الرقص الجماعي... فن يسمو بالإنسان إلى حالة النشوة

08 سبتمبر 2018
الدبكة من الرقصات الجماعية الأساسية (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -
اهتم العرب اهتماماً بالغاً بالفنون، وكان من ذلك تعلّق أصحاب الشأن والأمراء بفن الرقص. والتاريخ يحفل بقصص الجواري اللواتي كن يرقصن استرضاء للأمراء، وكان هناك نوع من الرقص الراقي الذي يتميز بسمو التعبير عن خلجات النفس، كما كان هناك رقص خال من البراءة. وأمّا في ما يتعلق بالرقص الذي له مدلول حماسي، فإنّ الرقصات التي تؤدّى في الخليج وفي بعض البلدان العربية لخير دليل على استعمال العرب مثل هذا النوع في عصورهم القديمة.
والرقص الجماعي الديني هو الرقص الذي يمارسه العرب، ويتعلق بحفلات الزار. والزار إجمالاً حفلة دينية، نساءً أو رجالاً، ويُستعمل فيها عدد كبير من الآلات الموسيقية، وقد يدخل الناي في الزار، أمّا الإيقاع في ألحانه فيبرز في الأوزان العربية كالمصمودي والمربع، ويشترك الجميع باللحن والغناء أو الدوران مع تكرار كلمة "الله" حتى يصل الجميع إلى حالة النشوة، ويطلق على من يؤدونه أصحاب فتلة المولوية، وتدعى "سلطان ولد". ويرى أدهم الجندي: "أن مبتكر رقص السماح هو الشيخ عقيل المنبجي وهو أوّل من رتب رقص السماح، وقد كان من العلماء المتصوفين، وكان يقيم الأذكار في داره، وله تلامذة ومريدون يعلمهم الأناشيد والتواشيح على الإيقاع.
تمّ نقل رقص السماح من حلته الدينية إلى الفرق الفنية الحديثة، فقد خرجوا به عن أصله في حركاته ولباسه، كما كان في الزوايا، وعن أغانيه، فقد كان المريدون يرقصون على إيقاعات القدود والموشحات الدينية والصوفية الموروثة، ولباسهم هو اللباس الشعبي، أمّا الفرق الفنية الحديثة فترقصه على إيقاعات الموشحات والقدود الغزلية والخمرية، مثل: "قمر يجلو دجى الغلس" و"املأ لي الأقداح صرفاً" وغيرها. ولباسهم يخضع للتصميم والتفصيل واختيار الألوان الزاهية الناعمة الرقيقة، لتقدم متعة جمالية للمتفرج. لقد قام عمر البطش بابتكار رقصات جديدة وتكوين وصلات مشبكة من مقامات مختلفة (راست – حجاز – بيات) وعلى إيقاعات وأوزان متعددة (المحجر – المربع – المدور – المخمس – السماعي الثقيل والدارج)، وأصبحت حركات الأيدي والأرجل تتوازى مع إيقاع الموشح المصاحب لها في الغناء.



والدبكة هي الرقصة الشعبية الأكثر شيوعاً، والشبان يرقصون في حلقة مفتوحة على أنغام المجوز والشبابة باشتراك المغني، ويمسك من يحتل طرف الحلقة بمنديل معقود الأطراف، ويلوّح به أثناء الدبكة. وتسمح التقاليد له بالانفصال عن الحلقة، والقيام برقص الدبكة بشكل منفرد، يظهر فيه مهارته وفنه. وكذلك المغني الذي يشذ عن اللحن، ويرتجل لحناً قريباً منه، وعادة ما ينفرد الرجال برقص الدبكة، ما عدا بعض القرى حيث يسمح للمرأة بالاشتراك فيها جنباً إلى جانب الرجل.
ومن أنواع الدبكة المعروفة "الشمالية". وأسلوب أداء هذه الدبكة، يبدأ بالعزف المنفرد على "الشبابة أو المجوز"، ثم يبدأ المغني بترديد بيت من الدلعونا، أثناء ذلك تبدأ حركة الأرجل التي تشبه خطوات منظمة، وينفرد "اللوّيح" عند الانتهاء من بيت الدلعونا، وعندما يرى أنّ الأرجل أصبحت ذات نغم واحد يقول "ريحّ " فيقوم الدبيكة "بحركة خفيفة بالأقدام، اليمنى للأمام ثم الخلف، وبعد ثوان يهتف اللوّيح "اطلع" فينطلق الدبيكة من إيقاعاتهم الرئيسية.
وهناك نوع آخر، ولكن رقصه بطيء ويفتقر إلى الحركة النشطة والإيقاع البارز، غير أنه يتجلى بانسجام وتناسق مع جزر ومدّ بديعين، ويعرف هذا النوع بـ "السحجة". وفي هذه الرقصة يقف صف من الرجال متشابكي الأيدي فيتمايلون تارة إلى اليمين، وطوراً إلى الشمال، ويغنون. وهناك سحجة أخرى، وفيها يتقابل صفان من الرجال، فيغني الصف الأوّل مقطعاً ويكرّره الصف المقابل له، ويلاحظ أنّ النساء يتبعن هذا النمط، لكن وهنّ جالسات. وهناك ثلاث رقصات تختص النساء بها:
1- الدبكة
2- الرقص في بعض القرى والمدن، وفي هذه الرقصة تكون النسوة في حلقة مقفلة، ثم تقف إحداهن في وسطها، ثم تقفز الراقصات قفزات صغيرة يميناً ويساراً، وهن يلوحن بالمناديل.
3- رقصة ابن المدينة: وفيها تنقل الراقصة رجليها بخفة، تارة نحو اليمين، وطوراً نحو الشمال، متابعة وزن الوحدة، ومن الألحان التي تغنى بهذه المناسبة (الزيقلي – ورقص الهوانم).
وهناك رقصات تترجم فيها كلمات الأغنية، مثل "هيك تك الزعرورة، يا يما هيك" وتقوم بحركات مرتعشة بجسدها تمثل حب الزعرورة وهو يتساقط من الشجرة. وهناك رقصة ثانية، هي "ع القهوجي"، تمسك الراقصة فناجين القهوة وتمثل طريقة صبّها على الحاضرين.

دلالات
المساهمون