في الجزائر، ثمة سمات مشتركة بين كتّاب الرواية باللغة الفرنسية الذين جاؤوا بعد الطاهر جاووت ورشيد بوجدرة ورشيد ميموني، منها أنهم قدّموا نصوصاً أدبية متمرّدة، نقدت خطاب السلطة وقاومت التطرّف الديني في آن.
للرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية تقاليد في نقد السلطة، فقد ظهرت أول رواية من هذا النوع سنة 1962، "من يتذكر البحر"، لمحمد ديب؛ على خلاف نظيرتها المكتوبة بالعربية التي تماهت، في كثير من نماذجها، مع السلطة وخياراتها منذ بواكير أعمال الطاهر وطّار.
وتشكّل رواية ''أفعل كما يفعل في البحر العوام''، للراحل الصادق عيسات، الاستثناء من حيث الفضاء الروائي لأعمال هؤلاء الكتّاب الذين قاوموا التطرف الأصولي في الجزائر، ولم يغادروها إلى فرنسا. تدور أحداث هذه الرواية في باريس بين أوساط المثقفين الذين هاجروا من البلاد في التسعينيات فراراً من الانفلات الأمني.
وترصد الحالة النفسية للبطل، وهو يهيم في حانات أحياء المهاجرين في باريس. لكنها تلتقي مع الروايات الأخرى من حيث تناول ظاهرة الإرهاب التي تجسّدت روائياً في أعمال ياسمينة خضرة، منذ روايته "بما تحلم الذئاب".
ثيمة الهجرة نعثر عليها أيضاً في أعمال الروائي حبيب أيوب، الذي لا يأخذ شخوصه إلى فرنسا للنجاة من الإرهاب كما فعل عيسات، بل إلى الصحراء الجزائرية، مثلما هو الحال في روايته ''الحارس" التي تتناول العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وظل أيوب وفيّاً لموضوع السلطة في روايته اللاحقة ''الفلسطيني''، ليذهب في تناوله بعيداً مع رواية ''حياة وموت مواطن مؤقت''، التي تزخر بنقد لاذع لرموز السلطة الحاكمة.
أما مايسة باي، فقد نسجت عالماً روائياً خاصاً بها، حيث انطلقت من موضوع حرب التحرير في رواية ''أتسمعون صوت الأحرار''، لتناول مسألة التعذيب الذي تعرّض لها المجاهدون الجزائريون خلال هذه الحرب، مستندةً إلى قصة واقعية، هي قصة والدها الذي اختفى بعد أن اختطفه الجنود الفرنسيون سنة 1957، ولم يعد إلى أسرته.
وعلى خطى مايسة باي، ألّف رشيد مختاري ثلاث روايات عاد من خلالها للحقبة الاستعمارية، بهدف فضح ممارسات الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير، كما هو الحال خصوصاً في روايتَي "العاشقة" و"أمقار".
من جهته، دخل مصطفى بن فضيل عالم الأدب قادماً من الصحافة، بروايته "الهارب"، وهي عبارة عن عمل تجريبي يمزج بين الأسلوب الأدبي والكتابة الصحافية. وتصوّر الرواية مأساة شاب يعيش على وقع ظروف قاسية تميّزت بانتشار أخبار الاغتيالات الجماعية التي كانت ترتكبها الجماعات الإرهابية، فتتحول حياته، وهو في عز الشباب، إلى جحيم لا يحتمل.
وفي روايته الثانية ''ثرثرة الوحيد"، يصوّر لحظات التيه والعبث التي أصبحت تميّز حياة الإنسان الجزائري في السنوات الأخيرة جراء فقدان المعالم المؤسسة. أما روايته ''أركيولوجيا خراب العشق''، التي تعدّ بمثابة نص تجريبي مفتوح على هموم الكتابة والحياة، فقد فرضته كروائي فريد على الساحة الأدبية العربية، علماً أنه انتقل إلى الكتابة المسرحية خلال السنوات الأخيرة.
ومن أدباء الجيل الجديد، نجد سليم باشي، صاحب رواية ''كلب يوليسيس''، التي رصدت جوانب من أزمة التسعينيات. ففي يوم واحد، يتيه بطل الرواية في شوارع سيرتا، ولا يصادف سوى أخبار الموت، ومدينة تحتضر، ليلقى حتفه في الأخير على يد والده، الذي ظن أنه إرهابي يريد اقتحام بيته.
وبعد أن رسم بورتريه أصولي متشدد يريد تفجير نفسه لإلحاق الأذى بالغرب، عقب تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، في رواية ''اقتلوهم جميعاً''، نشر باشي رواية حول الأيام الأخيرة من حياة ألبير كامو، بمناسبة مئوية ميلاده، لكنها لم تحظ بأي اهتمام مقارنة برواية كمال داود "ميرسو.. التحقيق المضاد"، التي ارتبطت بدورها بحياة صاحب رواية "الغريب"، وبفكرة إعطاء اسم للعربي الذي تجاهله كامو في روايته.
من جهته، اشتهر الكاتب الصحافي عدلان مدي، الذي يكتب الرواية البوليسية، برواية ''صلاة الموريسكي'' التي تصوّر حالة تيه عبر شوارع الجزائر العاصمة، راسمةً خراب مدينة ضيّعت معالمها بعد سنوات العشرية السوداء.
اللافت أن كثيراً من الروائيين الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية، جاؤوا إلى الرواية من عالم الصحافة، على غرار نصيرة بلولة وشوقي عماري، الذي نشر حديثاً رواية "الحمار الميت"، التي استعاد من خلالها رواية "الحمار الذهبي" لأبوليوس.
وتروي هذه الرواية مغامرات ثلاثي أربعيني يلجأ إلى جبال جرجرة بعد قتله غير المتعمّد حماراً مدللاً يملكه محافظ شرطة سابق تحوّل إلى رجل أعمال. ويقدّم العمل نظرة فلسفية عن الوضع الوجودي لشخصيات وجدت ضالتها في الهامش، فراحت تستعين بالكتب لتجاوز محنتها.
بالطبع ثمة أسئلة كثيرة يطرحها هذا الإنتاج، ولا سيما عند وضعه في مسار مواز لتطوّر الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، هناك تحدث التقاطعات والاختلافات، وكذلك تُرصد المفارقات.