الرويان ترتوي تلوثاً

12 نوفمبر 2017
النفط يقتل النيل (توني كارومبا/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن الطفل أحمد يتهكم عندما علّق أنّ مدرسته تستقبله مع عشرات الأطفال صباحاً، بينما تصبح مأوى ليلياً لحيوانات القرية الأليفة، فقد حدثتنا مخلفاتها في فناء المدرسة قبل أن يتولى الصغار إزالتها عن ذلك الاحتلال الليلي.

الرويان شبه جزيرة صغيرة تتوسد حضن جبل الرويان على الضفة الغربية لنهر النيل، على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب الشلال السادس "السبلوقة". يفصلها لسان مائي في موسم الفيضان عن باقي قرى منطقة القَرِّي شمال غرب مصفاة البترول، الواقعة في أقصى شمال العاصمة الخرطوم.

الرويان من أجمل القرى في تلك المنطقة، لولا حالة الفقر والإهمال التي يعيشها سكانها الذين لا يتعدون بضعة آلاف، حتى أنّ مدرستها القائمة منذ العام 1996 ظلت تعمل بنظام المدرسة الدورية، إذ يحدث بعد كلّ عدد من الأعوام ألاّ تفتح باب القبول للصف الأول لقلة عدد الأطفال بالقرية، فتجدها غير مكتملة الصفوف مثلما هي غير مكتملة المباني، بل إنّها من دون سور حماية. ولموقعها على أعلى تلة في القرية باتت المدرسة ملجأ للحيوانات الباحثة بغريزتها عن هواء أقل تلوثاً. فمنذ نشأة مصفاة الخرطوم لتكرير البترول (إبريل/ نيسان 2000) تأثرت قرى المنطقة عامة بمشاكل بيئية وصحية وديموغرافية وقفت جهود المعالجة أمامها عاجزة، لتزداد تفاقماً يوماً بعد يوم في ظل التكتم على المشاكل، والفشل الكبير في إدارة الملف البيئي والاجتماعي من قبل تلك المنشأة.

في إحدى القرى، حدثتنا قابلة قانونية ظلت تعمل في مجال صحة الأمومة والطفولة منذ أكثر من أربعين عاماً عن انتشار حالات الإجهاض والتشوهات في الأجنة، بعد قيام المصفاة بسنوات، مع حالات مرضية أخرى رصدها العاملون في الوحدات الصحية، مثل الحساسيات، والتهابات الجهاز التنفسي، إلى جانب حالات ملحوظة من أمراض السرطان والفشل الكلوي. وأكدت ذات المعلومات إحدى المعلمات من قرية قلعة ودمالك التي يتفاخر أهلها أنّهم أحفاد عجيب المانجلك، وهو أحد شيوخ مملكة العبدلاب القديمة.

ما حدث من آثار للتلوث البيئي كان الخبير الدكتور أبو القاسم الجرافي قد تنبأ به في العام 2012 ، حين أكد أنّ هذا التلوث "يتسبب لسنوات طويلة في تشويه الأجنة لما تحتويه انبعاثات المصافي من مواد خطرة مثل مادة الرصاص. وقد أثبتت الأبحاث العلمية أنّ نفايات المصافي الغازية والسائلة والصلبة نفايات مصنفة خطرة وفي الغالب مسرطنة".

طالب الجرافي بـ"مراعاة متطلبات السلامة والصحة والبيئة المنصوص عليها لحماية العاملين في المصفاة، والقاطنين بالقرى المجاورة، وسكان العاصمة، إذ لا بدّ من الرقابة المتواصلة من الصحة العامة والنيابة البيئية الرسمية، ومنظمات المجتمع المدني البيئية كفرع الجمعية السودانية لحماية البيئة بالمنطقة".

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون