الرقة عاصمة القصف الدولي

24 نوفمبر 2015
+ الخط -
أسرعت فرنسا، عشية تلقيها الهجوم الإرهابي، إلى مجلس الأمن، وحصلت على قرار جماعي، يصطف إلى جوار قراراتٍ، بصيغ مماثلة، استُصدرت سابقاً، تستهدف الإرهاب الصرف، لكنه، هذه المرة، يتوجه إلى التنظيم المعروف بالدولة الإسلامية في العراق والشام.
يحثُّ القرار الدول الأعضاء في المنظمة الدولية على التنسيق فيما بينها، لاتخاذ جميع التدابير لمجابهة التنظيم، بعد إدانة أوتوماتيكية للأعمال الإرهابية التي وقعت في بيروت وباريس وأنقرة وسوسة؛ ومن باب الاعتراف الرسمي بسقوط الطائرة الروسية فوق سيناء بقنبلة "داعشية"، جرى التنديد بهذا العمل، وعُدَّ نشاطاً إرهابياً ينبغي استنكاره. وبصدور هذا القرار تكون ضربات "رد الفعل" قد تم دمغها بالأختام القانونية اللازمة. وبعدها، يمكن لطائرات الرافال الفرنسية أن تتجول بحريةٍ، في سماء الرقة العاصمة "غير المعلنة" للتنظيم.
مع تحرك حاملات الطائرات الفرنسية، شارل ديغول، جرى لقاء قمة بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرانسوا هولاند، وعقدت عشرات المؤتمرات، وأدلي بالتصريحات النارية، وجرت اتصالات كثيرة متزامنة مع مداهمات في ضواحي العواصم الأوروبية، في نشاط نستطيع إدراجه تحت بند رد الفعل، على اعتبار أن أجهزة الأمن والسياسة والآلة العسكرية الفرنسية كانت في حالة انتظار نشاط إرهابي من هذا النوع، لتنطلق من عقالها، بجنون محموم، فيما تنزوي عشرات الأفلام المصنوعة بدقة "الهاي كوالتي"، مستعرضةً الموت بأشكال غريبة وطريفة وجماعية، في الركن البعيد عن أعين صناع القرارات الدولية، وكأنها كانت تمر أمامهم، سابقاً، بغرض التسلية أو، في أحسن الأحوال، للدراسة النظرية، كحال السلاسل التي تعرضها قناة ناشيونال جيوغرافيك.
تبدو الدورة الإرهابية قد عادت إلى نقطة البداية، فيما يشبه تكرار أحداث هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندها استصدرت الولايات المتحدة، في اليوم التالي لسقوط البرجين، قراراً مقتضباً من مجلس الأمن، يشبه، من حيث الصياغة "والنيات" القرار الجديد الذي وقفت خلفه فرنسا وروسيا، ثم تركت ماردها العسكري المضطرب، المطعون في كبريائه، ينطلق ليسقط عاصمتين، مفسحاً المجال لفوضى عارمة، شغلها الإرهاب نفسه، فتمدد نظرياً وفكرياً على مساحة أكبر، محتلاً مزيداً من العقول، بعد أن أضيف اسم "غوانتنامو" إلى مفردات "مكافحة الإرهاب"، و"القضاء على التكفيريين".
بما يتناغم مع اعترافات رئيس وزراء ريطانيا الأسبق، توني بلير، بخطأ الهجمات العسكرية التي شنها التحالف، لم يفلح النظام الأميركي بتحقيق نصر استراتيجي على التطرف، على الرغم من اضمحلال تنظيم القاعدة الذي أفسح المجال واسعاً أمام تنظيم آخر، أكثر دموية وشراسة للنمو المتدرج.
قد يختلف التكتيك، هذه المرة، وتكتفي الدول المؤثرة بالضربات الجوية، تاركةً المجال لحليف أرضي، ذي سمعه سيئة، فيستلزم لجم تنظيم داعش تحويل الرقة إلى ركام، قبل أن يتحرك الحليف الأرضي الذي تتكلف روسيا بالدعاية له، والتمهيد بإعادة شحنه بالأرصدة اللازمة، لكنها الدورة عينها التي بدأت للتو بقرار من مجلس الأمن، سيتلوها مزيد من الفوضى، على الرغم من "الأمل" الذي نشره في الجو اجتماع فيينا المفعم ببنود وقف إطلاق النار، وبدء محادثات سياسية وفترة انتقالية.
على أشلاء الرقة، تحدث محاولات لملمة أجزاء سورية، في مهمة مثقلة بالمصالح المتضاربة، ومحملة بجدال مذهبي كريه، ستتضافر مع منطق رد الفعل الأوروبي المتوِّج لهذا العمل، ما سيجعله عرضة لرياح مزاجية، قد تجنح به إلى وجهٍ لا يرغب به السوريون الذين تحولت بلادهم إلى أطلال، تتنازعها زعامتان، يرأس إحداهما مجرم تتم محاولة إعادة الاعتبار له، وغسل يديه "بديتول" مطهر، ويشكل الآخر مرتعاً لمتطرفين عتاة، جنح بهم التاريخ إلى زمن خاطئ، وتمكنوا من تهديد أمن عواصم دول عظمى واستقرارها، فتغدو مهمة البحث عن حل في هذه الظروف كالعبث بلغم أرضي.
فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية