على بعد نحو 20 كيلومتراً شمالي مدينة حمص تقع مدينة الرستن، التي يزيد عدد أهلها عن 85 ألف شخص، بحسب إحصائيات عام 2011، وإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، تحوي جسراً يربط شمال سورية بوسطها وجنوبها. مدينة ترتفع فيها نسبة التعليم بشكل عام، إذ يحمل أبناؤها أكثر من 40 شهادة دكتوراه. وكذلك تشتهر بكثرة المتطوعين في صفوف قوات النظام، حتى أنه من النادر وجود عائلة في الرستن لا يكون أحد أفرادها عسكرياً، في حين من الطبيعي وجود عائلاتٍ جميع أبنائها هم ضباط وصف ضباط، كما أنها مسقط رأس مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري الأسبق، والذي بقي بهذا المنصب من سنة 1972 حتى سنة 2004.
في هذا السياق، قال ابن مدينة الرستن، الناشط مرهف الزعبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "قبل اندلاع الثورة عام 2011، كان هناك توجه كبير من قبل أبناء الرستن للتطوع في الجيش والأجهزة الأمنية، وذلك لأسباب عديدة، على رأسها وجود وزير الدفاع مصطفى طلاس، والذي كان يشجع الشبان على التطوع ويدعمهم وحتى يمنحهم الاستثناءات إذا لزم الأمر، في وقت كان الواقع الاقتصادي في الرستن كباقي الريف السوري، بفعل غياب التنمية وانعدام فرص العمل، ما حوّل الوظيفة، ومنها التطوع في الجيش، إلى أهمّ عوامل الاستقرار والأمان".
ولفت إلى أن "عدد الضباط المنشقين من أبناء الرستن الموزعين في مختلف أنحاء البلاد يصل إلى نحو 480 ضابطاً منشقاً، يضاف إليهم مئات المجندين الذين انشقوا كذلك. وبالرغم من هذا العدد الكبير، إلا أنه يشكل نسبة قليلة من عدد العسكريين الذين ما زالوا ضمن صفوف قوات النظام".
ورأى الزعبي أن "قضية العسكريين المنشقين في حمص عامة والرستن خصوصاً قضية شائكة، فهم شكّلوا إحدى أقوى الصفعات للنظام، بعدما كان يعتقد أن أهالي الرستن موالين له بشكل أعمى، وهم ما زالوا يحتفظون بفكر الثورة النظيف، ولم يرتهنوا أو يتاجروا باسم الثورة. والنظام يعلم أنهم لم يلتحقوا بالثورة إلا لأنهم كارهين له ولاستبداده وفساده"، معتبراً أن "النظام لن يثق بهم من جديد وإن استخدمهم مؤقتاً للقتال ضد الثوار، لكن سيعود ليتخلص منهم من جديد، ما يجعل خيار المقاومة والقتال هو الخيار الوحيد للموت بشرف وكرامة".
من جانبه، أفاد قائد "حركة تحرير الوطن"، فاتح حسون، وهو ابن مدينة الرستن، وقائد أحد أكبر الفصائل العسكرية في ريف حمص الشمالي، لـ"العربي الجديد"، بأن "الرستن تُسمّى من البعض عاصمة المنشقين بسبب وجود عدد كبير من الضباط والعسكريين المنشقين عن النظام، مقارنة بغيرها من المناطق الثائرة"، لافتاً إلى أن "عدد العسكريين المرتفع من أبناء الرستن يعود قبل الثورة لكون وزير دفاع النظام منذ السبعينيات هو ابن هذه المدينة، فقد كان عدد المتطوعين منها في الجيش كبيراً، حيث كانت أكبر نسبة من المتطوعين السنة في الجيش السوري من هذه المدينة".
وعلّق على التحليلات التي تذهب باتجاه وجود إصرار روسي إيراني خفي، يحاول الروس جراءه إعادة بناء الجيش لكي يحل مكان المليشيات الإيرانية على الأرض، لأن قوات النظام حالياً تعاني من نقص الضباط والمقاتلين، قائلاً "لا توجد قلة في عدد الضباط لدى النظام، وما يقوله الروس هو خدعة، ومن يظنّ بوجود خلاف روسي إيراني حقيقي في سورية، هو واهم، والروس صحيح ليس لديهم هاجس التغيير الديمغرافي لكنهم يقومون به لصالح الإيرانيين، وما حدث في وادي بردى وداريا والغوطة وحالياً حمص دليل على ذلك، فالهاجس بارتكاب جريمة شيء، ومساعدة الآخرين لارتكاب جريمة شيء آخر". وقال في ختام حديثه إن "هناك للأسف عدد من الضباط صدّقوا الروس والنظام ووثقوا بعهودهم وسيكون هؤلاء من النادمين، وهناك من اتخذ قرار المواجهة حتى الرمق الأخير، إن لم يستطع في منطقته فأرض الله واسعة، والثورة تحتاجه".