الرئيس السنغالي لـ"العربي الجديد": لا تهديد حقيقياً ضدنا

08 مايو 2016
صال: ديمقراطيتنا في مستوى ممتاز جداً (العربي الجديد)
+ الخط -
ماكي صال هو الرئيس السنغالي الرابع منذ استقلال هذا البلد عن فرنسا عام 1960. وصل إلى الحكم عام 2012 عن طريق انتخابات واجه فيها الرئيس السابق عبدالله واد الذي حاول تعديل الدستور لكي يغتنم ولاية ثالثة. صال، جيولوجي من حيث التعليم، لكنه بدلاً من أن يعمل على تفكيك أسرار طبقات العصور القديمة انخرط في العمل السياسي مراهناً على أن المستقبل للسنغال وأفريقيا. يتحدث صال في حوار مع "العربي الجديد" عن التحديات التي تواجه بلاده والمستقبل الذي يراه للقارة الأفريقية.

- بلادكم تجسد حالة خاصة، رئيسكم الأول ليبولد سيدار سنغور شاعر، وأنتم الرئيس الرابع جيولوجي، والسنغال تكاد تكون البلد الوحيد في أفريقيا الذي لم يعرف الانقلابات العسكرية، إلى ماذا تعزون هذه السلاسة في الانتقال الديمقراطي؟

أنا سعيد بأن أكون ضامناً لاستمرارية النموذج الديمقراطي في دولتنا منذ الاستقلال، وذلك في جو من الاستقرار والأمن. في الحقيقة سر الاستقرار الذي تعرفه السنغال يكمن في أسلوب التعايش المشترك الذي يطبع السنغاليين منذ زمن بعيد، فنحن بلد الحوار ومقارعة الحجة بالحجة، بلدنا متنوع ولكننا نشترك في رغبتنا في التعايش السلمي، وقد نجحنا منذ الاستقلال وحتى اليوم في تشييد أمة سنغالية عبارة عن مجموعات سكانية تتشارك في الأرض والفضاء الواحد وتجتمع على مبادئ موحدة على الرغم من احتفاظها بتنوعها؛ الرئيس سنغور الذي ذكرتموه كان أول رئيس للسنغال وكان مسيحياً وقاد بلداً يشكّل المسلمون نسبة 95 في المائة من سكانه في ذلك الوقت، وقد كان المسلمون هم من يعيدون انتخابه بأغلبية مطلقة طيلة عشرين عاماً، وهذا هو الاستثناء السنغالي، التنوّع في ظل الوحدة التي تلخص قيم الأمة السنغالية.

- كيف تصف وضع الديمقراطية اليوم في السنغال؟

وضع الديمقراطية في السنغال ممتاز جداً، إنها ديمقراطية عامة ولا تختلف في أي شيء عن الديمقراطيات العريقة، إنها ديمقراطية تمثيلية عبر انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية، لقد تمكّنا من تحقيق تناوبين على السلطة بطريقة سلمية، إذ أشرف النظام الحاكم على انتخابات وخسرها، لذا فإن ديمقراطيتنا في مستوى ممتاز جداً. إنها دولة القانون والديمقراطية، والآراء يُعبَّر عنها بكل حرية، وأعتقد أن الجميع يشهد على أن هذه الأشياء متوفرة في السنغال ونحن سعداء بذلك ويجب علينا المحافظة على هذه المكتسبات من أجل مستقبل البلاد، وهذا هو المهم.

- هنالك مفارقة، وهي أن البلد مستقر ولكنه يعاني وضعاً اقتصادياً صعباً، كيف تزاوجون بين هذا وذاك، وتجدون الحلول لهذا الوضع، وكيف هو وضع الاقتصاد السنغالي بشكل عام؟

معكم حق، نحن بلد مداخيله ضعيفة، لكن العمل الكبير الذي يقوم به السنغاليون بشكل يومي يمكننا من تحقيق الحاجيات الضرورية لبلدنا، بكل تأكيد مع وجود التعاون الدولي؛ لقد تمكّنا حتى الآن من ضمان استقرار المؤسسات، فمنذ 56 عاماً لم يعرف البلد انقطاعاً في التعامل مع موظفيه وتمويل الحاجيات الحيوية للاقتصاد؛ بكل تأكيد لدينا عجز في الميزانيات لأننا لا نتوفر على موارد نفطية أو غازية. اليوم هنالك اكتشافات من الغاز والنفط، وهي التي ستكون متنفساً جديداً بعد وصولها لمرحلة الاستغلال والإنتاج، ولكننا اعتدنا في السابق على العمل من دون هذه الموارد ما يجعلها زيادة ودعماً سيمكّن من تسريع نهضتنا وتقدمنا. وأعتقد أن الله استجاب لدعواتنا فمع الجهد الخرافي الذي يبذله السنغاليون في حياتهم اليومية ستكون الثروات النفطية والغازية دعماً في غاية الأهمية للاقتصاد الوطني.

