الرئاسية المصريّة: هكذا تمّ التزوير خارج صناديق الاقتراع

30 مايو 2014
السيسي تفوق على صباحي والأوراق الباطلة (خالد دسوقي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

انتهت أعمال الفرز الأولي للأصوات في الانتخابات الرئاسية المصرية، بإعلان فوز المرشح عبد الفتاح السيسي، حاصلاً على أكثر من 23 مليون ونصف المليون صوت، مقابل ما لا يزيد عن 800 ألف صوت لمنافسه الوحيد حمدين صباحي، بالإضافة إلى أكثر من مليون صوت باطل. ما يعني أن نسبة المشاركة تخطت 47.5 في المئة، أي أقل من انتخابات 2012 التي امتدّت ليومين لا ثلاثة، بنحو خمسة في المئة.

لم تمثل نسبة فوز السيسي بأكثر من 96 في المئة من إجمالي الأصوات الصحيحة على صباحي، أيّ مفاجأة، لكن ثمة مفاجأتين سجّلتهما هذه النتيجة: الأولى أن يكون أكثر من 25 مليون ناخب قد أدلوا بأصواتهم خلال ثلاثة أيام كانت اللجان في نصفها شبه خاوية من المقترعين، والمفاجأة الثانية أن تتقدم الأصوات الباطلة على صباحي.

وباستخدام الحساب البسيط، تعني هذه النتيجة أن ناخباً أدلى بصوته في كل دقيقة على مستوى جميع لجان الجمهورية وعددها 14 ألفاً، لو افترضنا أن جميع اللجان عملت بكامل طاقتها لـ12 ساعة تصويت يومياً، على مدار أيام الاقتراع الثلاثة، وهو ما يستحيل عملياً، لأن بعض المحافظات سجّلت نسبة إقبال أقل من 30 في المئة، مثل محافظتي مطروح والفيوم، والبعض الآخر تجاوز 30 في المئة بقليل، مثل معظم محافظات الصعيد وشمال سيناء.

يؤكد القضاة، سواء المؤيدين لانقلاب يوليو/ تموز الماضي، أو المعارضين له، أن "الإشراف القضائي لا يمكن أن يسمح بتلاعب في أرقام الحضور والتصويت، ولا سيما أن مندوبي المرشحين حضروا جميع الإجراءات في معظم اللجان على مدار اليومين الأولين. أما اليوم الثالث، فقد انسحب بعض مندوبي صباحي، وليس كلهم، وبالتالي فلا يوجد دليل على عملية تزوير.

ولكن، في ظل هذه الأرقام التي تفوق بكثير شهادات مختلف وسائل الإعلام وشهود العيان على ضعف المشاركة، كان يجب الالتفات إلى ظواهر أخرى شهدتها هذه الانتخابات. 

مشاهد تحكي الانتخابات

المشهد الأول في محافظة بورسعيد، حيث يبدأ عندما تذهب السيدة سامية محمد طه صالح، إلى لجنتها في مركز بور فؤاد للتصويت في يوم الاقتراع الثالث، فتكتشف أن اسمها مدون أمامه توقيع آخر، وأن آخر رقمين في رقمها القومي الموجود في كشف الناخبين خاطئين، وكأنهما وضعا بشكل عشوائي.

سألت الناخبة رئيس اللجنة عن هذه المهزلة، فأكد لها أن معظم الناخبات في هذه اللجنة كنّ منقّبات، وأن الموظفة المختصة بالتأكد من هوية المنقبات تمارس عملها منذ اليوم الأول ولم تبلغه بأي حالة تلاعب، فلم تجد الناخبة بديلاً من تحرير محضر وتقديم شكوى لرئيس اللجنة العامة للانتخابات في بور فؤاد.

ويؤكد مصدر قضائي، لـ"العربي الجديد"، أن إثبات صحة ادعاء الناخبة سيلقي بظلال من الشك حول تورط الموظفين العاملين في وزارة العدل الذين ساعدوا القضاة في مهمتهم بتسهيل مهمة أشخاص ساهموا في تزوير إرادة الناخبين، وخداع القضاة الذين لا يطلعون بأنفسهم على ما يكتبه الموظف أمام اسم كل ناخب.

ويضيف المصدر أن النظام الجديد الذي استحدث عام 2012 للتأكد من بيانات الناخب، حيث تترك آخر خانتين من رقمه القومي خاليتين لملئهما عند حضوره للتصويت، سيسهّل التعرف على ما إذا كانت هناك عملية منظمة للتزوير من عدمه، لكن الأهم أن تقدَّم طعون بهذا الشأن أمام لجنة الانتخابات.

