وشنّ سلاح الطيران التابع للنظام السوري ثماني غارات جوية جديدة، استهدفت مبانيَ سكنية في مناطق البانوراما والجسر العتيق والمشلب والامتحانات والروضة، كما استهدفت غارة مبنىً سكنياً قرب كلية الهندسة المدنية، وغارة المشفى الوطني، وأخرى مدرسة دار السلام، وسط المدينة، حسب ما ذكرت مصادر محلية.
وأشار الناشط حسن حريري، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "سقط إثر هذه الغارات ما لا يقلّ عن سبعة قتلى من سكان المناطق المستهدفة". ويُرجع حريري انخفاض عدد ضحايا قصف الخميس مقارنة مع عدد الضحايا الكبير يوم الثلاثاء، إلى نزوح أعداد كبيرة من سكان المدينة إلى الريف بعد الغارات الدامية، كما أن الغارات الأخيرة لم تستهدف تجمعات مكتظة، كالأسواق وكراجات باصات النقل كما حصل الثلاثاء.
وخلّفت الغارات الأخيرة دماراً واسعاً في مختلف أحياء المدينة، وقام الطيران الحربي التابع لقوات النظام السوري بقصف المباني السكنية بالصواريخ الفراغية ذات القدرة التدميرية العالية، الأمر الذي أدّى إلى انهيار معظم المباني السكنية التي استهدفها القصف بشكل كامل.
وجاءت الغارات الجديدة على الرقة بعد يوم واحد فقط من البيان الصادر عن مكتب المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جينيفر بساكي، التي شجبت فيها الغارات على الرقة، وعنف النظام الموجه ضد المدنيين وانتهاكاته المتواصلة لحقوق الإنسان وخروقات القانون الدولي.
من ناحية ثانية، تمكنت قوات النظام السوري من إجبار أعداد كبيرة من سكان المدينة، التي كانت تُعتبر هادئة نسبياً إلى وقت قريب، على النزوح عن بيوتهم، بعد ضربة الثلاثاء المدوية، التي أنهت حالة الهدوء النسبي الذي كانت تعيشه المدينة.
وتكرّر الغارات، السيناريو الذي تمكنت قوات النظام السوري من تطبيقه في مدينة حلب منذ مطلع العام الحالي إلى اليوم، إذ أدى القصف المستمر بالبراميل المتفجرة والصواريخ على الأحياء السكنية التي تسيطر عليها قوات المعارضة في حلب إلى مقتل المئات من سكانها، ليضطر باقي السكان الذين عايشوا مشاهد الموت اليومي نتيجة القصف، إلى النزوح نحو أرياف المدينة والأراضي التركية القريبة.
وسيؤدي خلو مدينة الرقة من سكانها إلى ضرب الحاضنة الشعبية لـ"داعش" الذي يسيطر على المدينة منذ مطلع العام الحالي، بعد تمكنه من طرد فصائل المعارضة منها، فالرقة تُعدّ أكبر المدن التي يسيطر عليها التنظيم في سورية.
ويعتمد "داعش" على الرقة التي يتخذها مقراً لقيادته في سورية، كما تسكن فيها عائلات كبار قيادييّ التنظيم. وإذا كانت الغارات الجوية قد أدّت إلى نزوح أعداد كبيرة من سكان المدينة عنها، فهي ستؤدي من دون شك إلى إقناع من تبقى منهم بعدم قدرة "داعش" على حمايتهم، الأمر الذي سيضرب مشروعية وجوده في المدينة في الصميم.
في المقابل ستشجع غارات طيران قوات النظام شبان المدينة الذين يفكرون بالانضمام إلى "داعش" للإقدام على ذلك، إذ إن استمرار الغارات التي أدت إلى مقتل المئات منهم حتى الآن، بالتوازي مع استمرار الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي لمحاربة التنظيم في المدينة، يشير إلى وجود تنسيق بين قوات النظام السوري وقوات التحالف، الأمر الذي سيعطي فرصة لتنظيم "الدولة" لتسويق نفسه على أنه القوة التي تسعى لتحقيق مصالح السكان، في ظل هذا التنسيق.
ويجري كل ذلك في الوقت الذي يواصل فيه "داعش" انتهاكاته ضد سكان المدينة، الذين يدفعون الثمن على كل المستويات، وليضطروا أخيراً إلى دفع فاتورة ممارسات التنظيم المتطرف وعمليات القصف العشوائي للمناطق السكنية من قبل طائرات النظام، في الوقت الذي تواصل فيه طائرات التحالف الدولي غاراتها على مناطق سيطرة التنظيم في سورية، دون أن يكون لهذه الغارات أي تأثير ملموس حتى الآن.
دفع ذلك المجلس الوطني السوري، أحد أكبر كيانات الائتلاف الوطني السوري، إلى إصدار بيان انتقد فيه سياسات التحالف الدولي، بـ "غضّ النظر عن المجازر التي يرتكبها سلاح الطيران التابع للنظام السوري".
وذكر البيان أن "المجزرة الأخيرة في الرقة تفضح تناقضات مفجعة في استراتيجية التحالف الدولي، كونها تجري تحت سمع وبصر طائرات التحالف، التي تمر في أجوائها بصورة يومية، وتسمح لإرهاب الدولة الذي يمارسه النظام السوري بقتل أهل الرقة، في الوقت الذي يتعرّض فيه أهل المدينة لانتهاكات خطيرة لحقوقهم على يد داعش".
واعتبر البيان أن "السماح لطائرات النظام بإبادة المدنيين ليس صمتاً ولا عجزاً تجاه هذه الجريمة، بل موافقة عليها". في إشارة إلى امتناع التحالف الدولي عن استهداف طائرات النظام السوري وثكناته العسكرية، في ظلّ القصف المستمر الذي تقوم به قوات النظام للمناطق السكنية في سورية.