دخلت ليبيا دوامة العجز المالي، خلال السنوات الأربع الماضية، في ظل فوضي الصراع المسلح، وتراجع إيرادات النفط، وتدهور جميع المؤشرات الاقتصادية، وفي هذا السياق، كشف تقرير ديوان المحاسبة بالعاصمة طرابلس أن ليبيا أنفقت 200 مليار دينار (146 مليار دولار)، عبر موازنات خصصت للحكومات المتعاقبة بعجز 42 مليار دينار، خلال الأربع سنوات الماضية، بين عامي 2012 و2015.
وقال رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بالمؤتمر الوطني العام السابق، محمد امعزب، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن ليبيا صرفت مبالغ ضخمة، خلال السنوات الماضية، دون وجود تنمية في البلاد، وأوضح أن الإنفاق يركز على المجالات غير الإنتاجية، منها الرواتب والدعم والنفقات الحكومية، والضئيل منها يذهب إلى التنمية إن وجدت.
وأضاف امعزب، أن الموازنة الليبية كانت، في مطلع السبعينات، تخصص 65% للاستثمارات و35% للمصروفات على الرواتب والنفقات الحكومية والدعم، أما الآن فيحدث العكس، حيث يتقاضى 1.6 موظف حكومي رواتب بمتوسط 20 مليار دينار سنوياً دون وجود إنتاج حقيقي للبلاد، فضلاً عن مصاريف الدعم والنفقات التشغيلية للتعليم والصحة والعلاج في الخارج، مؤكداً أن استمرار الوضع على هذا الحال سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الليبي.
وأشار تقرير ديوان المحاسبة، إلى أن إجمالي الإيرادات التي تحصلت عليها الدولة الليبية، خلال السنوات الأربع، يبلغ 158 مليار دينار (الدولار = 1.38 دينار) بعجز يصل إلى 42 مليار دينار، منها 6 مليارات عجزاً بقطاعات لم يتم توثيقها.
وشكل إجمالي الرواتب والأجور نحو 86 مليار دينار، بالإضافة إلى 42 ملياراً للدعم و34 ملياراً للنفقات العمومية و26 ملياراً لمشروعات التنمية و6 مليارات للدين العام ومصاريف أخرى.
ومن جانبه أكد رئيس سوق المال الليبي السابق، سليمان الشحومي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من الإنفاق الهائل لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من حل أبسط المشاكل المعيشية أو تقوم بعمل مشروع تنموي واحد.
وقال، إن نصف المبالغ المخصصة في الموازنات طوال الأربع سنوات الماضية قد أهدر في مصروفات عمومية وهمية، مثل التدريب خارج البلاد والعلاج والعقود المزيفة، مؤكداً أن الصراع في البلاد تحول إلى محاولة السيطرة على الثروات وكيفية استفادة كل فصيل منها، فالتقارير الدولية تشير إلى تضخم حسابات ليبية بالبنوك الأجنبية بأموال تطاولها شبهة غسيل أموال. وأضاف الشحومي، لا خلاص لنا ما لم نعد ترتيب كامل المنظومة الاقتصادية والمالية الليبية ونوقف الصراع على السلطة والأموال.
ويتصارع طرفا النزاع في طرابلس وطبرق على ثروات النفط وأموال البنك المركزي والصناديق السيادية، ويدعي طرفا الصراع، تبعية المؤسسات لهما، حيث أنشأ مجلس النواب شرق البلاد مؤسسات مالية ونفطية موازية، كما تنافسا على
منصب مدير المؤسسة الليبية للاستثمار التي تملك أصولاً تتجاوز 67 مليار دولار.
وقال عميد كلية الاقتصاد بجامعة طرابلس، أحمد أبولسين، لـ"العربي الجديد"، إن ليبيا انتهجت سياسات مالية توسعية منفلتة عقب ثورة فبراير عام 2011، ستؤدي إلى انهيار اقتصادي حتمي، وإن استحقاقات إعادة الإعمار كبيرة، إلا أن ذلك لا يعد مبرراً لتبني سياسة مالية تقوض الاستقرار النقدي.