المشهد الثاني، هو لرئيس لجنة الانتخابات العامة في مركز منيا القمح في محافظة الشرقية، الذي أجرى مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات الفضائية بعد انتهاء فرز اللجان الفرعية التابعة له. وبعد إعلانه الأرقام التي أظهرت، شأنها شأن باقي المحافظات، تقدُّم السيسي، ومن ثم أن الأصوات الباطلة زادت على أصوات صباحي، سألته مقدمة البرنامج عن شكل هذه الأصوات، فأجاب: "مثلاً في ناس عاملة علامة (خطأ) على المشير السيسي، و(صح) على حمدين".

وتتنافى هذه الجملة جذرياً مع قواعد احتساب الصوت الصحيح والباطل في الانتخابات، حيث أكدت لجنة الانتخابات الرئاسية، في التعميم الصادر لجميع القضاة، أن التأشير بعلامة "صح" على مرشح وعلامة "خطأ" على مرشح آخر يعتبر تدويناً سليماً، وتحتسب البطاقة صحيحة، ما يطرح علامات استفهام حول قواعد احتساب الأصوات، خصوصاً في اللجان الريفية والبعيدة عن القاهرة وعن المدن الكبيرة.

المشهد الثالث، سجّله المستشار أحمد جودت الملط، على صفحته في موقع "فيسبوك"، وتصريحات رئيس غرفة عمليات مجلس الدولة، المستشار عبد المجيد العوامي، لإحدى الصحف الخاصة، إذ اتفق الاثنان على أن التصويت زاد في اليوم الثاني، خصوصاً في المناطق الفقيرة، بنسبة تصل إلى 5 في المئة، وكذلك في اليوم الثالث بنسبة كبيرة بسبب ما رددته بعض وسائل الإعلام بإيعاز من أجهزة سيادية عن تطبيق مادة تغريم مَن يمتنع عن التصويت، وهي المادة غير القابلة للتطبيق، بحسب تصريحات قُضاة لـ"العربي الجديد"، وهو ما مثّل، بحسب القضاة المراقبين، نقطة تحوّل في العملية الانتخابية.

وحتى منتصف يوم الاقتراع الثاني، الثلاثاء، كانت نسبة التصويت لا تتجاوز 33 في المئة، وقفزت إلى 38 في المئة تقريباً، وفق إحصاء رسمي للجنة الانتخابات الرئاسية، بعد ترداد هذه الشائعات. ولكن حتى بعد وصول التصويت إلى هذه النسبة، بقيت انتخابات الرئاسة 2014 صاحبة أدنى نسبة مشاركة في أي استحقاق انتخابي يجرى على يومين فقط في مصر منذ ثورة 25 يناير. حتى أنها أدنى من نسبة المشاركة في الاستفتاء على دستور 2014 الذي أجري خلال يومي 14 و15 يناير/ كانون الثاني الماضي.

أما المشهد الرابع، فقد رصده "العربي الجديد" من واقع شهادات قضاة أشرفوا على لجان في مناطق ريفية في محافظات المنوفية والقليوبية والغربية والشرقية، حيث أكدوا جميعاً أن عدد الناخبين تضاعف بشكل كبير خلال اليوم الثالث الإضافي، بعدما سيّر العُمَد في القرى، الذين ينتمي معظمهم لنظام حسني مبارك، ومرشحو الحزب الوطني السابقون، حافلات خاصة لنقل الناخبين إلى اللجان والتصويت للسيسي.

ويقول أحد هؤلاء القضاة في النيابة الإدارية، إن عدد الذين انتخبوا في اليومين الثالث والأول (الاثنين والاربعاء)، بلغ أربعة أضعاف مَن انتخبوا في اليوم الثاني، ما يؤكد تكامل خطة تمديد أيام التصويت، وهو القرار الذي اتخذته لجنة الانتخابات تحت ضغط حكومة إبراهيم محلب، مع خطة أخرى لحشد المواطنين باستخدام أموال أو تسهيلات.

ويوضح هؤلاء القضاة بأن النتيجة النهائية لحصر الأصوات كشفت بلوغ نسب التصويت في المحافظات الأربع أكثر من 61 في المئة، وهو ما يفوق بكثير نسبة المشاركة في محافظات عرفت عنها كثافة المشاركة السياسية في الاستحقاقات السابقة، مثل الإسكندرية والبحيرة ودمياط والفيوم. 

لا دلائل على التزوير

غابت عن الانتخابات الحالية مشاهد التزوير المعتادة في الانتخابات المصرية، فلم تتداول حتى الآن أي مقاطع فيديو لتسويد بطاقات أو تلاعب في الأوراق، حتى أن الفيديو الوحيد الذي خرج بذلك تبيّن أنه مفبرك، ما يؤكد أن التلاعب بإرادة الناخبين والتأثير على النتيجة تم خارج اللجان وليس داخلها.

