من دون ضرورة للعودة إلى تاريخ الحركة الطالبية في سورية التي تأسست في مرحلة الانتداب الفرنسي، وناضلت ضمن الحركة الوطنية لنيل الاستقلال، أو ما بعدها، يمكن فقط العودة إلى ما قبل الأعوام العشرين من حكم الرئيس الأسد الابن. في غضون العام الأول من وصوله إلى وراثة سدة الحكم، جرى الترويج من أجهزة إعلامه لما سمي في حينه بـ"مسيرة التطوير والتحديث" ضمن محاولة لتقديم نفسه للغرب على أنّه سيقود البلاد نحو انفتاح ديمقراطي يؤدي إلى تعزيز الحياة السياسية والحريات العامة. لكن، على أرض الواقع، حدث العكس تماماً، فقد منعت الجمعيات السياسية، وتواصلت عمليات الاعتقال التعسفي بحق المعارضين، وهو ما سرى على الحراك الطالبي أيضاً، فتحول الربيع الدمشقي إلى مساحات من القيود والزنازين.
وعندما انسحب الجيش السوري من لبنان في إبريل/نيسان 2005، وخشية من التجرؤ على النظام الذي رضخ للضغط الوطني اللبناني والدولي، اتجهت الفروع الأمنية لقمع أيّ صوت معارض، فتعرّض عشرات الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي، للاعتقال، وكممت الأفواه، وفي الوقت نفسه نالت الأصوات الطالبية التي حاولت أن تشكل منابر مستقلة عن مؤسسات النظام الرسمية حصتها الوافرة.
المحاولات الطالبية التي شهدتها تلك الفترة للاحتجاج متعددة، انطلقت من الاعتراض على المرسوم رقم 6، الذي يتنكر لتوظيف خريجي كلية الهندسة، وعمد النظام إلى تفريق الاعتصامات التي شهدها مبنى الكلية في جامعة "حلب" اعتقلت بعدها مجموعة كانت تخطط لنقل التجربة إلى جامعة "دمشق" وحكم على اثنين من أصل 12 معتقلاً، بالحبس ثلاث سنوات بتهمة "النيل من أهداف الثورة".
مجموعة ثانية من الجامعيين وحديثي التخرج، حاولت تأسيس تجمع أطلقت عليه اسم "شمس" ونشط أفراده حينها بالتدوين الإلكتروني، وهو ما لم يعجب النظام، فعمد إلى اعتقالهم، وحكم على معظمهم بالسجن خمسة أعوام في سجن صيدنايا العسكري الذي وصفته منظمة العفو الدولية بـ"المسلخ البشري". المعتقلون من المجموعة شاركوا في انتفاضة سجن صيدنايا الشهيرة التي قمعتها فرقة ماهر الأسد الرابعة، بعنف أسفر عن مقتل وجرح العشرات.
مع قيام الانتفاضة شاركت مختلف الجامعات السورية عبر اعتصامات متتالية في دعم الحراك السلمي الذي يطالب بتغيير النظام، لكنّ القبضة الأمنية والاستخباراتية طاردتها إلى داخل الصفوف والقاعات، ووصلت إلى السكن الجامعي واعتقلت مئات الطلاب. ووصل بها الأمر إلى استعمال الرصاص الحي لتفريق المتجمعين، بينما تحول أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة سورية إلى القيام بوظيفتهم كـ"شبيحة" ومخبرين وأدوات للفروع الأمنية تقمع أيّ نشاط احتجاجي لزملائهم.
وبالرغم من ضراوة القمع والتضييق الأمني، ومطاردة الأجهزة الأمنية للطلاب المنخرطين في الاحتجاجات السلمية، نجح هؤلاء في ابتكار وسائل احتجاج على قمع اعتصاماتهم، فوزعوا المناشير، وصدحوا بالأغاني التي تحرّض على التظاهر ضد النظام وتطالب الأسد بالتنحي، كما شارك الآلاف منهم في عمليات الإنقاذ والإسعاف والقتال.
اقــرأ أيضاً
لا، ليس هذا القمع جديداً على مناضلي سورية، فقد عرفوه سواء كانوا إسلاميين أو يساريين في عهد الرئيس الأب، كما عاشوه وذاقوا مرارته المضاعفة مع الابن. أما الباقون في جامعاتهم فيعيشون رعب زائري الفجر والظهر وكلّ ساعة.
* باحث وأكاديمي
وعندما انسحب الجيش السوري من لبنان في إبريل/نيسان 2005، وخشية من التجرؤ على النظام الذي رضخ للضغط الوطني اللبناني والدولي، اتجهت الفروع الأمنية لقمع أيّ صوت معارض، فتعرّض عشرات الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي، للاعتقال، وكممت الأفواه، وفي الوقت نفسه نالت الأصوات الطالبية التي حاولت أن تشكل منابر مستقلة عن مؤسسات النظام الرسمية حصتها الوافرة.
المحاولات الطالبية التي شهدتها تلك الفترة للاحتجاج متعددة، انطلقت من الاعتراض على المرسوم رقم 6، الذي يتنكر لتوظيف خريجي كلية الهندسة، وعمد النظام إلى تفريق الاعتصامات التي شهدها مبنى الكلية في جامعة "حلب" اعتقلت بعدها مجموعة كانت تخطط لنقل التجربة إلى جامعة "دمشق" وحكم على اثنين من أصل 12 معتقلاً، بالحبس ثلاث سنوات بتهمة "النيل من أهداف الثورة".
مجموعة ثانية من الجامعيين وحديثي التخرج، حاولت تأسيس تجمع أطلقت عليه اسم "شمس" ونشط أفراده حينها بالتدوين الإلكتروني، وهو ما لم يعجب النظام، فعمد إلى اعتقالهم، وحكم على معظمهم بالسجن خمسة أعوام في سجن صيدنايا العسكري الذي وصفته منظمة العفو الدولية بـ"المسلخ البشري". المعتقلون من المجموعة شاركوا في انتفاضة سجن صيدنايا الشهيرة التي قمعتها فرقة ماهر الأسد الرابعة، بعنف أسفر عن مقتل وجرح العشرات.
مع قيام الانتفاضة شاركت مختلف الجامعات السورية عبر اعتصامات متتالية في دعم الحراك السلمي الذي يطالب بتغيير النظام، لكنّ القبضة الأمنية والاستخباراتية طاردتها إلى داخل الصفوف والقاعات، ووصلت إلى السكن الجامعي واعتقلت مئات الطلاب. ووصل بها الأمر إلى استعمال الرصاص الحي لتفريق المتجمعين، بينما تحول أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة سورية إلى القيام بوظيفتهم كـ"شبيحة" ومخبرين وأدوات للفروع الأمنية تقمع أيّ نشاط احتجاجي لزملائهم.
وبالرغم من ضراوة القمع والتضييق الأمني، ومطاردة الأجهزة الأمنية للطلاب المنخرطين في الاحتجاجات السلمية، نجح هؤلاء في ابتكار وسائل احتجاج على قمع اعتصاماتهم، فوزعوا المناشير، وصدحوا بالأغاني التي تحرّض على التظاهر ضد النظام وتطالب الأسد بالتنحي، كما شارك الآلاف منهم في عمليات الإنقاذ والإسعاف والقتال.
لا، ليس هذا القمع جديداً على مناضلي سورية، فقد عرفوه سواء كانوا إسلاميين أو يساريين في عهد الرئيس الأب، كما عاشوه وذاقوا مرارته المضاعفة مع الابن. أما الباقون في جامعاتهم فيعيشون رعب زائري الفجر والظهر وكلّ ساعة.
* باحث وأكاديمي