الذين حَلموا فأضربوا.. أو انتحروا!

18 ديسمبر 2014
حتماً ستكون النهايات أجمل..
+ الخط -

يبدو العنوان صادماً، لكنه سيبدو طبيعياً وأنت تُطالع صحف القاهرة كل صباح وآخر، فتجد خبراً يشغل حيزاً ليس بكبير، لا من اهتمام القُراء، ولا من الصفحة التي كُتب بها، خبر كُتب بحبر أسود مثل محتواه، خبر انتحار أحدهم، أو إحداهن، تُثار هنا علامات التعجب، أليس هذا خبراً كافياً بشغل اهتمام أي إنسان، بل وبالحيلولة دون بقاء بعض اختياراته التي أعد لها طويلاً على حالها، أقول لك هنا، في هذا البلد الذي لا حِل له، كُل يغني على ليلاه.

إذا اعتبرنا أن "الأذهان لا تنشغل بأخبار الانتحار" قاعدة، فلكل قاعدة استثناء، فهؤلاء الحالمون الذين لم يستطيعوا مع حلمهم صبراً، هناك من يشبههم، ولكنه، إلى اللحظة الآنية، استطاع مع حلمه صبراً، ينشغل هؤلاء ويعتصرون حُزناً على فراق رفيق أو رفيقة، يُوقنون أنهم إلى ما آل إليه رفاقهم آلون، بعد حين أو بعد أحيان، لكنْ لذلك شرط، هو بقاء حلمهم على صورته، فإن أُحيل الحلم إلى حقيقة، زال ما كان له من آثر على اهتراء النفس وضعفها.

لكل نفس طاقة احتمال، فإن فرغت تلك الطاقة، تكتب النفس نهايتها، لتلك النهاية نوعان: نوع ذو مفعول آني، وهو "الانتحار" طريق زينب ومن سيسير على نهجها، النوع الآخر والأخير هو "الإضراب"، طريق بن سلطان، ومن سار ويسير على نهجه، فقدت زينب الأمل في الحصول على العدل فكتبت بيدها آخر سطر في حياتها، فقد سلطان، أيضاً، الأمل في الحصول على العدل، فشرع في كتابة ذلك السطر الذي كتبته زينب، أملاً منه في أن يحصل على العدل قبل أن يكمل كتابة ذلك السطر.

صارت هذه النهايات البائسة، مصير كل الحالمين، دائماً ما تكون البدايات جميلة، تُزينها الآمال العريضة في التغيير والوصول إلى دولة يُحدث فيها خبر انتحار أحد مواطنيها ضجة لا تعلوها ضجة أخرى، ببساطة هذا كل ما يأمله الحالمون، فعندما نصل إلى احترام الحق في سلامة الجسد، نكون، مُسبقاً، قد احترمنا كافة الحقوق، ليس بكثير على من ضحوا بكل ما يملكون وليس بعدل أن تنتهي حياة هؤلاء بهذه النهايات البائسة.

حياة هؤلاء المليئة بالآلام والأوجاع، أوقاتهم الضائعة بين المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والاجتماعات، أملهم في التغيير، حلمهم بوطن لا يحكمه جائر بغطاء من الفاشية، صراعهم مع الأنظمة المُتعاقبة، فقدانهم لأعز رفاقهم في ذلك الصراع، وعيهم، احتماؤهم ببعضهم البعض، كل هذا مما يملكون ولا يملكون غيره، جعل عليهم خيار إنهاء حياتهم صعباً، ولكنه مطروح طوال الوقت.

برغم كل ما سلف، إلا أن هنا في هذا البلد الذي لا حِل له ما يستحق الحياة، هنا رفاق لحظات الألم والأمل، نعم هؤلاء يستحقون الحياة، فلأجلهم كانت البدايات جميلة وحتماً ستكون النهايات أجمل.


*مصر

المساهمون