لن ينسى الفرنسيون أبداً صبيحة 7 يناير/كانون الثاني، ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي استفاقوا مذهولين على وقع هجوم مسلّح غير مسبوق، قام به الأخوان شريف وسعيد كواشي، استهدفا خلاله مقر أسبوعية "شارلي إيبدو" الساخرة في قلب العاصمة باريس. اقتحم الأخوان قاعة التحرير وقتلا بدمٍ بارد 12 شخصاً خلال بضع دقائق، على رأسهم مدير التحرير ستيفان شاربونييه، الملقّب بـ"شارب"، وثمانية صحافيين، من بينهم خمسة رسامين أساسيين من طاقم المجلة بالإضافة إلى شرطيين كانا مكلفان بحراسة القاعة.
وبعد انتهائهما من المجزرة قام شريف كواشي بتصفية شرطي فرنسي من أصل جزائري برصاصة في الرأس في الشارع، وصرخ مع أخيه "الله أكبر لقد انتقمنا للنبي محمد"، في إشارة إلى الرسوم الساخرة للنبي محمد، والتي دأبت الأسبوعية على نشرها.
وتناقلت القنوات التلفزيونية شريط فيديو، يظهر فيه الأخوان كواشي، وهما يُطلقان الرصاص الكثيف من رشاشي كلاشنكوف ويجبران سيارة شرطة هرعت إلى المكان على الهرب، في مشهد رمزي يعكس العجز الأمني الفرنسي. وقد حبس الفرنسيون أنفاسهم وهم يتابعون عبر التلفزيون وقائع مطاردة الأخوين كواشي، واللذين تمكنا من الهرب على متن سيارة سوداء إلى وجهة مجهولة.
في اليوم التالي، والذي أعلنته السلطات يوم حداد وطني، وبينما كانت باريس وضواحيها تعيش استنفاراً أمنياً استثنائياً بحثاً عن القاتلين كواشي، تضاعف ذهول الفرنسيين، عندما نقلت القنوات التلفزيونية قيام شخص آخر على صلة بالأخوين، ويُدعى حامدي كوليبالي، بقتل شرطية في ضاحية مونروج الملاصقة لباريس.
اقرأ أيضاً: فرنسا 2015: أعياد متنقّلة وإسلاموفوبيا
وفي التاسع من يناير/ كانون الثاني، عند الساعة الخامسة مساءً، انتهت عملية مطاردة القتلة الثلاثة في جبهتين منفصلتين. وقد طوّقت الأجهزة الأمنية مطبعة في بلدة دامارتان، بالضاحية الباريسية، والتي تحصّن فيها سعيد وشريف كواشي، كما حاصرت متجراً يهودياً في باريس، تحصّن فيه كوليبالي، بعد أن قتل أربعة من زبائنه.
وأُعطيت الأوامر من طرف الرئيس فرانسوا هولاند شخصياً، باقتحام المكانين في توقيتٍ واحدٍ، ما أسفر عن مصرع الأخوين كواشي، وكوليبالي، وانتهاء الكابوس الذي فتح صفحة جديدة في فرنسا عنوانها انتقال الرعب الإرهابي إلى الداخل الفرنسي، والشعور العام بهشاشة أمنية مخيفة.
وافتتح هولاند "أسبوع مراسم إحياء ذكرى الاعتداءات"، صباح الثلاثاء، بالكشف عن ثلاث لوحات تكريمية لضحايا الاعتداءات. ووُضعت اللوحة الأولى على جدار المبنى الذي كان فيه مقرّ "شارلي إيبدو" في شارع نيكولا آبير بالدائرة الحادية عشرة، وضمّت أسماء الضحايا وفقاً للترتيب الأبجدي، وهم "فرديريك بواسو، وفرانك برينسولارو، وكابو، وإلزا كايات، وشارب، وأونوري، وبرنار ماريس، ومصطفى عورّاد (مدقق لغوي في المجلة من أصل جزائري)، وميشال رينو، وتينيوس، وجورج فولينسكي". كما كشف هولاند عن لوحة تكريمية أخرى للشرطي أحمد مرابط، تم وضعها على بعد خطوات من مقر المجلة. أما اللوحة الثالثة، فقد وُضعت في مدخل المتجر اليهودي تكريماً لضحايا كوليبالي الأربع. وسيتم الكشف عن لوحة أخرى، ستكون الرابعة، تكريماً لكلاريسا جان ـ فيليب، الشرطية التي قتلها كوليبالي في ضاحية مونروج، السبت المقبل.
وسيترأس هولاند، اليوم الخميس، مراسم تكريم خاصة برجال الأمن من ضحايا الاعتداءات، من الذين شاركوا في تصفية الأخوين كواشي وكوليبالي. كما سيحضر مراسم لتكريم ضحايا الاعتداءات بساحة "الجمهورية" التي انطلقت منها التظاهرة المليونية الشهيرة، تحت شعار "كلنا شارلي" في 11 يناير/ كانون الثاني، بعد أربعة أيام من الاعتداءات.
في غمرة هذه المراسم، أصدرت مجلة "شارلي إيبدو" التي انتقلت إلى مقرّ جديد في مبنى محصّن، عدداً خاصاً سحبت منه مليون نسخة اشتمل على رسوم للرسامين الخمسة الذين سقطوا برصاص الأخوين كواشي وهم: شارب، وكابو، وأونوري، وتينيوس وجورج فولينسكي. وكانت المجلة قد أصدرت عدداً خاصاً بعد مرور أسبوع على الاعتداءات، تصدّره رسم للنبي محمد، وعبارة "الصفح عن كل شيء"، وبيعت منه 7.5 ملايين نسخة.
كما شهدت مراسم إحياء هذه الذكرى انتقادات شديدة لأداء الأجهزة الأمنية، أطلقتها أرملة فولينسكي، في كتاب يصدر اليوم أيضاً، اتهمت فيه الحكومة بـ"التقصير الفظيع في توفير الحماية المناسبة لمقرّ شارلي إيبدو، خصوصاً أن المجلة كانت هدفاً لاعتداءات سابقة". وسبق أن تلقت العديد من التهديدات منذ أن أعادت نشر الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول.
نفس الاتهامات أطلقتها أرملة الشرطي فرانك برينسولارو الذي كان مكلفاً بحراسة شارب، مدير تحرير المجلة. وأكدت أن "زوجها أسرّ لها قبل أسابيع من حصول الاعتداء عن عدم نجاعة الحراسة الأمنية حول مقر المجلة وقيام السلطات بتخفيف هذه الحماية قبل أسبوعين من الاعتداء، عبر سحب الحواجز الحديدية وسيارة الشرطة التي كانت ترابط عند مدخل المبنى"، وهذا ما أتاح للأخوين كواشي اقتحام المقر بسهولة وتنفيذ المجزرة.
اقرأ أيضاً: 2015 فرنسا... حين لم تعد مثلما كانت قبله