الدون بيرلو والمومياء ..ما بين سطور لقاء إنجلترا وإيطاليا

15 يونيو 2014
بيرلو في الملعب، ثقة اتزان
+ الخط -

"أعترف بأنني حينما أشاهد بيرلو في الملعب، أتذكر أداء النجم الأسطوري ألباتشينو في رائعة فرانسيس فورد كوبولا المعروفة بالعرّاب. ثقة واتزان، كاريزما وإبداع، نظرة عين مايكل كافية، وعقل أندريا يسبق قدميه داخل الملعب، ومع الرقصة الشهيرة للدون الصغير مع محبوبته أبولونيا، الجميلة التي تعلّق بها قلب الفتى الشاب، أستمتع بمشاهدة سحر اللعبة الممزوج بالفن الكروي الذي يرسمه الريجستا الإيطالية داخل المستطيل الأخضر".

إنه الخيال في أبسط صورة له، ما يُعرف عن بيرلو، وما تفتقده الكرة الإنجليزية على مرّ التاريخ. إيطاليا لم تفاجئني، لعبت بالإستراتيجية نفسها المعهودة، محاولة الوصول إلى المرمى ثم حماية نفسها في آخر الدقائق، بينما إنجلترا لم تقدم أي جديد، الخمول ذاته، وتكرار السقوط في معظم المعتركات الكبيرة.

أنصاف المسافات

وبما أن الحديث عن مباراة أحد طرفيها إيطاليا، علينا أن نتذكر القائد التكتيكي الرائع، أريجو ساكي، بائع الأحذية الذي صار مدرباً كبيراً. يتحدث ساكي في حوار سابق مع الصحافي باولو بانديني حول فكرة تميّزه ونجاحه وسط أقرانه، مؤكدأ أنه آمن بمستقبل اللعبة، وأن الفكر الكروي يتجه بقوة نحو التحرك بدون الكرة، لذلك حاول قدر المستطاع التحكم في أكبر قدر ممكن المساحات.

وخلال قمة إيطاليا وإنجلترا، نجح برانديلي في فتح مساحات بين خطوط الأسود الثلاثة، خصوصاً في نهاية الشوط الاول وبداية الثاني، وذلك باللعب بثنائي ريجستا، المخرج ومساعده، بيرلو وفيراتي، لاعب باريس سان جيرمان قام بدور تكتيكي مهم، في التوغل بين خلف هيندرسون وإجباره على مراقبته، وهنا يتحرك بيرلو بحرية من الوسط إلى الثلث الهجومي الأخير، جملة تكررت أكثر من مرة لإخراج الكرة من الخلف إلى الأمام.

هذه الأمور طبيعية ومتوقعة ومن الممكن أن يواجهها الإنجليز جيداً بخلق كثافة عددية وصنع كمّاشة من الوسط والدفاع، لكن نجاح الأتزوري في استغلال أنصاف المسافات، الصيحة التكتيكية الأحدث على الإطلاق، أي المسافات الموجودة بين كل منطقة وأخرى داخل الملعب، وخلال المباراة، كان الرهان على المنطقة ما بين قلب الدفاع والظهير الأيسر باينز.

يصعد الظهير الإيطالي دارماين إلى الأمام، ويتمركز فيراتي وبيرلو بالعمق من أجل تثبيت ثنائي ارتكاز الإنجليز، ومع التحرك العبقري من كاندريفا في المساحة الشاغرة، يأتي الفرج وتحدث الفجوة، جملة تكررت أكثر من مرة وجعلت المنافس في موقف لا يُحسد عليه، إما غلق الأطراف وترك بيرلو، وإما مراقبة بيرلو، لينطلق كاندريفا وخلفه الظهير في أنصاف المسافة على اليسار البريطاني، هجمة واثنتان، والثالثة في الشباك عن طريق عرضية رائعة ومقابلة أروع من السوبر ماريو بالوتيلي.

مومياء إنجليزية

"شاهدت الفريق الإنجليزي، حيث لا يقوم المدافعون سوى بمراقبة المهاجمين. هم اختصاصيون، ولا يستفيدون من اللعب. انها المعاناة، وليست السعادة. كرة القدم ليست كذلك. إذا قام أحدهم بالحركة ذاتها كلّ الوقت، فسيكون جيداً فيها، لكن هل كرة القدم حركة واحدة؟". يستمر ساكي في حديثه الشيّق ليتحدث عن الأسود البريطانية ويشير في كلمات سابقة منذ عدة سنوات، لكنها مازالت صالحة حتى يومنا هذا.

الإنجليز غير مبتكرين، إنهم اختصاصيون بالفطرة، بلاد مهد الكرة، والبيئة التي تتنفس اللعبة من البداية حتى النهاية، ورغم كل هذه المزايا إلا أنهم بعيدون تماماً عن ركب المنتخبات الأخرى. الفريق الإنجليزي خاسر بفارق هدف، يستحوذ على الكرة، الخصم الإيطالي في حالة تراجع كبيرة، والمباراة تسير على وتيرة واحدة، هجوم متوقع، وتمريرات مستهلكة.

من الممكن أن نتفق أو نختلف حول قيمة فريق هودسون بالكرة، لكنه بدونها سيئ إلى درجة غير عادية. لا تحركات، ولا انتشار، ولا محاولة للإتيان بلعبة غير متوقعة، إنها الرتابة التكتيكية التي تخلو من أي تجديف ضد التيار، حتى اعتقدت في نهاية المباراة، أنها مجرد مومياء تقابل أحياء.

المساهمون