بعد عشر سنوات على التدخل العسكري الروسي في إقليم أوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وما ترتب عليه من التوتر بين موسكو والغرب، تغيرات كثيرة طرأت على العلاقات الروسية الغربية التي باتت في سياق أجواء "الحرب الباردة" وسط تفاقم الخلافات في العديد من القضايا الدولية، وفي مقدمتها القضيتان الأوكرانية والسورية.
رداً على مقتل عدد من جنود حفظ سلام روس جراء قصف جورجي على أوسيتيا، بدأت روسيا في 8 أغسطس/آب 2008 أول عملية عسكرية خارج أراضيها منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وقصفت أهدافاً في جورجيا. وأعلن الرئيس الروسي آنذاك، دميتري مدفيديف، عن بدء ما أطلق عليه "عملية الإرغام على السلام" في منطقة النزاع الذي استمر لخمسة أيام حتى عبور القوات الروسية حدود إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ودخولها الأراضي الجورجية.
وبعد مرور عقد على "حرب الأيام الخمسة"، يشير رئيس مركز الدراسات السياسية في موسكو، بوريس ماكارينكو، إلى أنه يمكن اعتبارها "نقطة انطلاق المواجهة بين روسيا والغرب". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بدأت العلاقات الروسية الغربية تتسم بالفتور منذ التدخل الأميركي في العراق عام 2003 وسط اعتراض روسيا وفرنسا، ولكن المواجهة الحقيقية بدأت خلال المسألة الجورجية، ثم تفاقمت على خلفية ضم شبه جزيرة القرم والنزاع في منطقة دونباس شرق أوكرانيا عام 2014، والعملية العسكرية الروسية في سورية، والتدخل الروسي المزعوم في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، واتهام موسكو بتسميم العميل المزدوج، سيرغي سكريبال، في بريطانيا في وقت سابق من هذا العام".
ويحمّل المحلل السياسي الروسي موسكو وتبليسي كلتيهما، المسؤولية عن وقوع الصدام عام 2008، قائلاً: "لا شك أن جورجيا هي التي بدأت الحرب، ولكن روسيا عجزت عن الضغط على أوسيتيا الجنوبية حتى توقف استفزازاتها. كان من المتوقع أن تعترف روسيا باستقلال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا استناداً إلى سابقة اعتراف الغرب باستقلال كوسوفو".
وحول رؤيته لمستقبل الإقليمين الانفصاليين ووضع العلاقات الروسية الجورجية، يضيف: "تم نسيان الحرب، ولم تعد هناك عداوة بعد انتهاء حكم الرئيس الجورجي آنذاك، ميخائيل ساكاشفيلي، وجرى تطبيع العلاقات الاقتصادية، وبات السياح الروس مرحبا بهم في جورجيا. تحولت الحرب إلى نزاع متجمد، وستعيش أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية سنوات طويلة من عدم الاعتراف، شأنهما في ذلك شأن إقليم ترانسنيستريا في مولدوفا وقبرص الشمالية وغيرهما. لن تعترف جورجيا باستقلالهما بشكل رسمي".
رغم مرور عشر سنوات على الحرب في جورجيا، إلا أن روسيا لم تنجح في نيل اعتراف دولي واسع باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، بل لا يزال يقتصر على بضع دول في أميركا اللاتينية والمحيط الهادئ، والنظام السوري، الذي قرر أخيراً إقامة علاقات دبلوماسية مع الإقليمين الانفصاليين.
ومع ذلك، يذكّر الأستاذ بقسم الدراسات الإقليمية والسياسة الخارجية بالجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية، سيرغي ماركيدونوف، في مقال بعنوان "بم انتهت حرب 08/08/08؟" بأن "قبرص الشمالية لم تعترف بها سوى تركيا، بينما ظلت كوسوفو غير معترف بها إلا من قبل ألبانيا لـ17 عاماً"، ملخصاً نتيجة الحرب في "استكمال تحول روسيا من الحكم وصانع السلام إلى الراعي لتقرير المصير الأبخازي والأوسيتي جنوبي مقابل تعزيز جورجيا خيارها التكامل الأوروبي ومع شمال الأطلسي".
ويخلص ماركيدونوف إلى أن "الحدود بين الجمهوريات التي تم رسمها في عهد الاتحاد السوفييتي، لم تصمد بعد تفككه"، موضحاً أن "خير أدلة على ذلك، الأحداث في دونباس والتصعيد العسكري في إقليم قره باغ" المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان.
يذكر أن الحرب في جورجيا استمرت حتى بدء الهدنة في 12 أغسطس 2008، حين توجه الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت، نيكولا ساركوزي، إلى موسكو، واتفق مع مدفيديف ورئيس حكومته آنذاك، فلاديمير بوتين، على مبادئ للتسوية السلمية عرفت بـ"خطة مدفيديف – ساركوزي".
ووسط تبادل أطراف النزاع الاتهامات بالمسؤولية عن وقوعه، خرجت اللجنة الدولية لتقصي الحقائق التابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2009، بنتيجة مفادها أن جورجيا هي التي بدأت الحرب، ولكن بعد أشهر من أعمال استفزازية قامت بها روسيا. وعلى الرغم من التنديد الأوروبي باعتراف روسيا باستقلال الإقليمين، إلا أن العلاقات الروسية الغربية استمرت بشكل طبيعي آنذاك، قبل أن تدخل منعطفاً خطيراً مع تفاقم الأزمة الأوكرانية عام 2014.