الدينار العربي (1-2)

15 يونيو 2014
الاعتماد على النفط يمثل أحد معوقات العملة العربيّة
+ الخط -

يرتبط حلم الدينار العربي الموحد كعملة عربية موحدة بحلم البنك المركزي العربي كسلطة نقدية موحدة للإصدار النقدي، وكما رأينا في مقال سابق الصعوبات الفنية الاقتصادية والمالية والهيكلية التي تحول دون إنشاء البنك المركزي العربي في الوقت الحالي، بسبب الاختلافات الحادة في كل من:-

1- الهياكل الاقتصادية

2- الأنظمة والأيدولوجية الاقتصادية

3- عجز الموازنة

4- الديْن العام الداخلي والخارجي

5-العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات

6- التخمة المالية والعجز المالي

7- الأنظمة المصرفية

يحدث ذلك بين اقتصاديات الدول العربية من المحيط إلى الخليج، وقد استعضنا عن حلم البنك المركزي العربي مؤقتاً بمبدأ أو باَلية تبادلية جانب كبير من الاحتياطيات النقدية العربية وغطاءات الإصدار النقدي للعملات العربية بين البنوك المركزية العربية، إلى أن تصل اقتصاديات الدول العربية إلى قدر من الاتساق الاقتصادي والمالي والمصرفي الذي يسمح بتأسيس وتدشين البنك المركزي العربي.

ويترتب على ذلك استحالة اصدار عملة عربية موحدة بدون وجود سلطة نقدية موحدة للإصدار النقدي ممثلة في البنك المركزي العربي، الذي يبدو حلماً بعيد المنال اذا لم نبدأ أيّ خطوة تنفيذية لتحقيق هذا الحلم العربي الكبير، بينما يمكن أنّ يكون حلماً قريب المنال اذا اتخذنا الخطوة التنفيذية الأولى لتحقيق هذا الحلم.

وأولى لبنات هذه الخطوة يكمن في الجوانب والسياسات التالية :-

أولاً تجانس هياكل غطاءات الإصدار النقدي للعملات العربية


إذ يتكون هيكل الغطاء النقدي لأي عملة من سلة أو مزيح العناصر التالية مرتبة ترتيباً تنازلياً من حيث مدى قوة الغطاء:-

1- الذهب

2- العملات الأجنبية القابلة للتحويل

3- السندات والأذون بالعملات الأجنبية

4- السندات والأذون بالعملة المحلية

ويعني ذلك أنّ الذهب كغطاء نقدي للنقد المصدر يعد أفضل وأقوى من العملات الأجنبية القابلة للتحويل والتي تعد بدورها أفضل و أقوى من السندات والأذون بالعملات الأجنبية والتي تعد بدورها أفضل وأقوى من السندات والأذون بالعملة المحلية.

وكلما كانت قيمة الغطاءات النقدية الجيدة والقوية كبيرة في هيكل غطاءات الأصدار النقدي، كلما كانت قيمة العملة المصدرة قوية، والعكس صحيح، وعملياً وبعد قرار الرئيس نيكسون الشهير في بداية السبعينيات من القرن الماضي والذي أوقف تحويل الدولار إلى الذهب وأنهى بذلك سيادة قاعدة الإصدار النقدي الذهبية وأطلق العنان لقاعدة الإصدار النقدي الائتمانية، وعرف العالم تدريجياً الانفلات النقدي، حيث أصبح تغطية النقد المصدر بالذهب يتناقص بالتدريج إلى أنّ أصبح غطاء الإصدار النقدي الأكثر شيوعاً بالعملات الأجنبية القابلة للتحويل وبالسندات والاذون بالعملات الأجنبية، وذلك بالنسبة للعملات القوية.
أما بالنسبة للعملات الضعيفة فقد أصبح غطاء الإصدار النقدي الأكثر شيوعاً بالسندات والأذون بالعملة المحلية.