واعترف صباحي، ضمنياً، في خطابه يوم الخميس، بأنه لم يعثر هو أو حملته على دلائل تزوير للانتخابات، على الأقل حتى الآن، فقد لمّح إلى الحشد والتسهيلات التي حصل عليها السيسي، ولكن اقتصرت أوجه الطعن التي سيتقدم بها للجنة الانتخابات الرئاسية على المطالبة بإعادة فرز الأصوات الباطلة.

وحتى إذا حصل صباحي على كل الأصوات الباطلة، فلن تتغيّر نسبة فوز السيسي، إلا قليلاً، لكن المطالبة بإعادة فرز جميع الأصوات الباطلة ستدخل لجنة الانتخابات في أصعب اختبار ربما تكون قد تعرضت له سواء في الانتخابات الحالية أو السابقة.

المألوف أن يكون الطعن موجهاً للنتائج في لجنة محددة أو أكثر، وليس هدفه إعادة فرز أصوات مرشح معيّن أو جميع الأصوات الباطلة، ولا سيما أن بطاقات الاقتراع في الانتخابات الحالية لن تتسلمها اللجنة بل ستحفظها كل محافظة في مكان آمن، بحسب نص القانون.

وتتضاءل أهمية أي طعن لصباحي، أمام حقيقة أن لا أحد يستطيع الطعن بقرارات اللجنة النهائية بإعلان النتيجة بعد إقرار تحصينها في قانون الانتخابات. كما أن الطعن بقرارات اللجنة بشأن التظلّمات يكون أمام اللجنة ذاتها، ومن الطبيعي ألا تتغيّر قراراتها. وأقرب مثال على ذلك رفض اللجنة تظلّم صباحي من قرار تمديد التصويت ليوم ثالث مرتين متتاليتين في 24 ساعة.

ومن المقرر أن تتلقى اللجنة جميع اعتراضات صباحي يوم الجمعة، ولن يكون له بعد ذلك حق التظلم من أي نتيجة سواء في لجنة فرعية أو عامة.

تناقض الانتخابات مع عزوف الناخبين

من جهة أخرى، قال أستاذ العلوم السياسية في "المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية"، أحمد التهامي، يوم الخميس، إن "المؤشرات الأولية لنتائج أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز الماضي تتناقض إلى حد بعيد مع حالة العزوف التي شهدتها لجان الاقتراع طوال أيام التصويت الثلاثة".

وأكد التهامي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، وجود "فارق واضح بين نسبة المشاركة المعلنة من جهة أجهزة الدولة، وبين ما رأيناه جميعاً من لجان شبه خالية من الناخبين".

وفسّر التهامي ما وصفه بـ"حالة العزوف"، بشعور غالبية المواطنين بعدم وجود منافسة حقيقية في هذه الانتخابات وإدراكهم بأن عملية الانتخاب برمتها صُمّمت من أجل أن يصل مرشح بعينه، في إشارة منه للسيسي، إلى القصر الرئاسي.

ولفت إلى أنه لا وجود لوسيلة من أجل التأكد من صحة الأرقام المعلنة ودقتها، خصوصاً بعد انسحاب مندوبي صباحي من اللجان في اليوم الثالث للانتخاب.

ورأى أن "هذا يجعل فرص تزوير النتيجة واردة بقوة، فضلاً عن قلة عدد الوفود الأجنبية، الأوروبية والأفريقية، التي سُمح لها بالقدوم لمراقبة الانتخابات، فلم تتمكن من تغطية كافة اللجان بشكل كامل".

إلى ذلك، توقع التهامي وجود اتفاق بين بعثة الاتحاد الأوروبي، التي أعلنت في مؤتمر صحافي عقدته في القاهرة، يوم الخميس، أن عملية الانتخاب تمت في إطار قانوني، من جهة، وبين الحكومة المصرية من جهة ثانية.

وعزز وجهة نظره بأن "قبول البعثة القدوم إلى القاهرة، هو بمثابة اعتراف أوروبي بخريطة طريق 3 يوليو الماضي، بما فيها الانتخابات الرئاسية التي قبلت بإجرائها بهذا الشكل لشرعنة السلطة الجديدة الحاكمة". بذلك يبرر التهامي محاولة الحكومة "استيفاء المعايير الشكلية لعملية الاقتراع لإرضاء مندوبي الاتحاد الذين لم يعيروا اهتماماً لما افتقدته الانتخابات من مضمون ديموقراطي ومنافسة حقيقية".

وحول ما يتعلق بموقف صباحي، الذي أصر على البقاء حتى النهاية على الرغم من تصاعد المطالب بانسحابه بعد قرار تمديد التصويت ليوم ثالث، قال التهامي، إن "الهزيمة المدوية التي تلقاها صباحي، بعد الانخفاض الدراماتيكي في عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة مقارنة بما حصل عليه في انتخابات 2012، جعلته غير قادر على اتخاذ أي قرار".