الرمثا الأردنية تريد إيقاف القذائف: "هلع النيران السورية الطائشة"

17 فبراير 2016
يخشى الأهالي من اشتداد المعارك بسورية واضطرارهم للنزوح(العربي الجديد)
+ الخط -
تخيم روح الشاب العشريني عبد المنعم الحوراني على أهالي مدينة الرمثا الأردنية (80 كيلومتراً شمال العاصمة عمّان) المتاخمة للحدود السورية. يعتقد السكّان الذين تعايشوا لسنوات مع أصوات الانفجار في الداخل السوري، وألفوا القذائف العشوائية التي تسقط على منازلهم بين فترة وأخرى، أن القذيفة "الطائشة" التي تسببت في مقتل الحوراني في 25 يونيو/حزيران 2015، لن تكون الأخيرة التي تُسقط ضحايا في صفوف الأردنيين. يسيطر عليهم هذا الاعتقاد أكثر من أي وقت مضى، بعدما ارتفعت في الأيام الأخيرة وتيرة سقوط القذائف والصواريخ على مدينتهم، والتي وصلت مناطق كانوا يعتبرونها آمنة لبعدها عن الحدود.


اقرأ أيضاً: القذائف السورية الطائشة... كابوس يقضّ مضاجع الأردنيين شمالاً

يوم دفن سكان المدينة الحوراني رفعوا شعارات تعبر عن خوفهم من الموت المتربص بهم. وطالبوا حكومة بلادهم بالتدخل لحمايتهم، فكان شعار "الرمثا لا تريد مناصب ولا وظائف، الرمثا تريد إيقاف سقوط القذائف"، غير أن شعارهم بقي صرخة يكررونها كلما سقطت قذيفة جديدة.

السبت الماضي كان يوماً استثنائياً في المدينة، أصوات الانفجارات تهز البيوت وتصيب الأطفال وحتى الكبار بالذعر. أزيز الطائرات يصم الآذان. أعمدة الدخان تتطاول لتعانق السماء. وخمس قذائف "عشوائية" تهطل على رؤوس المدنيين، الذين أصبحوا يشعرون بأن مدينتهم دخلت أتون حرب ليس لهم فيها ناقة ولا بعير. هي "لعنة الجوار" كما يقول ابن المدينة، أمجد الحوراني، الذي كان يقف عند المحل التجاري الذي سقطت عليه القذيفة التي أزهقت روح الشاب الحوراني، وعبر عن خوفه بالقول "شو (ماذا) يضمن أنه ما توقع قذيفة الآن وأموت فيها أنا أو أي حد في الشارع؟".

الخوف ليس وحده ما يسيطر على مشاعر الرماثنة، لكن الغضب أيضاً، وإحساسهم بالخذلان الرسمي وعدم التضامن الشعبي مع مدينتهم التي أعلنتها السلطات الأردنية "مدينة منكوبة"، بعدما كانت مركزاً تجارياً هاماً يؤمّه الأردنيون من جميع محافظات المملكة، طمعاً في البضائع رخيصة الثمن التي يجلبونها من سورية.

مشاعرهم تلك عبروا عنها في "مثل شعبي" ضربوه بعد مقتل الشاب الحوراني، وبات يُردّد في المدينة يقول "الناس كانت تاكل قطايف (حلوى رمضانية) وإحنا بناكل قذائف"، في إشارة إلى وفاة الشاب في اليوم التاسع من رمضان الماضي.

ربحي الحوراني، عم الشاب القتيل، يشعر بالغضب من تقصير الجهات الرسمية تجاه قضية مقتل عبد المنعم، يقول "لم تعوض الحكومة والد عبد المنعم ولم تعوضنا عن الخسائر التي لحقت بالمحل نتيجة سقوط القذيفة، كما أنها لم توفر العلاج للمصابين في الحادثة، بحيث واصلوا العلاج على حسابهم الخاص".

ويبعد المحل الذي وقعت فيه الحادثة والواقع في قلب السوق التجاري للمدينة قرابة 5 كيلومترات عن الحدود السورية، لكن القذائف الأخيرة وصلت إلى مسافات أبعد بكثير. يقول ربحي الحوراني، إنّ "القذيفة الذي تعرّض لها المحل ونتج عنها استشهاد عبد المنعم ليست الأعنف، سقطت قذائف أعنف منها بكثير، لكن الله سلم ولم يكن هناك ضحايا". ويحمل على الحكومة أن تُبقي مدينة على "خط المواجهة" غير مهيأة للتعامل مع الحالات الطارئة. وبحسبه "لا يوجد في المدينة ملجأ، ولا يستخدمون صفارات الإنذار ليعلمونا بوجود خطر، ولم توزع علينا إرشادات للتعامل مع الأوضاع الطارئة، حتى إنه لا يوجد مستشفى يستطيع استيعاب العديد من الحالات".

