الرستن... ثلاث سنوات من الحصار والتجويع

13 يناير 2015
الرستن كانت أول مدينة تحررت من النظام (الأناضول)
+ الخط -

ضمن سياسته في استخدام المدنيين كإحدى أدوات صراعه مع القوى والفصائل المسلحة المناوئة له، يحاصر النظام السوري أكثر من مئة ألف سوري في مدينة الرستن في الريف الشمالي لمدينة حمص وسط سورية، في ظل ظروف إنسانية سيئة للغاية، جراء نقص المواد الغذائية والطبية.

وتعرف مدينة الرستن بأنها أول مدينة تحررت من النظام أواخر 2012 فضلاً عن كونها مدينة وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس اليد اليمنى للرئيس الراحل حافظ الأسد، والذي كان له دور كبير في تسليم الحكم لابنه بشار الأسد. وكان طلاس غادر البلاد هو وأبناؤه وبينهم فراس أحد ضباط الحرس الجمهوري وعضو اللجنة المركزية في حزب البعث العربي الاشتراكي، في ظل الأحداث الدامية التي تشهدها البلاد.

ويوضح مدير المكتب الإعلامي في الرستن، وائل أبو ريان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الرستن كانت أول مدينة تحررت من النظام منذ الشهر الأول من العام 2012، وكانت من أكبر معاقل الجيش الحر وملجأ للمنشقين". ويلفت إلى أنّ "المقاتلين المسيطرين على المدينة حالياً هم من أبنائها، والغالبية ليس لهم ولاءات لذلك هم مغيبون ومحرومون ومهمشون".

ويوضح أبو ريان أن "من أهم الفصائل العاملة على الأرض؛ لواء رجال الله، قوات المغاوير، كتائب الحمزة، لواء ابناء الوليد، لواء خالد بن الوليد، اللواء 313 واللواء الأول مشاة". ويشير إلى أنه "مع طول الحصار المفروض على المدينة وقلة الدعم لجأ بعض المقاتلين بأعداد ضئيلة إلى تنظيمات أخرى مثل تنظيم داعش والنصرة وأحرار الشام وجيش الاسلام، الذين اصطدموا مع أهل المنطقة سابقاً كونها منطقة محررة، لكن يتم التعاون والتنسيق بينهم وبين فصائل الحر".

ويشير مدير المكتب الإعلامي في الرستن إلى أوضاع معيشية صعبة يعاني منها أهالي المدينة بما في ذلك مقاتلو الجيش الحر إذ أكد أن "وضعهم المادي سيئ، فلقد استلموا ثلاثة رواتب منذ عام 2012 حتى هذه اللحظة، والرواتب كانت من الأركان للمجالس العسكرية وهي 5000 ثم 3000 ثم 1200 ليرة سورية، ما يجبرهم على ممارسة الأعمال الحرة في وقت استراحتهم". وأمام هذا الواقع يقول أبو ريان إنه "أصبح من الطبيعي أن ترى ضابطاً يعمل بائعاً عادياً، أو على بسطة بنزين، وهناك قسم من المقاتلين يلجأ لبعض الأمور المنحرفة ليؤمن قوت أهله ولكن بنسبة محدودة، هذا بتجرد ومن دون تحيز".

ويتوقف أبو ريان مطولاً عند الظروف الصعبة التي تواجه الأهالي منذ قرابة ثلاث سنوات، لافتاً إلى أنه "منذ خروج المدينة عن سيطرة النظام فصل أغلب أبنائها الموظفين من أعمالهم وتم منع ادخال المواد الغذائية للمدينة. وحتى قوافل المساعدات الإنسانية الأممية تأتي مرة واحدة كل 8 أشهر تقريباً والسلة الواحدة تقسم الى قسمين وتوزع على الأهالي".

ويشدد مدير المكتب الإعلامي في الرستن على أنً "المواد الغذائية قليلة جداً، وإن وجدت تكون بأسعار مرتفعة جداً لا يستطيع أغلب الأهالي جلبها. كما يشمل الغلاء المحروقات". لكنه يلفت إلى أن "كون المدينة تقع ضمن منطقة أرياف زراعية لا يستطيع النظام أن يقول سأجوعهم بشكل كامل، وإنما يعتمد الحصار كوسيلة إذلال". ويشدد على أن "النظام لا يستطيع إجبارنا على التسليم مقابل التجويع، كما يحدث في مخيم اليرموك أو حمص المدينة".