وأضاف، أن الاقتصاد الليبي وقع بالفعل في فخ الريع، وهو وضع سوف يكون الخروج منه مكلفاً ومؤلماً، وسيمتد تأثيره ليشمل كافة شرائح المجتمع ومختلف الأنشطة والقطاعات عامة كانت أم خاصة، ما يستدعي بشكل عاجل انتهاج سياسة اقتصادية ونقدية تتضمن، خفض المعروض النقدي من 19 مليار دينار إلى 8 مليارات دينار كحد أعلى، وتجميد سعر الصرف عند حد فعال لمدة لا تقل عن خمس سنوات، واتباع نظام الموازنة الاستيرادية، متوقعاً ألا تعود ليبيا سريعاً للسوق النفطية، في ظل حالة الفوضى المتفاقمة.
اقــرأ أيضاً
وعكست الإحصاءات، التي كشف النقاب عنها التقرير السنوي لديوان المحاسبة حجم التردي الاقتصادي والفساد الإداري الذي أصاب البلاد وسط أزماتها السياسية والأمنية المتواصلة منذ العام 2011، وبلغ إجمالي خسائر إغلاق الموانئ النفطية، منذ شهر أغسطس/آب 2013 وحتى نهاية العام الماضي، نحو 70 مليار دولار.
كما هبط إنتاج الدولة من النفط خلال عام 2015 إلى 146 مليون برميل يومياً، مقارنة مع إنتاج عام 2012 البالغ 531 مليون برميل، بنسبة تراجع 73%، وتقدر خسائر النفط، في العام الماضي، بنحو 20 مليار دولار.
وانخفضت احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي من 115 مليار دولار عام 2012 إلى 54 مليار دولار، نهاية العام الماضي، بمعدل 53%. وشهد عام 2015 عجزاً كبيراً في الميزانية العامة في ظل الانقسام السياسي وتدني الإيرادات النفطية وعلى الرغم من ذلك تم تحقيق نتائج إيجابية، بانخفاض المصروفات بنسبة 18% عن العام السابق، حسب التقارير الرسمية.
ولم تنجح حكومة الوفاق الوطني التي تم تشكيلها، منذ نحو 3 شهور، برعاية الأمم المتحدة، في تحقيق تقدم اقتصادي، على الرغم من الاتفاق على توحيد السياسة النقدية في البلاد، وبدء عملها في ظل دعم دولي وإقليمي.
وتحاول الحكومة الجديدة البحث عن حلول لأزمة السيولة النقدية التي يعيشها قطاعها المصرفي لتفادي شبح الإفلاس، خاصة بعد تراجع إيراداتها المالية بسبب تواصل الانقسام السياسي وتفاقم الوضع الأمني، الذي أثر سلباً على القطاع المالي تحديداً، ما أدى إلى تأخر صرف الرواتب وزيادة العجز.
وأكد ديوان المحاسبة أن الإنفاق الحكومي، خلال العام الماضي، بلغ 36 مليار دينار مقابل إيرادات سيادية قدرها 11.3مليار دينار وبعجز قرابة 25 مليار دينار ويشير التقرير بتمويل العجز من خلال بواقي الأرصدة بقيمة خمسة مليارات دينار وسداد باقي العجز عن طريق أرصدة مصرف ليبيا المركزي بقيمة 19 مليار دينار.
وأوضح أن مجموع القروض التي قدمها مصرف ليبيا المركزي للحكومة خلال عامي 2014 و2015 بلغت 41 مليار دينار لم يتم تسويتها حتى الآن.
وطالب ديوان المحاسبة الجهات المختصة بضرورة رسم سياسات عاجلة واستثنائية تهدف إلى دعم واستقرار وضمان توحيد الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية، كما دعا إلى ضرورة إيقاف الدعم عن المحروقات وفقاً للقانون رقم 9 لسنة 2015.
وتوقع تقرير صندوق النقد الدولي انكماش الناتج الإجمالي المحلي للاقتصاد الليبي بنسبة 2.2% لسنة 2016 مع التوقع بنموه بنسبة 12% في سنة 2017، كما رجّح زيادة الأسعار في عام 2016 بنسبة 9.2%.
وحسب إحصائيات رسمية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ليبيا إلی حوالي 25% في عام 2015، عقب تسجيل هبوط نسبته 13.6% في عام 2013، و24% في عام 2014، وأدى انكماش الاقتصاد، خلال ستة أعوام متتالية، إلى خفض إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الاسمي إلى أقل من النصف حالياً مقارنة بنحو 72 مليار دولار في عام 2009.