وكانت الحكومة الأردنية أعلنت، في أعقاب مقتل الشاب الحوراني، أنها تحقق في مصدر القذيفة لاتخاذ الإجراءات المناسبة، لكن لم تعلن نتائج التحقيق حتى اليوم.

بعيداً عن السوق وفي حي سكني يبعد قرابة 7 كيلومترات عن الحدود السورية، سقطت، فجر السبت الماضي، قذيفة على منزل عائلة أبو فهد النصار، اخترقت الجدار الخارجي للمنزل الواقع في الطابق الثاني، قبل أن تخترق غرفة المعيشة وتستقر في المطبخ.

يقول الطفل فادي النصار "استفقنا خائفين على صوت انفجار، وكان البيت يهتز، نظرنا إلى منزل عمي في الطابق الأعلى من منزلنا، وعرفنا أن القذيفة ضربت منزلهم". لم تخلف القذيفة خسائر في الأرواح، لكن الطفل يصف لحظة الرعب "كان البيت كله غبره وتراب، ومع الصراخ ظننا أن أحداً قد مات، لكن الحمد لله، سلِم بيت عمي".

وفي غرب المدينة الأبعد عن الحدود، سقطت ظهر السبت أيضاً قذيفة على منزل خالد السقار لتخترق جداراً خرسانياً، قبل أن تحدث فجوة في جدار غرفة الضيوف وتدمر الجدار المقابل للفجوة. قبل سقوط القذيفة بربع ساعة كان خالد قد غادر المنزل برفقة زوجته الحامل في الشهر السابع وأطفاله الثلاثة، يقول "هذا من حسن حظي".

يشعر خالد اليوم بأن الحرب في سورية قد وصلت مدينته بل وبيته، يقول "أولادي لديهم رعب وخوف دائمان من أصوات الانفجارات، وفي كل مرة كانت تسقط قذيفة، كنت أطمئنهم أنها بعيدة. واليوم وقعت القذيفة في بيتنا ورأوا الدمار، لن يصدقوني بعد الآن".

فيصل السقار، والد خالد، كان لحظة سقوط القذيفة في بيته المجاور لبيت ابنه، يقول "بعد صلاة الظهر، كنا في البيت وسمعنا صوتا قويا، سألتني زوجتي عنه، فقلت لها قد يكون صوت سلاح، بعدها صار صوت انفجار أقوى، رحت أركض فرأيت الغبار يخرج من بيتي، ووجدت الجيران يخبرونني بأن بيت خالد قصف".

السقار الأب، وهو عسكري متقاعد خدم في سلاح المدفعية الأردني، يؤكد أن ما استهدف منزل ابنه كان صاروخاً مضاداً للدروع أطلق من طائرة، وجازماً بأن الصاروخ روسي الصنع. يقول "من المستحيل أن تكون قذيفة هاون أو مدفعية، وتحدث كل هذا الدمار، خصوصاً أن المسافة الأفقية بين المنزل والمنطقة التي يدور فيها القتال في الداخل السوري تتجاوز 8 كيلومترات".

ويرصد السقار اشتداد القصف خلال الأشهر الخمسة الماضية، ويقول "في السابق كنا نسمع أصوات رشاشات وطلقات مدفعية، لكن ما نسمعه اليوم أكثر من ذلك بكثير"، مشيراً إلى اشتداد القصف منذ التدخل العسكري الروسي في سورية.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الأردنية بررت التنسيق العسكري مع روسيا بعد تدخلها في سورية بضرورة تأمين الأوضاع في جنوب سورية، بما يضمن أمن حدود المملكة الشمالية، وهو أمر لا يلمسه أهالي المدينة.

السقار وبخبرة العسكري، يعتقد بصعوبة اتخاذ إجراءات احترازية في المدينة غير المؤهلة لمواجهة حالات طارئة، مشيراً إلى صعوبة معرفة أو تقدير متى ستضرب الطائرات قذائفها، معتبراً أن الحل يكمن في فرض منطقة عازلة، سواء باتفاق سياسي بين النظام السوري والأمم المتحدة أم بالقوة.

ويتخوّف السقار، كما سكان المدينة، من تطور العمليات العسكرية في الجبهة الجنوبية السورية المتاخمة لمدينته، ويقول إن "الرمثا خط مواجهة أول في حال تطور الأوضاع. وحينها لن يكون أمام سكانها سوى النزوح بشكل جماعي لحماية أنفسهم".

اقرأ أيضاً: "بَحّارة" الرمثا الأردنية يشكون حالهم بعد الحرب السورية

دلالات
المساهمون