طرق أبواب الاتّحاد الرياضي الجزائري لألعاب القوى وعاد خائباً، وحاول الالتحاق بمعسكرات التدريب بنادي المجمع البترولي، ولكنّه لم يجد من يقدّم له يد المساعدة، وحين كان الجميع في "أولمبياد لندن 2012" يراهن على رياضتي الجودو والملاكمة، تسرّب "العداء المغمور" توفيق مخلوفي من بين صفوف العدائين في سباق الـ 1500 متر، حاصداً ميدالية ذهبية "يتيمة" لبلاده في تلك الدورة.
لم يكن انتصار توفيق مخلوفي في نظر كثير من الجزائريين، انتصاراً للرياضة الجزائرية التي كادت أن تعود فارغة اليدين من ذلك الأولمبياد لولا تدخّل مخلوفي في آخر لحظة، بقدر ما كان بحثاً عن لحظة فرح بعد توالي خيبات الأمل، وخروج الرياضيين الجزائريين المشاركين الواحد تلو الآخر من الدورة الأولمبية، ولكنّ "خرجة" ابن مدينة سوق أهراس (شرقي الجزائر)، أخرج الجماهير الجزائرية إلى الشارع للاحتفال بالتتويج، وتحوّل العداء الجزائري من رياضي "مرفوض" في النوادي إلى بطل قومي.
كثير من الجزائريين أيضاً، يرون في صاحب ذهبية لندن في سباق الـ 1500 متر، "البطل" الذي انتصر على بيروقراطية الإدارة وسوء تسيير الأندية الجزائرية والتهميش الذي يعاني منه كثير من الرياضيين، وتأكد هذا الكلام، بعدما أطلق العداء مخلوفي النار على مسؤولي الرياضة الجزائرية، واتهمهم بالتقصير وتجاهل الرياضيين وصرف ميزانية الدعم الذي تقدمه الدولة في غير محلّها. كلام لم يعجب عدداً منهم وعلى رأسهم وزير الرياضة، ودفع بعدد من المشاركين في الأولمبياد إلى الخروج عن صمتهم.
أعداء الأولمبياد
العداء سليم قدار، اعترف لوسائل إعلامية أن الاتحاد الجزائري رفض شراء تذكرة له للالتحاق بأولمبياد ريو، وتكفّل بذلك زميله توفيق مخلوفي، وأعاد سبب ذلك إلى رفضه الالتحاق بمعسكرات التدريب الجزائرية وفضّل البقاء للتدريب في فرنسا. أما العربي بورعدة المختصّ في منافسات العشاري، فصرّح من جهته للإعلام أن ظروف التحضير للأولمبياد كانت قاسية، ولم توّفر له الاتحادية الرياضية أدنى شروط التدريب، وحصل بالرغم من ذلك على المرتبة الخامسة محطماً الرقم القياسي الإفريقي برصيد 8521 نقطة.
وعود كاذبة
في حديث إلى "جيل العربي الجديد"، يتحسّر بطل الملاكمة الجزائري، محمد بن قاسمية، على قرار فسخه عقداً مع الولايات المتّحدة الأميركية، وعودته إلى الجزائر بعدما تلقّى وعوداً من طرف مسؤولي الرياضة، معتبراً أنه لم يجد الدعم الذي تركه هناك، وكل ما حصل عليه هو "وعود كاذبة" في بلده.
يروي بن قاسمية تفاصيل السنوات الأربع التي قضاها في أميركا، وإمكانية حصوله على الجنسية الأميركية لو مكث ثلاث سنوات أخرى، والاهتمام الذي حظي به من طرف النوادي ووسائل الإعلام، في مقابل ذلك يتأسّف لكونه لم يستطع ترتيب منازلة واحدة منذ آخر مشاركة له في سنة 2012، في الجزائر، حتى التحضير لمقابلته الاعتزالية باء بالفشل.
الملاكم الجزائري الذي سبق أن حصد ألقاباً أفريقية وعالمية، ويشغل منصب رئيس نادي الملاكمة للمجمع البترولي، يعتبر أن الرياضة الجزائرية يجب أن تقوم بسواعد أبنائها الذي يملكون خبرة في المجال، وليس بالاعتماد على الكفاءات الأجنبية.
مآسي أبطال الرياضية تكاد تكون متشابهة، وما حدث في أولمبياد ريو البرازيلية مؤخراً، يعيد لنا قصة نجم منتخب فرنسا زين الدين زيدان، واستبعاده من المنتخب الوطني الجزائري من طرف المدرب عبد الحميد كرمال، قبل أن يلتحق بالمنتخب الفرنسي ويقوده إلى كأس العالم.
جيل رياضي ضعيف
لا يتّفق اللاعب الدولي الأسبق لخضر بلومي، مع الملاكم بن قاسمية في هذا الطرح؛ ويرى أن الأجيال الكروية الجديدة ضعيفة المستوى، وأن بطولات الاحتراف في الجزائر طيلة السنوات الست الماضية أثبتت ذلك، والتي لم تنجب سوى لاعب واحد وهو زين الدين فرحات؛ لاعب اتحاد العاصمة.