ووفقاً لمحللين، سيؤدي التراجع القياسي في إيرادات الميزانية العامة، إلى مزيد من نزيف الاحتياطي النقدي، لمواجهة الإنفاق المتزايد، كما سيؤدي إلى تجاهل المشروعات التنموية خلال الفترة المقبلة.
اقــرأ أيضاً
وقال رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بالمؤتمر الوطني العام السابق، محمد امعزب، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن ليبيا صرفت مبالغ ضخمة، خلال السنوات الماضية، دون وجود تنمية في البلاد، وأوضح أن الإنفاق يركز على المجالات غير الإنتاجية، منها الرواتب والدعم والنفقات الحكومية، والضئيل منها يذهب إلى التنمية إن وجدت.
وأضاف امعزب، أن الموازنة الليبية كانت، في مطلع السبعينات، تخصص 65% للاستثمارات و35% للمصروفات على الرواتب والنفقات الحكومية والدعم، أما الآن فيحدث العكس، حيث يتقاضى 1.6 موظف حكومي رواتب بمتوسط 20 مليار دينار سنوياً دون وجود إنتاج حقيقي للبلاد، فضلاً عن مصاريف الدعم والنفقات التشغيلية للتعليم والصحة والعلاج في الخارج، مؤكداً أن استمرار الوضع على هذا الحال سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الليبي.
وأشار تقرير ديوان المحاسبة، إلى أن إجمالي الإيرادات التي تحصلت عليها الدولة الليبية، خلال السنوات الأربع، يبلغ 158 مليار دينار (الدولار = 1.38 دينار) بعجز يصل إلى 42 مليار دينار، منها 6 مليارات عجزاً بقطاعات لم يتم توثيقها.
وشكل إجمالي الرواتب والأجور نحو 86 مليار دينار، بالإضافة إلى 42 ملياراً للدعم و34 ملياراً للنفقات العمومية و26 ملياراً لمشروعات التنمية و6 مليارات للدين العام ومصاريف أخرى.
ومن جانبه أكد رئيس سوق المال الليبي السابق، سليمان الشحومي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من الإنفاق الهائل لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من حل أبسط المشاكل المعيشية أو تقوم بعمل مشروع تنموي واحد.
وقال، إن نصف المبالغ المخصصة في الموازنات طوال الأربع سنوات الماضية قد أهدر في مصروفات عمومية وهمية، مثل التدريب خارج البلاد والعلاج والعقود المزيفة، مؤكداً أن الصراع في البلاد تحول إلى محاولة السيطرة على الثروات وكيفية استفادة كل فصيل منها، فالتقارير الدولية تشير إلى تضخم حسابات ليبية بالبنوك الأجنبية بأموال تطاولها شبهة غسيل أموال. وأضاف الشحومي، لا خلاص لنا ما لم نعد ترتيب كامل المنظومة الاقتصادية والمالية الليبية ونوقف الصراع على السلطة والأموال.
ويتصارع طرفا النزاع في طرابلس وطبرق على ثروات النفط وأموال البنك المركزي والصناديق السيادية، ويدعي طرفا الصراع، تبعية المؤسسات لهما، حيث أنشأ مجلس النواب شرق البلاد مؤسسات مالية ونفطية موازية، كما تنافسا على
منصب مدير المؤسسة الليبية للاستثمار التي تملك أصولاً تتجاوز 67 مليار دولار.
وقال عميد كلية الاقتصاد بجامعة طرابلس، أحمد أبولسين، لـ"العربي الجديد"، إن ليبيا انتهجت سياسات مالية توسعية منفلتة عقب ثورة فبراير عام 2011، ستؤدي إلى انهيار اقتصادي حتمي، وإن استحقاقات إعادة الإعمار كبيرة، إلا أن ذلك لا يعد مبرراً لتبني سياسة مالية تقوض الاستقرار النقدي.
وأضاف، أن الاقتصاد الليبي وقع بالفعل في فخ الريع، وهو وضع سوف يكون الخروج منه مكلفاً ومؤلماً، وسيمتد تأثيره ليشمل كافة شرائح المجتمع ومختلف الأنشطة والقطاعات عامة كانت أم خاصة، ما يستدعي بشكل عاجل انتهاج سياسة اقتصادية ونقدية تتضمن، خفض المعروض النقدي من 19 مليار دينار إلى 8 مليارات دينار كحد أعلى، وتجميد سعر الصرف عند حد فعال لمدة لا تقل عن خمس سنوات، واتباع نظام الموازنة الاستيرادية، متوقعاً ألا تعود ليبيا سريعاً للسوق النفطية، في ظل حالة الفوضى المتفاقمة.
