لطالما كانت حرفة التنقيب عن الذهب في الصحراء الجزائرية، وبالضبط في ولاية تمنراست الحدودية مع دولة مالي، حرفة تقليدية يمتهنها سكان المنطقة الأصليون وهم "الطوارق"، لكن الجديد في هذه الظاهرة، هو استعمال تقنيات حديثة ووسائل تكنولوجية متطوّرة للتنقيب عن الذهب، ما مكن عصابات التهريب من دخول مجال التنقيب العشوائي للمعدن الأصفر، فأصبحت المنطقة مجالًا مفتوحًا على المهاجرين الأفارقة، والجماعات المسلّحة، مستغلين اتساع صحراء المنطقة التي تقع في أقصى الجنوب الجزائري.
آلات كشف المعادن التي تقتنيها عصابات الذهب، يتم إدخالها عن طريق جماعات التهريب التي تنشط عبر الشريط الحدودي الرابط بين دولتي النيجر ومالي، هذه الآلات تستورد من الصين وأميركا، ولها خصائص مميّزة؛ حيث بإمكانها كشف المنطقة التي يوجد فيها الذهب، وبمجرد الاقتراب من أماكن التنقيب، يرتفع صوت الجهاز مصدرًا رنّات متتابعة كمؤشّر على الاقتراب، هنا، تبدأ مرحلة الحفر اليدوي.
الجزائر تحاول التستّر على مخزون الذهب، إذ يوجد في البلاد سبعة مناجم خارج الخدمة، يؤكّد هذا الكلام، الخبير الاقتصادي كمال ديب، ويرجع سبب رفض الحكومة الجزائرية إعطاء أي معلومات أو تفاصيل دقيقة عن مخزونها من الذهب، إلى محاولة تمويه المهربين في ظل تأخر عملية الاستغلال، إضافة إلى تكلفة الاستخراج المرتفعة جدًا، وفشل الشراكة التي أقيمت مع جنوب أفريقيا للتنقيب، أما السبب الوجيه حسب المتحدّث، فهو تركيز الاقتصاد الجزائري على المحروقات، وبالتالي توجّه كل الاستثمارات إلى استخراج البترول والغاز، ما جعل باقي المعادن والثروات التي تحوزها الجزائر على هامش الاهتمامات.
لا تزال السلطات الأمنية الجزائرية، عاجزة لحد الآن عن ردع مهرّبي الذهب، ما جعلهم، يسيطرون على أسواقه في الجنوب، ويجنّدون المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، ويدعمون عصابات الجريمة المنظمة.
يباع الذهب الجزائري المستخلص من الصحراء بأثمان باهظة، فالكيلوغرام الواحد يصل سعره إلى 30 ألف دولار تقريبًا، أما آلات كشف المعادن فيبلغ ثمنها 4000 دولار.
كنوز الرجل الأزرق
يسهل على المهربين التحرك في وسط الصحراء الجزائرية الشاسعة، والبحث عن الذهب في جبال "وتلل" في تمنراست، لكن يصعب على هؤلاء إيجاد الذهب دون استخدام آلات ومعدات تكنولوجية حديثة، فاستعمال هذه الأجهزة في مهنة التنقيب عن الذهب في أوساط "الطوارق" تحوّل إلى حرفة خطيرة في ظل نشاط المهرّبين والجماعات المسلحة.
يتراوح سعر مختلف الآلات في أسواق النيجر بين 3000 و4000 دولار للواحدة، هذه الآلات تدخل من النيجر بفضل تحرّك المهربين ومافيا التهريب التي تنشط مع اتساع الحدود الجزائرية في أقصى الجنوب.
من بين الأجهزة الأكثر انتشارًا في التنقيب عن الذهب، هو جهاز "ATX"، الذي يعتبر من أحدث ما صنعته أميركا عام 2015، ويباع حاليًا بسعر يقارب 4000 دولار؛ هذا الجهاز يعتبر من أغلى الأجهزة بالنظر إلى التقنيات التي زُوِد بها، فهو يحتوي على بطارية قابلة للشحن، ووزنه الكلي يقدر بخمسة كيلوغرامات فقط، وقابل للاستعمال في كافة المناطق التي تحتوى على معادن على اختلاف أنواعها.