-هل الاستفادة من هذه الثروة قريبة؟

نعم. على سبيل المثال هذه الاكتشافات النفطية التي تمت على الحدود مع موريتانيا ولكن أيضاً داخل أراضينا من المنتظر أن يتم استغلالها في أفق عام 2020 بحسب التقديرات، أي بعد أربع سنوات فقط يمكننا الشروع في استغلال الغاز. أما بالنسبة للنفط فقد تصل الفترة إلى خمس سنوات، ولكن المهم هو اكتشاف كميات ضخمة ومؤكدة ستمكّن من تغيير وضعية الاقتصاد بشكل كبير.

- الاستقرار أصبح عملة صعبة في عالم اليوم، حيث يضرب الإرهاب في الشرق والغرب، هل بلادكم متخوفة من وصول هذا الوباء إلى هذه المنطقة؟

كما تعرفون فإن الإرهاب اليوم يكاد يكون حاضراً في جميع بلدان العالم، إذاً يجب أن نكون خائفين من أن يضربنا، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا يكون هوساً مزمناً، نحن لم يضربنا، ولكن نحن مدركين أننا لسنا في منأى عنه، المهم بالنسبة لأي بلد هو أن يكون مرناً وقادراً عندما يتم ضربه على النهوض بشكل فوري لمواجهة الخطر والقضاء عليه. السنغال تعمل على أمن مواطنيها وفي حال وقعت حالات حرجة في المستقبل القريب، فسنكون على مستوى من الجاهزية تمكننا من مواجهة الوضع بطريقة مناسبة وفعالة.

- الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا تحدثتا في فبراير/شباط الماضي عن تهديدات إرهابية تواجه السنغال وأنهما على استعداد لمساعدة البلد من أجل الوقوف في وجه هذه التهديدات، ما هي طبيعة هذه التهديدات؟

كما تعرفون فإن التهديدات التي تتم إثارتها تارة من الشركاء وتارة أخرى من المواطنين أو بعض الجماعات الإرهابية، هي تهديدات تأتي عندما تكون هنالك حالة من الذعر سببها تفجيرات تقع في بلدان قريبة، فيعتقد البعض أنه من الممكن أن تحدث هجمات في هذا البلد أو ذاك، ولكن ليس هناك تهديد كبير وحقيقي. ومع ذلك فنحن في مرحلة يجب علينا أن نكون جاهزين لكل شيء، ويجب علينا أن نعمل في إطار هذا الاستنفار المستمر، ومن البديهي أن الاستنفار المستمر أمر صعب ولكن سنعمل من أجل تحقيق أكبر قدر من الجاهزية لمواجهة أي وضع وفي أي وقت؛ ولكن مع ذلك ليس هنالك مبرر لخلق نوع من الهوس أو مبرر للذعر الدائم، إنها تهديدات دائمة في جميع أنحاء العالم والسنغال ليست استثناء من ذلك.

- الإرهاب ضرب جارتكم مالي، هل هناك خطط على مستوى أفريقيا لمواجهة هذا الخطر؟

من الصعب إيجاد علاج للإرهاب ولكنني أعبّر عن تضامني مع الشعب المالي وهو شعب شقيق، ونحن نعمل مع مالي على الأرض لمواجهة الإرهاب؛ وأعتقد أن علاج الإرهاب يبدأ من مكافحة الفقر، وأيضاً من خلال الكفاح من أجل تحصين نفسي وفكري للمسلمين أنفسهم الذين هم أول ضحايا الإرهاب؛ وهو أيضاً يأتي من خلال منح مستقبل وظيفي للشباب، ودولنا تعمل في هذا الإطار أي أنها تسعى لخلق أكبر قدر ممكن من فرص العمل أمام الشباب لإبعادهم عن هذا الطريق الذي يجعلهم فريسة سهلة للاستغلال من قِبل هذه الجماعات الإرهابية. كما يجب أيضاً العمل لتفادي جميع أنواع التهميش، فعندما يحس السكان أنهم يعانون من الإقصاء والتهميش، فمن الطبيعي أن يكونوا أكثر قابلية لهذه التيارات المتشددة التي ستدخلهم في هذا الطريق، ونحن نعمل بكل ما في وسعنا من أجل منح الشباب السنغالي والأفريقي مستقبلاً وظيفياً، طبعاً لن يكون طريقنا مفروشاً بالورود ولكننا نعمل بشكل يومي على خلق فرص عمل للشباب.