وعكست الإحصاءات، التي كشف النقاب عنها التقرير السنوي لديوان المحاسبة حجم التردي الاقتصادي والفساد الإداري الذي أصاب البلاد وسط أزماتها السياسية والأمنية المتواصلة منذ العام 2011، وبلغ إجمالي خسائر إغلاق الموانئ النفطية، منذ شهر أغسطس/آب 2013 وحتى نهاية العام الماضي، نحو 70 مليار دولار.
كما هبط إنتاج الدولة من النفط خلال عام 2015 إلى 146 مليون برميل يومياً، مقارنة مع إنتاج عام 2012 البالغ 531 مليون برميل، بنسبة تراجع 73%، وتقدر خسائر النفط، في العام الماضي، بنحو 20 مليار دولار.
وانخفضت احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي من 115 مليار دولار عام 2012 إلى 54 مليار دولار، نهاية العام الماضي، بمعدل 53%. وشهد عام 2015 عجزاً كبيراً في الميزانية العامة في ظل الانقسام السياسي وتدني الإيرادات النفطية وعلى الرغم من ذلك تم تحقيق نتائج إيجابية، بانخفاض المصروفات بنسبة 18% عن العام السابق، حسب التقارير الرسمية.
ولم تنجح حكومة الوفاق الوطني التي تم تشكيلها، منذ نحو 3 شهور، برعاية الأمم المتحدة، في تحقيق تقدم اقتصادي، على الرغم من الاتفاق على توحيد السياسة النقدية في البلاد، وبدء عملها في ظل دعم دولي وإقليمي.
وتحاول الحكومة الجديدة البحث عن حلول لأزمة السيولة النقدية التي يعيشها قطاعها المصرفي لتفادي شبح الإفلاس، خاصة بعد تراجع إيراداتها المالية بسبب تواصل الانقسام السياسي وتفاقم الوضع الأمني، الذي أثر سلباً على القطاع المالي تحديداً، ما أدى إلى تأخر صرف الرواتب وزيادة العجز.
وأكد ديوان المحاسبة أن الإنفاق الحكومي، خلال العام الماضي، بلغ 36 مليار دينار مقابل إيرادات سيادية قدرها 11.3مليار دينار وبعجز قرابة 25 مليار دينار ويشير التقرير بتمويل العجز من خلال بواقي الأرصدة بقيمة خمسة مليارات دينار وسداد باقي العجز عن طريق أرصدة مصرف ليبيا المركزي بقيمة 19 مليار دينار.
وأوضح أن مجموع القروض التي قدمها مصرف ليبيا المركزي للحكومة خلال عامي 2014 و2015 بلغت 41 مليار دينار لم يتم تسويتها حتى الآن.
وطالب ديوان المحاسبة الجهات المختصة بضرورة رسم سياسات عاجلة واستثنائية تهدف إلى دعم واستقرار وضمان توحيد الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية، كما دعا إلى ضرورة إيقاف الدعم عن المحروقات وفقاً للقانون رقم 9 لسنة 2015.
وتوقع تقرير صندوق النقد الدولي انكماش الناتج الإجمالي المحلي للاقتصاد الليبي بنسبة 2.2% لسنة 2016 مع التوقع بنموه بنسبة 12% في سنة 2017، كما رجّح زيادة الأسعار في عام 2016 بنسبة 9.2%.
وحسب إحصائيات رسمية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ليبيا إلی حوالي 25% في عام 2015، عقب تسجيل هبوط نسبته 13.6% في عام 2013، و24% في عام 2014، وأدى انكماش الاقتصاد، خلال ستة أعوام متتالية، إلى خفض إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الاسمي إلى أقل من النصف حالياً مقارنة بنحو 72 مليار دولار في عام 2009.
ووفقاً لمحللين، سيؤدي التراجع القياسي في إيرادات الميزانية العامة، إلى مزيد من نزيف الاحتياطي النقدي، لمواجهة الإنفاق المتزايد، كما سيؤدي إلى تجاهل المشروعات التنموية خلال الفترة المقبلة.