ونتيجة لتحول العالم إلى قاعدة النقد الائتمانية وتخليه التدريجي عن قاعدة النقد السلعية غرق العالم في الانفلات النقدي وعرف معدلات التضخم المرتفعة والتي تعد بمثابة ورم خبيث في هيكل الاقتصاد الحديث والمعاصر لم تسلم منه حتى الدول الغنية و المتقدمة ولكن بدرجات أقل حدة من الدول الفقيرة والنامية.

ونجد أنّ العديد من الدول العربية تتخذ من الدولار الأميركي وحده كغطاء لإصدار عملاتها الوطنية وفي مقدمتها دول الخليج العربي والتي تكاد تكون قيمة عملاتها الوطنية مقومة بالدولار قيمة ثابتة أو شبه ثابتة، ونادراً ما تتراجع قيمة عملاتها الوطنية أمام العملات الأجنبية الرئيسة لكونها مدعومة بالفوائض المالية البترولية الكبيرة من العملات الأجنبية، بينما تتخذ دولاً عربية أخرى من سلة من العملات الأجنبية كغطاء إصدار لعملاتها الوطنية، ومع هذا يظل الدولار الأميركي سيد العملات وغطاء الإصدار الأكثر شيوعاً للعملات العربية المختلفة.

وتتميز الدول العربية البترولية بهيكل غطاء إصدار نقدي سليم وقوي اقتصادياً مدعوماً بوفرة البترودولار، حيث تعتمد علي العملات الأجنبية الرئيسة ولاسيّما الدولار الأميركي كغطاء إصدار ونادراً ما تعتمد علي السندات أو الأذونات سواء الاجنبية أو المحلية، لذلك فإنّ عملاتها الوطنية تكون قوية وذات أسعار صرف مستقرة أمام العملات الأجنبية الرئيسة.

أما باقي الدول العربية فإنّها تعتمد علي السندات والأذون ولاسيّما المحلية منها بدرجة أكبر من اعتمادها علي العملات الاجنبية الرئيسة كغطاء إصدار لعملاتها الوطنية لأنّها تعاني من نقص حاد في العملات الاجنبية نظراً لمعاناة موازينها التجارية من عجز دائم ومزمن.

لذلك تكون عملاتها ضعيفة وأسعار صرفها متدنية أمام العملات الأجنبية الرئيسة لكونها لا تتمتع بغطاء إصدار سليم، من جهة، ومن جهة أخري تتأكل قوتها الشرائية تدريجياً وتنخفض أسعار صرفها أمام العملات الاجنبية الرئيسة تأثراً بكل من العجز الدائم والمزمن في موازين مدفوعاتها وفي موازناتها العامة واللذان يؤديان في النهاية إلى ديْن عام داخلي وخارجي كبير ومتفاقم يضغط بشدة على أسعار صرف عملاتها الوطنية و يدفعها للانهيار التدريجي.

وهكذا تتباين غطاءات الإصدار النقدي للعملات العربية الوطنية المختلفة تبايناً كبيراً، ويتراوح هذا التباين بين قوة غطاء الإصدار وضعفه على النحو السالف الذكر.

ولما كان الوضع الاقتصادي والسياسي العربي الحالي لا يسمح بإيجاد سلطة نقدية مركزية لإصدار العملة العربية الموحدة، فمن الممكن ايجاد قدر كبير من التجانس أو التماثل في هياكل الغطاءات النقدية للعملات العربية كخطوة على طريق إصدار الدينار العربي كعملة عربية موحدة، ولا شك أنّ مثل هذا التجانس سيؤدي إلى تجانس أو اتساق بقدر ما للمؤشرات الاقتصادية الرئيسة لاقتصاديات الدول العربية بعد عقد من تطبيقه وسريانه، وهذا الاتساق سوف يسهم بلا شك في لم الشتات الاقتصادي العربي.

ويؤدي تجانس هياكل غطاءات الإصدار النقدي للعملات العربية الى التخفيف نسبياً من حدة الفروق الكبيرة بين العملات العربية من حيث القوة والضعف ويمهد لوحدة نقدية عربية تغنينا عن التبعية النقدية لأقطاب الامبريالية النقدية العالمية والصهيودولار وشركائه، لأنّ هذا التجانس سوف يؤدي بلا شك إلى قدر ما من الاستقرار النقدي العربي.