- بلدكم يشكّل حالة خاصة من حيث إنه بلد مستقر وهو بلد مسلم، ما يهدد البلدان العربية والإسلامية اليوم هو الإرهاب والتطرف، ما هي نصيحتكم لهذه البلدان لمواجهة الإرهاب والتطرف؟

نحن نقتسم مع العالم العربي الإسلام الذي هو ديننا المشترك، وهذه هي القاعدة الصلبة للروابط المتينة التي تجمع السنغال وأفريقيا والعالم العربي، الإسلام الذي يعتمد اللغة العربية كأداة للتواصل، وهذا هو الرابط القوي الأول الذي يؤسس لعلاقتنا بالعالم العربي؛ بعد ذلك تأتي الروابط الجغرافية وروابط الجوار والعلاقات من مختلف الأشكال، فتجمعنا الأمة الإسلامية ولدينا منظمة مشتركة هي منظمة المؤتمر الإسلامي، ولدينا معركة واحدة من أجل تحرير فلسطين والحفاظ على مصالح الشعب الفلسطيني، ونواجه التحديات نفسها التي في مقدمتها الإرهاب. وفي هذا الخصوص فإنني أطلب من الدول العربية أن تعمل مع أفريقيا في إطار شراكة صداقة من أجل مكافحة التحديات، عبر تبادل المعلومات، وأيضاً من خلال العمل المشترك لتوفير بعض الوسائل المهمة لدعم الاستقرار والأمن عبر التعاون العسكري والأمني؛ أعتقد أنه من خلال العلاقات التي تجمعنا يمكننا تحقيق نتائج إيجابية في هذا الاتجاه.



- قررتم في الآونة الأخيرة إرسال قوات إلى السعودية، ومعروف عن بلدكم أنه وقف دائماً إلى جانب المنطقة في معالجة مشاكلها، إذ أرسلتم سابقاً قوات في حرب تحرير الكويت، هذه المرة كيف تتعاونون مع السعودية وكيف تفهمون مسألة التحالف الإسلامي ضد الإرهاب؟


بالنسبة لأي مسلم فإن السعودية بعيداً عن كونها بلداً فإنها تمثّل رمزاً للإسلام، فهي الأرض التي بُعث فيها النبي محمد، ويوجد فيها المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، وهذه روابط قوية بالنسبة لنا كمسلمين وهي السبب الذي جعلنا عند تأسيس التحالف من السعودية نشعر أننا معنيون وأن ذلك يمسّنا بشكل مباشر لنعطي موافقتنا على الفور بالمشاركة في هذا التحالف من خلال إرسال 2100 جندي إلى داخل الأراضي السعودية إذا كانت هناك ضرورة. نحن نعمل مع التحالف وحتى الآن لا توجد ضرورة لإرسال الجنود، ولكننا بعثنا ضباطاً للمشاركة في قيادة الأركان المشتركة للتحالف. ونحن مستعدون لإرسال الجنود في أي وقت إذا دعت الحاجة إلى ذلك، انطلاقاً من العلاقة الخاصة التي تربطنا بالسعودية والتي تنطلق من أسس متينة كالدين والتعاون التاريخي ودور المملكة الريادي داخل الأمة الإسلامية.

- كيف تنظرون إلى علاقتكم بشكل أوسع مع بلدان الخليج ككل، وإمكانية تطوير العلاقات مع بلدان الخليج العربي؟
لدينا علاقة متينة جداً مع السعودية وقد شرحت أسس هذه العلاقة، ولدينا أيضاً علاقات جيدة مع جميع دول الخليج العربي. فبالإضافة إلى السعودية يمكنكم أن تتحدثوا عن الدول الخمس الأخرى، إنها علاقات تاريخية بالنسبة للسنغال سواء كانت الإمارات أو الكويت أو قطر أو عمان أو البحرين. مع قطر نحن نطوّر الآن علاقة اقتصادية وتجارية مؤسسة على الاستثمار الخاص، إذ نعمل على جلب رأس المال العربي والمستثمرين العرب إلى أفريقيا، وأتمنى أن تتمكن هذه البلدان وخصوصاً قطر من مواصلة تطوير هذه العلاقات الجديدة، وحكومتا البلدين تعملان على استمرار وتطوير علاقاتنا الاقتصادية، ويتركز عملنا مع قطر في مجال الغاز والكهرباء وهنالك مشاريع بدأت تتبلور. وأعتقد أن العلاقات الدبلوماسية اليوم لا تكون ذات معنى إلا إذا رافقها عمل وشراكة اقتصادية، والعمل الاقتصادي هو الاستثمار والتجارة؛ طبعاً هنالك التعاون والمساعدات، نحن لا نعتمد كثيراً على المساعدات، بل نعتقد أنه من خلال الاستثمار والتجارة يمكننا تطوير العلاقات بين بلداننا.

