الرئاسة اللبنانية: طاولة "ميسر" مستمرة حتى الخريف

02 مايو 2014
التفاف نيابي حول الفراغ (حسين بيضون)
+ الخط -
بات الاستحقاق الانتخابي الرئاسي أشبه بطاولة "ميسر". يجلس إليها المرشحون، يجمع كلٌ منهم أوراقه، ينظر إلى التركيبات المحتملة وسط الطاولة، وينتظر دوره لتقديم الأفضل. هكذا يقارب العديد من المرشحين الانتخابات. اثنان من هؤلاء، وهما محسوبان على مرشحي التوافق، يقولان في مجالسهم: إنّ وصولهما إلى قصر بعبدا محسوم بنسبة 70 في المئة للأول، و70 في المئة أخرى للثاني. هكذا، تتخطّى الأرقام والنسب كل منطق علمي أو أساس سياسي. يزداد التكامل بين الانتخابات الرئاسية ولعبة الميسر، إذ يظن الجميع أنّ الحظ معه والاحتمالات إلى جانبه. قد يلخّص هذا المشهد واقع الانتخابات وهزلها.

لم يعد خافياً على أحد من اللبنانيين أنّ بلدهم مقبل على فراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وأنّ مجلس النواب بكل كتله وتشكيلاته عاجز، حتى الآن، عن الاتفاق على اسم الرئيس المقبل. على الرغم من ذلك، لا تزال الأصوات النيابية في قوى 8 آذار و14 آذار تعلو، مطالِبة باحترام المهل الدستورية، وانتخاب الرئيس العتيد قبل 25 مايو/أيار الجاري. من هنا، بات المشهد على الشكل الآتي: نائب يخرج من قاعة الانتخاب في البرلمان لمطالبة نفسه، عبر الإعلام والكاميرات، بالتوصل إلى حلّ والحذر من الفراغ.

عرقلة هذا الاستحقاق مستمرة وعلى ما يبدو ستطول. ففي مجالس كبار أقطاب 8 آذار و14 آذار، يتم استبدال مهلة 25 مايو/أيار، بمهلة 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي. يطرح تأجيل البت في الملف الرئاسي في هذه المجالس حتى ذلك التاريخ، ما يبقي أولاً المجلس قادراً على تأدية دوره الانتخابي، وثانياً يمدد الفراغ "بانتظار فكّ ارتباط الملف اللبناني بالملفات الإقليمية الأخرى"، حسب ما يقول أحد الأقطاب "الوسطيين".

يفسّر تعديل المواعيد والمهل، التباطؤ الحاصل في ساحة الانتخاب، والتأخير المستمر في اختيار اسم رئيس الجمهورية العتيد. يبدو أنّ القوى السياسية اللبنانية بدأت منذ الآن تبحث عن وقت إضافي لاستكمال هذا الاستحقاق. فبدأ التحضير لمرحلة الفراغ وتهيئة أجوائها وحصرها في تبرير "عدم التوصل إلى مرشّح أجمعت عليه الكتل النيابية". مهّدت لهذا الفراغ، الكثير من الإشارات والوقائع، تحديداً ما نتج أخيراً عن "لقاء باريس" بين الرئيس سعد الحريري، والوزير جبران باسيل (عضو تكتل التغيير والإصلاح وصهر النائب ميشال عون). نتج عن هذا اللقاء "لا شيء"، وبالتالي لا توافق ولا رئيس.

كما يغيب دور الكنيسة المارونية عن هذا الاستحقاق (باعتبار أنّ الرئاسة من حصة الموارنة)، إذ اكتفى البطريرك بشارة الراعي، في تحديد عموميات صفات الرئيس. اقترح الراعي، حسب زوار بكركي (مقرّ الكنيسة)، ثلاثة أسماء وجميعهم وزراء سابقون: زياد بارود، ديميانوس قطّار وروجيه ديب. سقط الثلاثة في محرقة المرشحين؛ وصف بارود، بالخيار الضعيف، نتيجة تجربته في وزارة الداخلية، واستقالته من منصبه بفعل بعض ضغوط مارسها عليه "موظف" أدنى منه رتبة.

كما احترق قطّار، بفعل غياب حيثيته، وبُعده عن المجالس السياسية الرئيسية. أما ديب، فاعتبر غير توافقي ووسطي، إذ كان داعماً للقوات اللبنانية وقوى 14 آذار.

إضافة إلى سقوط الرهان على إنضاج "التسوية" التي أنتجت حكومة الرئيس تمام سلام، باعتبار أنّ موقع الرئاسة أكبر من حكومة انتقالية مهمّتها المفترضة تسهيل أمور الناس، ما يمكن وضعه أيضاً في إطار عجز الفريق الوسطي عن تقديم الخيارات المقنعة لطرفي الصراع، 8 آذار و14 آذار.

وعلى الرغم من كل هذه الأجواء الممهدّة للفراغ وصولاً إلى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لا تزال بورصة الأسماء والمرشحين تعمل. فلا كلفة سياسية لعمل مماثل، فقط الجلوس على طاولة "الميسر" والاتكال على الله والنصيب.

المساهمون