الديمقراطية وحدها لا تكفي

04 ديسمبر 2014

يمنيون يتظاهرون ضد الاعتقالات بحق نشطاء الثورة (22نوفمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، انطلاقاً من تونس الخضراء، كان شعارها كلمات ابن تونس، الشاعر العربي الكبير، أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة/ فلا بد أن يستجيب القدر. وكانت أهدافها إزالة أنظمة الاستبداد، وتحقيق الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

انتصرت ثورات الربيع العربي في إسقاط رؤوس أنظمة الاستبداد، في تونس ومصر وليبيا واليمن، وما زالت نيرانها تشتعل في سورية والعراق، وشررها يتطاير في جميع أنحاء الوطن العربي، ولكن المواطن العربي الذي ثار، وذاك الذي ينتظر الثورة أن تجتاح ما تبقى من أنظمة القهر والاستبداد. كلاهما يشعر، اليوم، بالغبن والقهر والإحباط، وهو يرى ما آلت إليه هذه الثورات، وما نتج عنها من ارتدادات، شوَّهت الديمقراطية الوليدة، وصادرت الحرية وحقوق الإنسان، وزادت من حجم الظلم والفوضى والفساد.

كان المواطن العربي يعتقد أن سقوط رأس النظام المستبد سيتبعه انهيار كامل للنظام، وانتصار نهائي للثورة، لكنه اكتشف، بعد أربع سنوات من عمر الربيع العربي، أنه كان واهماً، وأن الثورات العربية لم تنتصر بعد، وأن أنظمة الاستبداد والفساد هي التي تحكم وتتحكم، إما من خلال الدولة العميقة، أو القوى المعيقة، وأن الديمقراطية التي كانت أُولى مطالب الثورات العربية وأهدافها، نقيضاً للاستبداد، ليست عصاً سحرية للإصلاح والتغيير، أو إزالة أدران وأمراض عقود طويلة من القهر والظلم، وأنها، أي الديمقراطية، ليست هدفاً بحد ذاتها، بل هي وسيلة للتعبير السياسي الحر، وتبادل السلطة، من خلال صناديق الاقتراع، وأنها، كأداة، يمكن إساءة توظيفها واستغلالها، عن طريق المال السياسي، والإعلام الموجه، اللذين يزداد تأثيرهما باضطراد، مع زيادة نسبة الجهل والفقر والمرض، في أي مجتمع من المجتمعات.

ومن هنا، نستطيع أن نفهم حجم وطبيعة وتأثير ما تواجهه ثورات الربيع العربي من مصدات ومعيقات، وإن مدى انتصار الثورة أو اندحارها مرتبط، بشكل مباشر، بمدى وعي المجتمع، ومناعته الفكرية والاقتصادية في مواجهة المال السياسي والإعلام الموجه، وهذا يفسر نتائج التجربة الديمقراطية في بلدان الربيع العربي ومآلاتها. ففي تونس، وبفضل حاضنة اجتماعية ناضجة، تواصل المسيرة الديمقراطية نجاحها، وهي، في طريقها، إلى تحقيق أهداف الثورة، على الرغم من كل ما يواجهها من مخاطر ومطبات، بينما فشلت التجربة الديمقراطية في مصر، واندحرت الثورة، ولو إلى حين. أما في ليبيا، ما زالت العملية الديمقراطية تمر بحالات من المد والجزر، بسبب صراعات داخلية، وتدخلات إقليمية، وفي اليمن الذي ما زال ثائراً، فإن البيئة الاجتماعية، ودول جوار خليجية، تشارك معاً في إجهاض تجربته الديمقراطية.

إذن، الديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع، إنها ممارسة وثقافة، وهي تحتاج، بالدرجة الأولى، بيئة اجتماعية حاضنة، تقوم على المواطنة الكاملة، بلا إقصاء ولا تمييز، أساسها العدل والمساواة، ومناعة المواطن فكرياً واقتصادياً، حتى لا يكون ضحية سهلة للمال الفاسد، والإعلام المأجور. صحيحٌ أن الديمقراطية ليست عصاً سحرية، لكنها، إذا ما صَلُحَ استعمالها، بوعي ونضج ومسؤولية، وإذا ما وجدت الدعم والمؤازرة من منظمات المجتمع المدني المستقلة، وإذا ما ترسخت، ثقافة وممارسةً في المجتمع نفسه، وخصوصاً في المدارس والجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث، فستكون قادرة على طرد الذئاب عن القطيع، ومنع تغوّل المستبدين، وبناء المؤسسات، وفصل السلطات، وإقامة دولة العدل والقانون.

0611C97F-76D6-4A5A-ACEF-D56832F43424
سالم قواطين

كاتب ودبلوماسي ليبي سابق، سفير جامعة الدول العربية في ألمانيا سابقاً