الرياض قبلة زعماء المنطقة
إذا كانت مكة المكرمة قبلة العالم الإسلامي من الناحية الدينية، فإن الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية قبلة زعماء الشرق الأوسط اليوم. توافد إليها كل قادة مجلس التعاون، كل على انفراد، لإجراء حوارات وتبادل الآراء ورسم السياسات لمواجهة الأخطار المحدقة في المنطقة. عقب ذلك، وفد الملك عبد الله الثاني، ثم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولحق به القائد المصري، الجنرال عبد الفتاح السيسي. قد لا يغيب عن بال المهتمين بالشأن الخليجي الموضوعات التي تم التحاور حولها بين قيادات مجلس التعاون والملك سلمان بن عبد العزيز، فملفات الخليج معروفة، وجدّ عليها اجتياح الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء، واحتلالها بقوة السلاح، ورحيل الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إلى عدن، خلسة عن أعين الحوثيين وأنصار علي عبدالله صالح.
(2)
الجديد في الدبلوماسية السعودية، بقيادة الملك سلمان، هو الاستقبال الرسمي بحفاوة تليق بالضيف التركي أردوغان، والمضيف ابن الأصالة العربية الملك سلمان، وهو اللقاء الأول بينهما، إذا اعتبرنا الزيارة الأولى لمناسبة تقديم العزاء للأسرة المالكة في وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتقديم التهاني، في آن واحد، لتولي سلمان بن عبد العزيز مقاليد السلطة. الزيارة التالية مختلفة، زيارة عمل سبقها تحضيرات بين الرياض وأنقرة، قام بها، في زيارة للهدف نفسه، وزير الداخلية التركي في 15 فبراير/شباط، واجتماعه مع نظيره وزير الداخلية، ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن نايف، وإعداد جدول الأعمال وتحضير الملفات للزعيمين، لإمعان النظر فيها، واتخاذ التدابير اللازمة تجاه تلك الملفات، بما يحقق الانسجام التام بين الملك سلمان والرئيس أردوغان، في القضايا الثنائية والإقليمية والدولية.
لم تكن العلاقات التركية السعودية في أحسن حالاتها، على إثر الانقلاب العسكري في مصر، بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، في يوليو/تموز عام 2013 على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، إلى جانب الموقف التركي من تنظيم الإخوان المسلمين الذي يعتقد السعوديون أن الحكومة التركية متورطة في دعمهم، وتأييد حركتهم. وتحتاج هذه النقطة إلى حوار ومناقشة عميقة، بعيداً عن التقارير السرية والدسائس الدبلوماسية. جاءت الفرصة ليسمع الزعيمان، السعودي والتركي، بعضهما وجهاً لوجه، من أجل مصلحة الأمة الإسلامية، وخصوصاً الإسلام السني الذي يتعرّض، بكل معنى، الكلمة لإبادة من كل الأطراف، بذريعة محاربة الإرهاب والدواعش.
من الضروري أن تكون الملفات المطروحة أمام القيادتين هي السوري والعراقي واليمني وداعش، إلى جانب العلاقات البينية.
(3)
في الملف السوري، لا يعتقد الكاتب أن هناك خلافاً بين الطرفين السعودي والتركي، بعد أن وافقت تركيا على السماح بتدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة على أراضيها، ذلك حال المملكة، كما تناقلت تلك الأخبار وكالات الأنباء العربية والدولية، وبتفويض دولي، وكانت تركيا، منذ بداية الأزمة السورية، تطالب بإيجاد منطقة عازلة في داخل الأراضي السورية، لتكون مأوى اللاجئين السوريين الذين شردهم النظام من منازلهم وديارهم، لكيلا يشكل النازحون واللاجئون عبئاً على دول الجوار، كما هو الحال في لبنان والأردن وتركيا. ويعتقد المراقبون أن انتخاب خالد خوجة رئيساً للائتلاف السوري المقرب من تركيا، بدلا من أحمد الجربا المقرب من السعودية، في يناير/كانون الأول الماضي، كان في صيغة توافق ثلاثي قطري سعودي تركي، إلى جانب أن تركيا شريكة في التحالف الدولي ضد "داعش"، بعد اجتماع القيادات العسكرية لقوات التحالف في جدة أواخر الشهر الماضي.
كانت العلاقات السعودية التركية المعاصرة في أحسن تقويم على كل الصعد، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، لكن الحال التركي مر بأزمات تلو الأخرى. لكن، لا بد أن تبقى العلاقات بين الدولتين في أحسن حال، لأن هموم الدولتين مشتركة، ولقاء الرياض وأنقرة واتفاقهما يشكل قوة في الشرق الأوسط، لا يستهان بها. وعلى ذلك، نتمنى من الله عز وجل أن يكلل هذه الخطوة التركية السعودية بالنجاح لخير العرب والمسلمين عامة.
(4)
الملف العراقي شائك، والحرب الدائرة في العراق تدور رحاها على نينوى والأنبار وهذه المناطق آهلة بأهل السنّة. الحرب البرية تديرها المليشيات الشيعية (فيلق بدر وما يسمى عصائب أهل الحق وأبو الفضل العباس، على سبيل المثال لا الحصر)، وهناك الحشد الشعبي الشيعي الذي أسسه نوري المالكي، عندما كان رئيس وزراء، لاستهداف أهل السنّة في العراق. ألم يقل (كربلاء هي القبلة، وجيشنا هو جيش علي في مواجهة جيش يزيد). ومع الأسف، كل غارات الطائرات الفرنسية والأميركية، وأيضا العربية، على مواطن أهل السنّة في العراق، ولا مغيث لهم. الشيعة حاضنتهم إيران، ولا معين لأهل السنّة هناك. ويترفع كثيرون من أهل القلم من العرب السنّة عن التحدث عن مجازر المليشيات الشيعية ضد أهلنا في العراق، خشية أن يتهموا بالطائفية، بينما لا تخجل الحكومة العراقية وقادتها عن التحدث عن الطائفية السنية، وتسميهم النواصب، وتعينهم إيران بكل أجهزتها. ومن هنا، يؤكد الكاتب على التفريق بين الشيعة العرب الذين ولاؤهم لأمتهم العربية وغيرهم من الطوائف الشيعية الأخرى. ويجب أن يضع اجتماع الملك سلمان والرئيس أردوغان حداً لاستهداف أهل السنة في العراق، بذريعة محاربة الإرهاب.
آخر القول: زيارة الرئيس أردوغان السعودية، نتمنى لها كل النجاح.