ثانيا: تجانس السياسات النقدية للدول العربية

تختص البنوك المركزية وحدها ودون غيرها باختصاص صياغة السياسة النقدية، وتهدف السياسة النقدية إلى تحقيق الاستقرار في المستوي العام للأسعار وكبح جماح معدلات التضخم، وحديثاً ظهرت عدة سياسات نقدية على المستوى العالمي تستهدف التضخم، أيّ تحدد السلطات النقدية سقف محدد لمعدل التضخم المرغوب تحقيقه في الاقتصاد وتعمل السياسة النقدية بأدواتها المختلفة علي تحقيقه وعدم تجاوز هذا السقف المحدد سلفاً للتضخم، وتعرف هذه السياسة عالميا بسياسة استهداف التضخم.

ولا شك أنّ سياسة استهداف التضخم يصعب تطبيقها في الدول العربية لأنّ التضخم في الدول العربية شأنه في ذلك كشأن سائر الدول النامية حيث يعد التضخم ظاهرة هيكلية أكثر من كونه ظاهرة نقدية، أي ان التضخم ينشأ أساساً في هذه الدول بسبب الاختلالات في هياكلها الاقتصادية، وليس بسبب زيادة التيار النقدي عن التيار السلعي في الاقتصاد مقارنة بالدول المتمدنة ذات الهياكل الاقتصادية السليمة، لذلك لا يمكن للدول العربية انتهاج سياسة استهداف التضخم في إطار السياسات النقدية لها.

ولما كانت السياسة النقدية الموحدة تتطلب وجود سلطة نقدية موحدة تقوم بصياغتها وتنفيذها، وهذه السلطة النقدية غير قائمة حالياً، فإنّ الأمر يتطلب إحداث قدر من التجانس بين السياسات النقدية للدول العربية.

ويتأتى هذا التجانس برغم الصعوبات الهيكلية بتحقيق الاستقلال السياسي للبنوك المركزية العربية أولاً، ويعني الاستقلال السياسي للبنك المركزي انفراده وحده برسم وتنفيذ السياسة النقدية دون تدخل من السلطة التنفيذية في الدولة، لأن عدم الاستقلال السياسي للبنك المركزي والمتفشي في جميع الدول العربية بدرجة أو بأخرى يؤدي الى هيمنة السلطة التنفيذية على البنك المركزي بحيث يصبح مجرد دائرة من دوائر الحكومة التنفيذية.

وتكمن خطورة عدم الاستقلال السياسي للبنك المركزي في أنّ الخلط بين السياستين النقدية والمالية يكون سيد الموقف وبذلك تفقد السياسة النقدي أدواتها وتفشل في تحقيق أي فاعلية في تحقيق هدفها النهائي ألا وهو تحقيق الاستقرار في المستوي العام للأسعار.

ولتحقيق التجانس في السياسات النقدية للبنوك المركزية العربية، يجب تحقيق الاستقلال السياسي لها أولاً ثم التنسيق فيما بينها لاستخدام أدوات متجانسة وموحدة للسياسة النقدية تتعلق تحديداً بأسعار الفائدة ونسبة الاحتياطي القانوني والتحكم في السيولة النقدية في الاقتصاد.

ولا شك أن تحقيق مثل هذا التجانس سوف يؤدي الى تقارب معدلات التضخم السائدة في اقتصاديات الدول العربية.

من الناحية النقدية المجردة، أما من الناحية الاقتصادية فإن الأمر يتطلب عقود طويلة من التنمية الاقتصادية لتصحيح الاختلالات في الهياكل الاقتصادية العربية، ويعني ذلك ببساطة شديدة أن تحقيق التجانس في السياسات النقدية للبنوك المركزية العربية بتوحيد استخدام أدوات السياسة النقدية سوف يتعامل بكفاءة مع التضخم كظاهرة نقدية في الأجل القصير، ولن يحتوي تحقيق التجانس في السياسات النقدية للبنوك المركزية العربية التضخم كظاهرة هيكلية لأنّ ذلك محله الأجل الطويل وسياسات التنمية الاقتصادية.

المساهمون