ويلفت أبو ريأن إلى أن "الوضع الاقتصادي في تدهور يومي، إذ إن أهالي الرستن هم إما موظفون في القطاع العام تم فصلهم من أعمالهم، وإما سائقون على سيارات الشحن لم يعودوا يجرؤون على الحركة إذ يتم اعتقالهم، والأغلبية من الشباب كانوا متطوعين في الجيش وانشقوا، ما دفع الجميع للعودة إلى الزراعة والتجارة بالوقود والخضر".

وفيما تعاني المدينة من انقطاع الكهرباء بقرار أمني، يلفت مدير المكتب الإعلامي في الرستن إلى أن الأمر نفسه لا ينطبق على المياه "فكوننا نتحكم بحصة مياه حماه، لا يستطيع النظام قطع المياه عنا ولو تمكن لقطعها".

وحول نشاط العمل المدني في المدينة، يقول أبو ريان إنه يوجد "في الرستن عدد من الجمعيات الخيرية لكن عملها محدود جداً جراء نقص التمويل". وعن اعتماد الأهالي على ذويهم المغتربين، يقول أبو ريان "نعم هناك من يساعد من المغتربين على تأمين الاحتياجات الأساسية، ولكن بنسبة ضئيلة جداً. كما يشير إلى "المحاولة المبذولة لمواصلة تعليم الأطفال لكنه في تراجع يومي لعدة أسباب أهمها، تدمير أغلب المدارس بالرستن بسبب استهدافها بالغارات الجوية والمدفعية، وعلى حد علمي هناك مدرسة واحدة فقط تعمل اليوم، والنظام في الفترة الأخيرة ركّز قصفه بالقرب منها لذلك لجأ الأهالي لاستئجار منازل والتدريس فيها"، ما يثير خوف الأهالي على أطفالهم، لذلك تجد هناك نسبة تسريب كبيرة للطلاب من المدارس". كما يتوقف أبو ريان عند "وجود عدد لا يستهان به من الأطفال تعرضوا لإعاقة حالت دون ذهابهم للمدرسة"، موضحاً أنّ "أغلب الإعاقات هي بتر أطراف".

من جهتها، تقول مديرة مكتب رعاية الطفولة والأمومة في مدينة الرستن مها طلاس، لـ"العربي الجديد"، إن "نحو 1250 طفلا رضيعا بحاجة إلى حليب بشكل عاجل في المدينة، إذ لا يوجد في الرستن طعام ولا حليب ولا دواء للأطفال". وتوضح أن "تأمين الحليب يتم بصعوبة بالغة عن طريق تجار اشتروا حواجز النظام بالنقود من أجل إدخال الحليب للرستن المحاصرة، فإدخال السلاح أخف وطأة عليهم من إدخال الحليب، ما يتسبب بتدهور الوضع الصحي للأطفال بشكل عام نتيجة الجوع ونقص التغذية". وتشير إلى أنه "بدأت تظهر حالات سوء التغذية بين الأطفال، في ظل استمرار الحصار، ولا يبدو أن هناك أملاً قريباً في تحسن الأوضاع، نتيجة انعدام الدعم المالي للرستن عامة ومكتب رعاية الطفل والامومة خاصة".

وتلفت إلى أن "الواقع الطبي في المدينة يعاني من صعوبات كثيرة، أولها نقص الكادر الطبي من كافة الاختصاصات، ثانياً نقص الدواء والشاش والمعقم وأجهزة اجراء العمليات. ويضاف إلى ذلك نقص الدعم المالي، وصعوبة إخراج المرضى خارج الرستن لاستكمال العلاج"، مضيفة أن "في الرستن اليوم نحو خمسة أطباء فقط، من أصل عشرات الأطباء الذين غادروا المدينة مع بداية الأحداث".

المساهمون