الدين وشهوة الكلام

04 يناير 2018
+ الخط -
شهوة الكلام قاتلة! كثيرًا ما ترى من ينعق في كل وادٍ بغير علم؛ فيطعن في كل ما لم يقبله عقله، ويتطاول على أناسٍ بذلوا أرواحهم لخدمة الدين، أو يستخف بمجهود لم يتجشم عناء تقديم معشاره أو أقل.

هذه الفئة من الناس موجودة في كل مكان، وقد تتفاوت ردود الأفعال في مواجهة هؤلاء ومجابهتهم؛ فأحيانا يكون التشنج في الرد عليهم أخطر ما يكون، حيث يكسبهم مساحة أكبر من تعاطف العوام، وبذلك يصبح التشنج وبالا على صاحبه. في بعض الأوقات يكون الرد الأنسب بالتجاهل التام لما يروج له هؤلاء، والتجاهل لا يكون عن ضعف أو خوف، فالتجاهل والتغافل عن الصغائر شيمة الكبار في كل عصر ومصر.

التغافل يغلق الكثير من أبواب الشر، ويفتح أبوابا لا حصر لها من المودة والألفة؛ فربما كان الشخص الثرثار يتحدث في أمور خلافية لمجرد إثبات حضوره في المحافل، وربما يتحدث عن قناعة متجذرة في نفسه، وقد يتكلم بدافع النقاش والبحث عن تفسيرات مناسبة لما يجري.


إن دخولك في حروبٍ كلامية مع من يخالفك ينتهي بك لمصيرٍ محتوم؛ لن تنجز عملا في حياتك وسيقضي عليك الغم في نهاية المطاف. حين قال النمرود للخليل إبراهيم عليه السلام "أنا أحيي وأميت"، لم يخض الخليل معركة مطولة مع النمرود؛ فالنمرود عمد إلى ضرب من المغالطة، وكان الخليل من الذكاء حيث تنزه عن الخوض في هذا الجدل العقيم.

دخولك في نقاشات حامية الوطيس على وسائل التواصل الاجتماعي يعوقك عن أمور أجدى وأكثر نفعا؛ ومن هذا المنطلق كان الكبار يتعاملون مع سفاسف الأمور، ولنا في سيرهم عبرة وعظة تضعنا على طريق النجاح.

لما أمضى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بيعة يزيد، قال يزيد: يا أبت! والله ما أدري أنخدع الناس أم يخدعوننا بما يأخذونه منا؟ فقال معاوية، كاتب الوحي الفقيه: يا بني! من خدعك، فانخدعت له، فقد خدعته. إذا تأملت هذا الرد الرائق، لوجدت في التغافل عن الصغائر ما تطيب به حياتك، فيرى معاوية رضي الله عنه في التغافل عن الهفوات ضرورة لدوران عجلة الحياة، وفي العامية المصرية نقول: "العيش اللي يتفتش.. ميتاكلش" أي لا يؤكل.

لا تدخل في جدل عقيم، وتجنب أن تخوض في مهاترات لا طائل منها، اشفق على من يخطئ وسل الله أن يرده لجادة الطريق، ولا تشهر في وجهه سيف العداء؛ فلا تكن عونا للشيطان على أخيك. لك أن تنكر علي سلوكي ولكن بأدب، ولي أن أختلف معك بأدب وتواضعٍ ورحمة.

إن شهوة الكلام تضع المرء في مأزق؛ فاحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به غيرك، وتجمل بالسكوت وصن لسانك عن الخوض في ما لا تعلم. لن يضيرك أبدا أن تستمع إلى ضعف ما تتكلم، فقد تكون شهوتك للكلام سبيلا لضرب عنقك!

التغافل خلق كريم يضمن لنا قدرا كبيرًا من راحة البال، هذا يناسب العلاقات الاجتماعية بشتى جوانبها، فإن كان الأمر يتعلق بالدين فالتغافل ميول عن الحق، وفي الوقت ذاته أنت لا تملك قوة الحجة للتصدي لمن يروج للشبهات؛ فأعط القوس باريها ولا تنزلق في وحلها.

لا تصرخ أو تتشنج في وجه هؤلاء؛ فهذا لن يجدي نفعا وقد يعمق الخلاف وتسود حالة من الاستقطاب المذموم. أكرم نفسك عن المشاركة في كل جدل لا طائل منه، ولا تتكلم لتجذب الأنظار إليك؛ فربما كان حتف الفتى بكلمة لم يتبصر عواقبها، ولا تكن كمن أراق الماء واتبع السراب.