندما كانت تجلس إلى جانب أمها لتساعدها في نسج الزرابي، "أحياناً كانت تحذف كل ما قمت لأنه لم يكن جيداً، وفي أحيان أخرى أجدها وقد تركته".
بعد انقطاعها عن الدراسة، أصبحت صفيّة تتحمل مصاريف البيت وإعالة أسرتها. وتخبر أن "بعد مرض زوج أمي وإنجابها طفلاً ثالثاً، لم تعد قادرة على رعايتهم إذ كانوا متقاربين في السنّ وعلى صنع الزرابي في الوقت نفسه. توكّلتُ الأمر لمدّة سنتَين". تضيف: "كنت أنجز زربيّة واحدة شهرياً أو اثنتَين، في حال كان حجمهما صغيراً. وكنت أحاول كل ما في وسعي لإنجازها قبل آخر الشهر، لأتمكن من بيعها وتأمين حاجيات البيت".
في ذلك الحين، لم تكن عائدات الزرابي التي تصنعها صفيّة كبيرة، غير أنها وبحسب ما توضح لـ "العربي الجديد" كانت تعفيها من الاستجداء وتسدّ حاجيات العائلة الأساسية. "كنت حريصة على أن نعيش بين الناس مستورين، لا نمدّ أيدينا. كنا راضين بما قسم الله لنا".
اقرأ أيضاً: النوبة الرمضانيّة
بعد سنتين من العمل الشاق إلى جانب والدتها، تزوّجت صفيّة من رجل حاصل على شهادة جامعيّة لكنه كان عاطلاً من العمل، فتحوّلت من تحمّل مصاريف بيت والدتها إلى تحمّل مصاريف بيت جديد بنكهة جديدة. أما الزربيّة فكانت حاضرة دائماً لحلّ مشكلاتها المادية والمعيشية. تقول: "كان عليّ تحمل مسؤولية البيت كاملة. وعلى مدى سنتَين واصلت مشواري مع الزرابي، وقد أنجبت خلالهما ابنتي الأولى".
كانت صفيّة في تلك المرحلة تعمل بمفردها وتضطر في بعض الأحيان إلى طلب المساعدة من والدتها التي كانت تعفيها من عملية غزل الصوف. وفي أحيان أخرى كانت تلجأ إلى حماتها وأخوات زوجها، حتى تتمكّن من إنجاز المطلوب في الوقت المحدد. وتحكي صفية عن تعاون النساء لإنجاز الزرابي سريعاً. تقول: "عندما كنت شابة كنا نقوم في الدوار بما نسمّيه تويزة. تجتمع بنات الدوار عندي مثلاً ليساعدنني ليومين أو ثلاثة. وفي وقت لاحق، كنت أقوم بتسديد تلك الأيام لهنّ. نتبادل الجهود دون المال".
وككلّ النساء في تازناخت اللواتي لا يمكنهن الاستغناء عن "المنجج" (آلة نسج الزرابي)، حافظت صفيّة على علاقتها بالزرابي، على الرغم من حصول زوجها على وظيفة في مجال التعليم. بالنسبة إليها، "أصبحت جزءاً من كياني، بل اعتبرها من بناتي. هي التي ساعدتني على البقاء وعلى تحمل مسؤولية والدتي وأسرتي. ومن خلالها، تمكّنت من السفر والتعرّف إلى كثيرين، وبها استطعت إقامة معارض في بلدان لم أكن أحلم في زيارتها".
وبعدما اشتهرت صفيّة في تازناخت ونالت احترام وتقدير الصغار كما الكبار، اختيرت في عام 2005 من بين نساء الدوار لتكون من المشرفات على جمعيّة تهتم بالرعاية الصحية للمرأة الحامل وللطفل. لكنها ووسط انشغالاتها الجديدة، لم تنسَ الزرابي. وتخبر أنها "في خلال نشاطات توعية الأمهات في الدواوير المجاورة، كنت أتابع مشكلات النساء العاملات في صناعة الزرابي". وفي عام 2007، أنشأت صفيّة تعاونية خاصة بالنساء العاملات في مجال الزرابي في تازناخت، لمساعدتهنّ في تسويق منتجاتهم.
اقرأ أيضاً: الزهريون يكشفون كنوز المغرب