انتقد مراقبون السلطات الموريتانية، في تعاطيها مع قضايا الفساد المالي وعدم محاكمة المسؤولين عنه، إلا عندما تتهمهم محاكم وشركات دولية بالتورط في قضايا الفساد والرشوة.
واعتبر المحللون أن تجاهل السلطات الموريتانية للاتهامات، التي توجّه للمسؤولين بتلقي رشى وعمولات والاهتمام فقط بالقضايا التي تثيرها جهات دولية على قلتها، لا يعني أن هناك اهتماماً بقضايا الفساد وتوجهاً لمحاربة المرتشين، بقدر ما يؤكد أن السلطات تحاول حماية سمعة البلد بالتحقيق في هذه القضايا دون إصدار أحكام رادعة.
وكانت السلطات الموريتانية قد اعتقلت عدداً من المسؤولين في قطاعات مختلفة بتهمة الفساد المالي، كان آخرهم الأمين العام لوزارة الداخلية محمد الهادي ماسينا، بعد اتهام المحاكم البريطانية للشركة التي تولّت طباعة البطاقات الانتخابية في موريتانيا بتقديم رشى لمسؤولين في دول أفريقية، خاصة كينيا وموريتانيا، حيث اتهم القضاء البريطاني شركة "سميث آند أوزمان" بتقديم رشى للفوز بصفقة طباعة بطاقات في الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية التي عرفتها موريتانيا في السنوات الأخيرة.
وكشفت سجلات القضية أن أمين عام وزارة الداخلية الموريتانية محمد الهادي ماسينا، تلقى رشى بمبلغ 400 ألف جنيه استرليني مقابل أن تفوز الشركة بصفقة طباعة بطاقات الانتخاب في انتخابات موريتانيا خلال فترة 10 سنوات.
ومباشرة بعد نشر تفاصيل القضية في الإعلام البريطاني، اعتقلت السلطات الموريتانية المسؤول بوزارة الداخلية، ولا زالت ترفض نشر تفاصيل التحقيق معه الذي لا يزال جاريا.
قضية أخرى استأثرت باهتمام الرأي العام ولم تحرك السلطات فيها ساكناً إلا بعد إثارتها من قبل المحاكم الدولية، وتتعلق برشى قدمتها شركة "وودسايد" الاسترالية التي كانت تستثمر في النفط المكتشف في موريتانيا لمسؤولين من موريتانيا، من بينهم وزير النفط زيدان ولد احميده، الذي تم اعتقاله واتهامه بتلقى رشى من شركة "وودسايد" الأسترالية وتوقيع عقود مضرة بمصالح البلد.
اقرأ أيضاً: موريتانيا تشن حرباً على شبكات الفساد
وحاليا تواجه شركة "كينروس غولد" التي تملك شركة "تازيازت" العاملة في مجال استخراج الذهب في موريتانيا تهم الفساد المالي بعد فتح القضاء الأميركي تحقيقاً حول تورط الشركة في دفع رشى لمقربين من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. ويتوقع أن تكشف تفاصيل الملف أسماء الموظفين الحكوميين الذين يؤكد القضاء الأميركي أنهم تلقوا رشى لتسهيل عمل الشركة في موريتانيا.
ويقول الباحث الاقتصادي، بياده ولد المحفوظ، إن هناك شركات دولية رحلت بسبب الرشاوى وما يفرضه المسؤولون عليها من إتاوات، مثل شركة "توم إبراون" التي رحلت أخيراً عن موريتانيا وأصدرت بياناً تؤكد فيه أن الاستثمار في موريتانيا "مغامرة"، ونصحت كل الشركات الدولية العاملة في مجال المعادن أن لا تغامر في موريتانيا حتى تتم معالجة قضايا الرشوة والفساد الظاهرين والتصرفات السيئة للحكومة.
وحذر الباحث في حديثه لـ"العربي الجديد"، من رحيل المزيد من المستثمرين الأجانب بسبب غض الدولة الطرف عن محاكمة المرتشين وتركهم يستغلون الشركات الأجنبية ويحصلون على رشى وعمولات مقابل التوقيع على عقود مضرة بمصلحة البلد.
واعتبر أن اعتقال المسؤولين الذين يتم فضح أسمائهم في القضاء الأجنبي وترك الآخرين الذين تتهمهم الصحافة المحلية والجهات المستقلة بالفساد وتقدّم ملفات متكاملة عن قضايا الفساد المالي، هو احتقار للقضاء وتشكيك في نزاهة المجتمع المدني، حتى أصبحت أية إدانة بالمسؤولية عن قضايا الفساد ترتبط بإثارة القضية دولياً. وكانت موريتانيا قد احتلت المرتبة الـ124 من أصل 177 دولة في مؤشر الفساد لتقرير منظمة الشفافية الدولية.
وهنالك تساهل واضح من السلطات القضائية مع قضايا الرشاوى والتلاعب بأموال الدولة في موريتانيا. ومن بين قضايا التلاعب قرار القضاء الموريتاني في ولاية لبراكنه تغريم مفتش البيئة في مقاطعة بوكى بلبراكنه بعد تلقيه رشى من أحد التجار سمح بموجبها بإدخال أكياس من البلاستيك المحرّم إدخالها منذ عامين.
وبلغت الغرامة مبلغ 70 ألف أوقية دفعها المفتش للخزينة العامة للدولة، فيما استغربت أوساط مطلعة على الملف إطلاق سراحه دون "تكييف التهمة إلى خيانة للأمانة".
وهنالك العديد من قضايا الفساد التي نشرت ملفاتها في الصحافة الموريتانية ولم تحدث فيها مساءلة أو محاكمة من جهة القضاء.
اقرأ أيضاً:
30 حالة اختلاس مال عام في موريتانيا
موريتانيا تشن حرباً على شبكات الفساد