ظهر الأدب الكردي الحديث وأينع من منبتين مختلفين وبعيدين، ففي الوقت الذي كانت فيه مجلة هاوار (1932-1943) تصدر في دمشق، كان ثمة أدبٌ كُرديٌّ نثريّ يرى النور في الاتحاد السوفييتي، خاصة في أرمينيا. معاصرة هذين المنبتين الأدبيين الكرديين لبعضهما البعض ملفتةٌ جداً، خاصة إذا علمنا أنّ هاتين الحركتين الأدبيتين أثّرتا على الأدبي الكردي المعاصر حتى أواخر القرن العشرين.
الحظر ومحاولات محو اللغة الكردية وطمسها في شمال كردستان وتركيا وندرة الكتابة بالكرديّة بين المثقّفين والكتّاب الكُرد، شكّلت عوامل أساسية في عدم انتشار الكتابة النثرية في الأدب الكردي، وسدّت الطرق أمام تقدّمها وتثبيت أقدامها.
لوسين جابهاروفا (Lucine Japharova)، الذي أعدّ رسالة دكتوراه عن الأدب الكُردي في زمن الاتحاد السوفييتي، يُشير إلى أنّ ثلاثينيات القرن العشرين شهدت صعوداً في الكتابة النثرية وانحساراً للكتابة الشعرية في روسيّا، ويقول إنّه منذ 1920 وحتى أواخر 1930 تحوّل الأدب السوفييتي بمجمله من الرومانسية الأدبية نحو الواقعية الملحمية، وكان انتشار الظاهرة النثرية إحدى نتائج هذا التحوّل.
كحال الحركة الأدبية الكردية لكُرد اسطنبول في بدايات القرن العشرين، والتي بدأت بعد إصلاحات/تغييرات الدولة العثمانية المعروفة بـ "التنظيمات العثمانية" بدأت الحركة الأدبية لكرد الاتحاد السوفييتي مع صحيفة "Riya Teze/ الطريق الجديد" ثم اشتدّ عودها مع مرحلة الكتّاب المؤسّسين من أمثال عرب شمّو، أمين عفدال، نوري هزاني ومع حجي جندي وجردو كنجو كانت هناك محاولة جدية لوضع حجر أساس الكتابة النثرية باللغة الكردية بلهجتها الكُرمانجية ذات الحرف اللاتيني، لكن، كما يقول جابهاروفا، بقيت هذه الخطوة الأولى ضمن نطاق محدود، و"بالكاد مع بدء عام 1950 دخل الأدب الكُردي السوفييتي مرحلة نماء، وبرزت قامات أدبية جديدة ساهمت في إغناء التجربة الأدبية الكردية السوفييتية".
بالرغم من أنّ الرواية كانت النوع الأدبي الأبرز في مشهد الأدب الروسي بعد الثورة البلشفية، كان إدراج هذا النوع الأدبي - كما يشير لوسين جابهاروفا نفسه - ضعيفاً لدى الأدباء الكرد السوفييت. لذلك نرى أنّ أول رواية صدرت بالكردية كانت رواية "الراعي الكُردي /Şivanê Kurmanca" للكاتب عرب شمّو، والتي صدرت عام 1935 في يريفان عاصمة أرمينيا.
يعتبِر الوسط الأدبي الكردي رواية "الراعي الكُردي" أول رواية كردية، لكن قائمة الترتيب الزمني للرواية الكردية التي أعدّها مامَد جمّو في عام 1989 توضّح لنا أنّ رواية عرب شمّو نُشرت بداية بالروسية عام 1931، ثم نقلها كاتبها إلى الكُردية ونشرها في عام 1935.
فالنسخة الكُردية للرواية، والتي طُبعت عدة مرات وما زالت متوفرة في المكتبات، ليست نسخة أصلية يوثق بها، لذلك فالجميع يعلم أنّ هناك نسخة كردية أصلية. في الأصل، قام باسيلي نيكتين بترجمتها من الروسية إلى الفرنسية، وفي عام 1947 ترجمها الأديب الكُردي نورالدين زازا من الفرنسية إلى الكُردية وطبعها في بيروت.
هناك إشارات سابقة كثيرة إلى النسخة الأصلية التي كتبها عرب شمّو بقلمه، لكنّ تلك النسخة لم تكن متوفرة. في عام 2005 أثرنا نقاشاً حول هذا الموضوع في صحيفة "الرسالة الكردية/Peyama Kurd" التي كانت تُطبع في ألمانيا.
وقتها، أمدّنا الكاتب الكُردي نظام الدين ألجي - الذي كان يُعدُّ بحثاً حول مؤلفات عرب شمّو- بنسخة عن طبعة 1935 للرواية، فأضفنا تلك النسخة ونشرها الكُتّاب والباحثون. بعدها، قام الكاتب مصطفى آيدوغان بمراجعتها ونقلها إلى الكردية اللاتينية (أي نقلها من الكرمانجية المكتوبة بالكريلية إلى الكرمانجية المكتوبة بالحرف اللاتيني) ونشرتها دار نشر "ليس" على شكل كتاب في ديار بكر.
بناء عليه، يمكن القول إنّ أول رواية كُتبت بالكردية – مباشرة - هي رواية "خاتي خانم/Xatê Xanim" للروائي علي عبدالرحمن، والتي طُبعت في عام 1958.
بالانتقال إلى الكردية السورانية، نرى أنّ "مخاض الشعب/Janî Gel" للكاتب إبراهيم أحمد، والتي نُشرت عام 1969، هي أول رواية كردية باللهجة الكردية السورانية.
ففي النسخة التي نقلها علي شير إلى الكردية الكُرمانجية، وطُبعت عام 1992 في السويد، نجد ملاحظة من الكاتب، يقول فيها إنّه بدأ بكتابة الرواية عام 1956، لكنّه اعتقل حينها وضاعت مسوّدته مع بقية أغراضه. يقول إبراهيم أحمد أنّ أحد أصدقائه قد حافظ على أغراضه، وأرسل له بعد بضعة أعوام حقيبة مليئة بالكتب، من بينها رواية "مخاض الشعب/Janî Gel". في العام 2002، نشرت دار نشر كومال "Komal" النسخة الكردية السورانية بالأحرف اللاتينية.
يقول كمال فؤاد/ مقدّم تلك الطبعة، أن "مخاض الشعب" أول رواية كتبها إبراهيم أحمد. الكاتب نفسه يقول في ملاحظته سالفة الذكر أنه كتب رواية سابقة عام 1934، ويذكر "أنه لم يحن موعد طباعتها بعد". وفقاً لمعلوماتنا، هذه الرواية التي كتبها إبراهيم أحمد في الثامنة عشر من عمره لم تر النور قط.
رغم ما سبق، وحتى ثمانينيات القرن العشرين، لم تتوسّع دائرة الكتابة الروائية في الأدب الكُردي. بعد انقلاب عام 1980 في تركيا، وهجرة الكتّاب والمثقفين الكُرد نحو أوروبا، كان من الممكن الحديث عن حركية أدبية كُردية عامة. ذلك، على خُطى الروّاد الأوائل للأدب الكُردي في بدايات القرن العشرين، وازى المثقفون الكُرد في أوروبا بين نشاطاتهم الأدبية واللغوية ونشاطاتهم العقائدية/ الحزبية، فكانت النتيجة تزايداً مفاجئاً وملحوظاً في نسبة المؤلفات الأدبية المنشورة بالكردية.
* ترجمة عن الكردية: عبد الله شيخو