الرقص يضيء الجسد، كل الجسد، ينتشله من أغوار العتمة. الرقص يزيل عبء الكآبة ويمحو آثار الحزن، ويحرر الجسد من الثقل والقساوة ويهبه الخفة والطراوة واللين.
للرقص طاقة سحرية جوانية تزيد من مساحة الجسد العادية، تمدده وتوسعه إذ تحركه وتمده بالحيوية. الرقص شمس الجسد وشعلته الأقدم والأكثر براءة وحميمية. الرقص يبتكر الجسد، يحوّله، يكتشفه من جديد، يعيد تركيبه وتأليفه، يستعيد عافيته، يعطف بعضه على بعضه، ينشره ومن ثم يضمه ليعيد إليه فتوته ونضارته.
الرقص لغة الجسد الأولى. عندما نرقص نشبه أنفسنا أكثر، نعيد اكتشافها، ندخل منبهرين إلى الجزء الجوهري من كياننا، ذلك أن قوى وطاقات بدائية صافية تتحرر من حولنا وتمدنا بألق التحول الحيوي. من خلال الرقص نمتزج بالهواء، نغدو مثله أخفّ وألطف وأنقى. كأنما الجسد كله يبتسم وهو يرقص معيداً الرقّة إلى منبتها وحاملاً اللطف إلى منتهاه.
الرقص امتحان الرغبة المنزوية والمتوارية، الرقص طاقة محررة والرقص نشيد عريق والرقص إغواء ساحر. الجسد الذي لا يشعر بمتع الرقص هذه هو جسد جاهل وضيق وحزين.
كان الرقص تضرعاً وابتهالاً إلى الآلهة قديماً، كان فرحاً بالخير وشكراً للطبيعة على عطائها غير المحدود.
الرقص رحابة ضد الضيق الخانق وفرح يتجاوز متاعب الألم. الرقص يدفئ الجسد الأعزل ويطرد عنه البرد، وهو إعلان مباشر عن التوق والرغبة في فضاء دافئ رحب وغير محدود. مع الرقص يتوهج الجسد ويضيء كيانه من الداخل صوب الخارج. يصل الرقص الكينونة الداخلية للجسد بالفضاء الحر. كل ما هو جسد يتحول إلى رقص. عندما نرقص نشعر بروح جديدة تغمر كياننا. الرقص يجدد فينا ما توارى وما انطفأ. يهب الرقص العاشقَ الإقدام والجرأة، يحلق به، ويقربه من معشوقه. الرقص "يغفر الطمع في المعشوق". يلوّن الرقص الجسد. كلّ حركة في أثناء الرقص هي لون وهي طيف حول الجسد المشتهى. الرقص حنين وتوق إلى العناق، وهو ثمرة لقاء ولحظة ارتواء من جسد المعشوق الذي يرافق الراقص ويتكاثر من حوله مثل وجه حالم.
الرقص عتبة الجسد الوحيد البارد إلى الجسد الدافئ الحميم. الرقص غذاء الجسد الجائع. عندما نرقص نمتلئ بغبطة الوجود، نغدو أغنى وأكثر سعة ورحابة. الرقص مسافة واسعة داخل حيّز صغير. يحفر الرقص من جسد الراقص، ينحته، يظهر جماله وألقه المخبأ. الرقص يطهر الجسد كما لو كان دواء يشفي المريض. لا حيرة مع الرقص، فكل خطوة هي دخول مطمئن إلى غرفة من غرف الجسد الكثيرة. الرقص ضيافة الجسد الكريمة داخل الجسد. عندما نرقص نستقبل الضيف الذي طالما اشتقنا إليه. الرقص لا يعكس الغربة، بل يستضيف الألفة والإحساس بالهناء. الرقص وعدٌ، حيث كل ما نحبّ على وشك أن يولد.
اقرأ أيضاً: الوفرة المريبة