هذا الجهاز قادر أيضًا على استكشاف الذهب على عمق يزيد عن مترين تحت الأرض، يتحدّث الشاب رشيد، وهو أحد المقرّبين من المنقبين عن الذهب، عن مصدر هذه الأجهزة: "التنقيب بدأ بالنيجر في منطقة جادو، ثم انتقل إلى التراب الجزائري وبالضبط في المقاطعة الإدارية عين ڤزام، ومن ثم إلى مقاطعة جانت الإدارية بولاية إليزي، وتين آزن، ومحيط منجم "أمسماسة" جنوب الولاية.
مطاردات الصحراء
محدثنا أكد أن أغلب الباحثين عن الذهب في أغلب الحالات لا يحصلون على أيّ شيء، وأحيانًا يحصلون على قطع صغيرة من الذهب الخام، علمًا أن هؤلاء يوظفون عمالًا من جنسيات أجنبية خاصة من اللاجئين، لأنهم لا يكلفون كثيرًا إضافة إلى إعفائهم من أي مسؤوليات قانونية.
تثير عمليات البحث عن المعدن النفيس في صحراء ولاية تمنراست، قلق السلطات الآن لعدة أسباب؛ أهمها أن الباحثين عن الذهب يتحرّكون في مناطق صحراوية يمنع التنقل فيها، خاصة في المناطق الحدودية طبقًا لإجراءات أمنية اتخذتها السلطات، إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من الجهات الأمنية، ويستغل الباحثون عن الذهب سيارات رباعية الدفع أثناء تنقلهم في الصحراء، ما يجعل عمليات مطاردتهم من قبل رجال الأمن صعبة، وفي بعض الحالات تكون السيارات مموّهة، وهو ما يدفع الجيش لإطلاق عمليات عسكرية لمطاردة هذه السيارات باستخدام الطائرات العمودية، للاشتباه أنها لإرهابيين أو مهربين.
الذهب الجزائري يحوّل مباشرة إلى مخابر "أرليت" النيجيرية، إذ لم يعد ذهب الصحراء الجزائرية مجرد مادة خام يتم تهريبها بل أصبح مادة قابلة للتحوّل إلى معدن نفيس، بعد استخراجه من باطن الأرض على شكل أجزاء صغيرة مكسوة بالرمال والحجارة.
مدينة أرليت، هي أقرب منطقة مع الحدود، تبعد 180 كيلومترًا عن مدينة عين قزام بتمنراست، وجماعات التهريب تستغل اتساع الحدود للفرار من قبضة المصالح الأمنية الجزائرية بحسب المتحدّث، وبالتالي يقوم مهرّبو الذهب بتهريب كميات الذهب الجزائري إلى مخابر أرليت النيجيرية، وهناك تتم تصفية المعدن النفيس ليصبح جاهزا للبيع.
من جهته، يؤكد النائب البرلماني عن ولاية تمنراست محمد بابا علي، أن الذهب الجزائري يلقى رواجًا في دول الخليج وبالخصوص في دبي، بفضل خصوصياته وقيمته العالية، ويتم اقتناؤه من دول الجوار على غرار النيجر وتشاد، حيث تنشط بشكل كبير جماعات التهريب التي تملك شبكات أخرى تقوم بتحويل الذهب الجزائري إلى بعض دول الخليج.
ويضيف بابا علي، أن مثل هذه المخابر تتوفّر على جميع التجهيزات والوسائل لتنقية الذهب، فيتم تحويله من مادة خام إلى مادة جاهزة للبيع، كما يتم أيضًا تلحيم أجزاء الذهب الصغيرة المتصخّرة وإلصاقها ببعضها البعض، حتى تظهر على شكل أحجار كبيرة.
يستطرد البرلماني: "الجماعات المافوية القادمة على وجه الخصوص من تشاد والنيجر، لديها مخابر تصفية في بلدة أرليت شمال النيجر وهي مدينة صناعية، تقع بين الصحراء الكبرى وجبال العير، هذه البلدة بها جالية فرنسية كبيرة، واشتهرت بتعدد مناجم استخراج مادة اليورانيوم".