- ورثتم عن سلفكم علاقات مع إسرائيل، ولاحظنا في الفترة الأخيرة أنكم تلعبون دوراً خاصاً من أجل فلسطين، حتى إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وشحكم بوسام أثناء وجودكم في الأمم المتحدة، كيف تلعبون دوراً خاصاً من أجل فلسطين وهناك حضور دبلوماسي لإسرائيل في بلدكم؟

إنه مسار تاريخي شديد التعقيد وهو قديم جداً، ونحن نبذل أقصى جهدنا من أجل تحقيق مفاوضات تفضي إلى نتائج وتسمح بحل الدولتين، فإسرائيل لديها دولتها لذا يجب أن يكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة والمعترف بها دولياً ولديها حدودها المعروفة دولياً. السنغال تعمل دائماً ومنذ 1974 و1975، وترأست اللجنة الأممية للدفاع عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وفي هذا الإطار كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد وشحني بوسام شرف الدولة الفلسطينية وأريد أن أشكره شخصياً وأن اشكر الشعب الفلسطيني باسم الشعب السنغالي، ويجب علينا أن نواصل العمل بشكل حقيقي من أجل تجسيد حل الدولتين ليعيش الشعبان في وفاق وسلام، ولكل منهما دولته.

- نعود قليلاً إلى القارة الأفريقية، تبدو علاقتكم مع المغرب مختلفة عن بقية بلدان العالم الأخرى، ما هو أفق المستقبل بينكم وبين المغرب؟

المغرب بلد مختلف بالنسبة لنا، صحيح أنه بلد عربي ولكنه بلد أفريقي أيضاً، وهو أيضاً البلد الذي أدخل الإسلام إلى أفريقيا السوداء، وهذا ما شيدت عليه علاقات تاريخية متينة جداً، علاقات أيضاً تقوم على القيم المشتركة للإسلام وعلى التبادل التجاري منذ عدة قرون. اليوم نحن من يتولى مهمة استمرار هذه العلاقات التاريخية، والمغرب يحتل مكانة خاصة ومهمة في قلب كل سنغالي؛ إذاً نحن نعمل على زيادة محتوى ومضمون علاقاتنا في ما يخص التبادل التجاري والاستثمار والتعاون، وما حققناه حتى الآن مع المغرب جيد، حتى إن بلدينا يرتبطان بثلاث رحلات جوية يومية من دكار إلى الدار البيضاء والعكس، ما يؤكد أن بلدينا يرتبطان بمستوى كبير من التبادل الذي نعمل على تعزيزه وزيادته على كل الأصعدة في إطار التعاون جنوب-جنوب. المغرب يستثمر الكثير في مجالات البنوك والتأمين والكثير من المجالات الأخرى، والسنغال أيضاً تحاول أن تبني علاقة رابح-رابح مع المغرب وأنا سعيد جداً لنوعية هذه العلاقات التي أعمل على تعزيزها بدعم من الملك محمد السادس.

- بلدكم يرتبط تاريخياً بعلاقات قوية مع فرنسا فهو من ضمن البلدان الفرنكوفونية، وأيضاً بدأت منذ فترة تربطه علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، والآن أفريقيا محط تنافس الكثير من القوى، الهند والصين والبرازيل وروسيا، كيف ترى توزيع هذا النفوذ، وأين يجد بلدكم نفسه أقرب وسط هذا المحيط؟

كما تعلمون فإن العالم اليوم أصبح كما يقولون قرية واحدة، ونحن بالطبع لدينا علاقات تقليدية مع فرنسا، فهذا شيء تاريخي لأن فرنسا تجسد القوة الاستعمارية بالنسبة للسنغال، ومنذ الاستقلال تمكّنا من تشييد علاقة متينة جداً، وعلاقتنا مع فرنسا أمر ثابت في دبلوماسيتنا، ونحن على تواصل شبه دائم معها، وذلك نتيجة تمكّننا من الارتباط بعلاقات مستقرة حتى الاستقلال واستمرت بعد الاستقلال، وذلك بفضل التعاون القوي جداً.