يشدد بلومي في حديث إلى "جيل العربي الجديد"، على ضرورة استقدام اللاعبين الأجانب من أصول أوروبية لتحسن أداء المنتخب الوطني، مرجعاً ضعف مستوى اللاعبين المحليين إلى نقص الإمكانيات المادية وافتقارهم للخبرة اللازمة: "لولا استقدام اللاعبين الأجانب إلى الفريق الوطني، لما استطعنا المشاركة حتى في كأس أفريقيا".
يتّفق المتحدث مع فكرة استقدام مدرّبين أجانب للإشراف على المنتخب الوطني، لكنّه في مقابل ذلك ضدّ فكرة استقدام الأجانب للإشراف على المنتخبات المحلّية لنقص خبرتهم في الكرة الإفريقية على حّد قوله.
بوتفليقة وزيدان
اللاعب الفرنسي السابق زين الدين زيدان، حظي باستقبال رسمي من طرف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قبل عشر سنوات، وقام بتكريمه بوسام شرف من درجة الأثير، ليس لأنه رفع الألوان الوطنية، وليس لأنه قاد المنتخب الجزائري إلى الفوز بكأس العالم، ولكن لأنّ أصوله جزائرية فقط، ولم يعد تكريم الرياضيين مقتصراً على تتوجيهم بالألقاب العالمية، ولكن تحوّل إلى تكريم "جيناتهم الوراثية".
الرئيس الجزائري وظّف استقبال زيدان للمرّة الثانية في الجزائر سياسياً، وبدل أن تصدر الرئاسة بياناً رسمياً ينفي وفاة الرئيس، بعد تأزّم حالته الصحيّة في سنة 2010، قام بوتفليقة باستقبال "زيزو" لينفي شائعة وفاته.
تونس والكونغو تمثّلان الجزائر
السلطة الجزائرية تحاول في كثير من الأحيان أن تتبنى انتصارات لم تشارك في صنعها، وربما ساهمت في هجرة الرياضيين في وقت سابق، فاستقبال زين الدين زيدان وتكريمه من طرف الرئيس الجزائري هو محاولة للتأكيد على الأصول الجزائرية لنجم فريق "الديكة" السابق، رغم أنه لم يشارك لمصلحة منتخب بلده الأصلي، أما العداء مخلوفي فقد حظي باستقبال "الأبطال" في الشوارع الجزائرية، بعد فوزه في أولمبياد لندن، رغم أن المؤسسات الرياضية لم تلتفت إليه في البداية، حتى إن معظم عناصر الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم، هم مجموعة لاعبين ولدوا ونشأوا في الأندية الأوروبية، وبعضهم يحمل الجنسية الجزائرية من طرف والدته، مثل لاعب المنتخب الوطني سفير تايدر (تونسي الأب)، أما حارس المنتخب عبد الوهاب مبولحي، فهو من أصول كونغولية.
كثيراً ما يُقحم صراع الهوية في الرياضة والاقتصاد والسياسة، ففي فرنسا يتجنب الإعلام الحديث عن أصول اللاعبين الأفارقة الذي يشكّلون عناصر منتخبهم الوطني، في مقابل ذلك يسارع الإعلام نفسه، إلى الحديث عن أصول منفذي الهجمات "الإرهابية" وإلصاقها بالدول العربية. في مقابل ذلك تبحث الجماهير العربية دائماً عن نشوة انتصار في التظاهرات الرياضية الكبرى، وتتوجّه الأنظار إلى المشاركين العرب في الدورات الكروية وإن كانوا لم يمثلون بلدانهم الأصلية.
"زيزو" فرنسي و"كواشي" جزائري
لا يرفض نور الدين ميطالي، رئيس القسم الرياضي في جريدة "وقت الجزائر"، فكرة توظيف هوية اللاعبين سياسياً واقتصادياً، وأثرها على الرياضة والرأي العام، حتى في الدول الأكثر ديمقراطية، مستشهداً بحادثة اللاعب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية كريم بن زيمة، وحرمانه من المشاركة في كأس أمم أوروبا، وتعرّضه لحملة شرسة من طرف رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، والسبب هو عدم ترديد بن زيمة للنشيد الوطني الفرنسي و"بصقه" على الأرض أثناء ذلك.
يعلّق ميطالي في حديث إلى "جيل العربي الجديد": "حين يتعلق الأمر بالانتصارات، يتجاهلون أصول زين الدين زيدان الجزائرية، ولكن حين يتعلق الأمر بتفجيرات شالي إيبدو الإرهابية، يصبح كواشي جزائرياً رغم جنسيته الفرنسية".
يبّرر نور الدين ميطالي، سبب تفضيل لاعبين أجانب فكرة الانضمام إلى المنتخب الجزائري، إلى المغريات المادية والامتيازات التي لا يحصلون عليها في باقي الأندية الأوروبية، مضيفاً أن أغلب هؤلاء اللاعبين لم تسمح لهم الفرصة للدفاع عن ألوان المنتخب الفرنسي، بسبب مستواهم المتواضع وانضمامهم لفرق من الدرجة الثانية.
كثيراً ما تتخذ المشاركات العربية في التظاهرات الرياضية بعداً عربياً فقط في حالة فوز المشاركين بها، أما في حالة الخسارة فتنحصر الهزيمة على البلد المشارك. ففي حالة مشاركة الجزائر في مونديال البرازيل لكرة القدم، تناقلت وسائل إعلامية خبر تمثيل الجزائر للدول العربية في المونديال، ولكن بعد إقصائها لم تتحدث هذه الوسائل عن خسارة العرب.