- اسمح لي بالمقاطعة، خطاب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عام 2007 في السنغال، الذي تحدث فيه سلباً عن الأفارقة، ألم يؤثر على هذه العلاقة؟

كلا، خطاب ساركوزي أحدث ردود فعل لدى بعض السنغاليين والأفارقة والأحرار ممن تحدثوا لتفنيد خطابه الذي ألقاه من هنا من دكار، لأنه لم يكن متماشياً مع حقيقة القارة الأفريقية ومكانتها في التاريخ، ويجب الاعتراف بأن أفريقيا كانت مهد الإنسانية وهذا لا جدال فيه، إنها حقيقة تاريخية لا مجال للتشكيك فيها. خطاب ساركوزي يمكنني أن أفهمه أنا كرجل سياسي وحالياً كرئيس للجمهورية، عندما يعطونك خطاباً ولا تجد الوقت الكافي لمراجعته ويثير هذا الخطاب الكثير من الجدل، ولكن ذلك لا يمكن أبداً أن يؤثر على حيوية علاقتنا مع فرنسا التي تتجاوز هوية هذا أو ذاك الرئيس، إنها علاقات بين البلدين وبين الشعبين السنغالي والفرنسي. لدينا هذا البُعد الثابت في علاقاتنا مع فرنسا، ولكن أيضاً لدينا علاقات قوية مع الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة عندما كنا إلى جانب الحلف الغربي والسنغال تقوم بدورها الدبلوماسي. ولدينا أيضاً صداقات قوية جداً مع المغرب والمملكة العربية السعودية، وهذه هي الثوابت الأربعة في عملنا الدبلوماسي؛ أما في عالم اليوم فنحن منفتحون ولن نكون سجناء هذه الثوابت الأربعة فقط، نحن منفتحون على الصين وتركيا وعلى الهند وباكستان، نحن منفتحون على الجميع والسنغال بلد صديق للجميع وليست لدينا أية مشاكل مع أي بلد في العالم، في الواقع نحن منفتحون على أي تبادل سيكون طرفاه رابحين، وهذه هي فلسفة عملنا الدبلوماسي المبني على الانفتاح ولكن أيضاً مع وجود بعض الثوابت والصداقات التقليدية.

- كلامك عن أفريقيا يذكرنا بخطاب الزعماء الأفارقة وقادة التحرر في القارة، عندما تقول أفريقيا هي المستقبل، أنت الآن رئيس لجنة تنمية أفريقيا، كيف ترى خلاص أفريقيا، وكيف يمكن أن تصبح أفريقيا فعلاً هي المستقبل؟

نعم أنا أفريقي متفائل، ومن البديهي أن أفريقيا هي قارة المستقبل، فأفريقيا عانت كثيراً عندما تنظرون إلى التاريخ، وهي القارة الوحيدة التي عانت من ثلاثة قرون من العبودية تم خلالها نقل وبيع خيرة أبنائها في الأسواق، وبعد ذلك عانت من قرن من الاستعمار تم خلاله استغلال بشع لمواردها من المواد الأولية، وبعد ذلك بدأنا منذ خمسين عاماً فقط العمل كدول مستقلة. أفريقيا الآن تواجه جميع مشاكلها بنفسها، وهي قارة مرنة جداً وقادرة على أن تكون صلبة ولديها القوة لمقاومة كل تحدياتها؛ واليوم هي قارة الفرص لأن سكانها يُقدّرون بقرابة مليار نسمة ولديهم قدرات استهلاكية، وأفريقيا أصبحت اليوم أرض الفرص لأنها ما زالت في مرحلة التشييد والبناء، فكل شيء يُبنى من جديد. على سبيل المثال في قطاع الاتصالات لدينا في أفريقيا 800 مليون هاتف خليوي في القارة وهذا سيجعلكم ترون حجم الفرص التي يُمثّلها هذا القطاع، وأعتقد أن وجود الديمقراطية في القارة سيساعد كثيراً على تحقيق التنمية.
ما أقوله هو أن القارة الأفريقية هي المكان الذي يجب الاستثمار فيه في هذا العصر، ومن هذا المنطلق فإنني أطلق نداء إلى العالم العربي للنظر تجاه أفريقيا، صحيح أن البلدان العربية ليس لديها الكثير من المعلومات عن أفريقيا، ودورنا أن نوفّر هذه المعلومات حتى نكشف لهم حقيقة أن أفريقيا هي المستقبل. ولأن أميركا حققت التنمية وأوروبا أيضاً وآسيا، بقيت أفريقيا فقط وقد جاء الدور عليها الآن وهي فرصة كبيرة أمام المستثمرين ورجال الأعمال، يجب عليهم أن يستغلوا الفرصة للمشاركة في صناعة الثراء وتحقيق التنمية، وانطلاقاً مما سبق يجب علينا أن نبقى دائماً متفائلين جداً بخصوص مستقبل القارة.

المساهمون