الدولة الأردنية و"الإخوان".. هل وصلتا إلى خط النهاية؟
طغى موضوع توقيف نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، زكي بني إرشيد، وتحويله إلى محكمة أمن الدولة العسكرية، على المشهد العام لعلاقة الدولة الأردنية بالجماعة. التهمة الموجّهة للقيادي الإسلامي تتمثّل في تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة (الإمارات)، بعد أن نشر الرجل هجوماً عنيفاً عليها عبر صفحته على "فيسبوك". وأثار التوقيف جملة من التحليلات والتوقعات والقراءات حول كواليس قرار الحكومة، وما يمكن أن يترتب على ذلك في ترسيم علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين مستقبلاً، على الرغم من إصرار المسؤولين والمصادر الرسمية على أنّ الموضوع لا يتجاوز "احتواء أزمة" متوقعة، نتيجة لما نشره، مع الإمارات، وحماية مصالح الأردنيين العاملين هناك (قرابة 225 ألف شخص، وفق الرواية الحكومية) من دواعي غضب الإمارات عن ما نشره الرجل، في حال صمتت الحكومة الأردنية على ذلك.
بغض النظر عن الجدل المحيط بتوقيف بني إرشيد وأسبابه، والتوقعات القادمة، فإنّ ما هو أهم، في ظني، من واقعة الاعتقال هذه، على أهمية دلالتها، يتمثل في اعتقال وتوقيف قرابة 21 من أبناء جماعة الإخوان المسلمين، بينهم قيادات شبابية، وتحويل عدد منهم إلى محكمة أمن الدولة، بتهمة حيازة أسلحة والتخطيط لأعمال إرهابية، فيما ينتظر البقية دورهم في هذه الاتهامات، غير المسبوقة بهذه الصورة وذلك التوقيت، لأعضاء في جماعة الإخوان!
مثل هذه التطورات هي الأكثر دلالة وأهمية في ترسيم العلاقة بين الدولة والجماعة، خاصة أنّ هناك أسبقيات لموضوع بني أرشيد، عبر اعتقال الحكومة أربعة من نواب الحركة الإسلامية في مجلس النواب، في عام 2006، بتهمة تعزيتهم في مقتل زعيم قاعدة العراق، أبي مصعب الزرقاوي (ابن مدينة الزرقاء الأردنية)، وتمّ الحكم عليهم بعقوبة السجن أعواماً.
وقد شهدت العلاقة بين الدولة الأردنية والجماعة حالات مماثلة من شد وجذب، خلال العقود الماضية، وأدت إلى اعتقال قيادات إخوانية، وتوقيف بعضها. لكن، ما يجعل هنالك خصوصية للمرحلة الراهنة، هو "التوقيت" الذي يعطي هذه التهمة "الإرهاب" أبعاداً خطرة ذات دلالة في المشهد الأردني، إذ يدفع إلى التساؤل فيما إذا كان الأردن، بالفعل، يسير نحو تحضير الرأي العام لإعلان جماعة الإخوان المسلمين، بوصفها جماعة إرهابية، محظورة، ما ينهي عقوداً من التعايش بينها وبين النظام؟
المفارقة في الأمر، أنّه على الرغم من الضغوط الشديدة على "مطبخ القرار" في عمّان، من السعودية والإمارات، قبل قرابة تسعة شهور، لإعلان حظر جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنّ الدولة أصرّت على مبدأ "خصوصية" الحالة الأردنية، وكان القرار الرسمي بعدم الحظر، وفي الوقت نفسه، عدم الانفتاح، والميل نحو تجميد العلاقة عند حدودها القائمة، المرتبطة بالأزمة بين الطرفين، مع رهان الدولة على دور الأزمة الداخلية لجماعة الإخوان، في إضعافها وتكسيرها ذاتياً.
في حينه، أجاب مسؤول أردني، على درجة عالية من الأهمية والمكانة، على الضغوط الخليجية بالقول "إننا لا نمتلك دليلاً واحداً على قيام الإخوان بأعمال إرهابية"، لكن، وفقاً لمصادر خاصة في أوساط النخب المقربة من مطبخ القرار، ما لفت انتباه المسؤولين، لاحقاً، بعد مهرجان أقامته الحركة الإسلامية في حيّ طبربور، هو تنفيذها استعراضات عسكرية نوعية، قادت المسؤولين إلى القناعة بأنّها ناجمة عن تدريبات وإعدادات، تتجاوز التنشئة التقليدية في الجماعة، ووصلت إلى اعتقال عدد من الأشخاص، والتحضير للإعلان، قريباً، عن تفاصيل الخلايا المفترضة داخل الجماعة.
على الرغم من ذلك، يتمثل السيناريو الأرجح في أنّ الدولة ستسعى إلى التعامل مع هذه القضية بوصفها قضية أفراد، لا على أساس مسؤولية الجماعة عنهم، وبالتالي، محاسبتها سياسياً وقانونياً، كما يسرّ أحد السياسيين، إلا إذا قادت اعترافات متتالية إلى خيط يربط ما يحدث بقرار على مستوى قيادة الجماعة.
على العموم، وعلى الرغم من كل هذه التطورات، وبانتظار ما سيحدث في الأيام المقبلة، وهو بالضرورة مهم ومؤثر في تحديد طبيعة علاقة الدولة بالجماعة، إلا أنّ هناك شروطاً وديناميكيات أخرى، مهمة وفاعلة، تجعل من استنساخ القرار الخليجي والمصري نحو الجماعة مسألة أكثر تعقيداً وصعوبة في الحالة الأردنية، وقراراً يحتاج إلى تحولات عميقة أكبر مما يحصل حالياً من مؤشرات ودلالات.
أحد أبرز الأسباب التي تحول دون هذا القرار يتمثل في خصوصية الحالة الأردنية، فالإخوان، على النقيض من الحالات السعودية، الإماراتية، المصرية، بقيت، خلال العقود السابقة، تعمل بصورة قانونية وسياسية مشروعة، بل ودخلت في تحالف مع النظام في مراحل تاريخية حاسمة وفاصلة، ما يجعل من تجربتها وعلاقاتها وحسبتها مختلفة عن الحالة الإقليمية المحيطة.
يتمثل السبب الثاني في خبرة النظام السياسي الأردني نفسه، إذ هو تقليدياً، وما يزال كذلك، يميل إلى الحلول الوسطى والوسطية، وعدم الانجرار إلى صراعات حادة في الداخل، وما تزال هناك مجموعة معتدلة في أروقة النظام تفكّر بدرجة أكبر من العقلانية والبراجماتية من التيار المحافظ الذي يحاول تصفية الحساب مع الجماعة دوماً. وحتى الأجهزة الأمنية التي تقف على الطرف الآخر من المعادلة مع جماعة الإخوان، فقد وقفت قيادتها، عند طرح الموضوع قبل شهور، على طاولة "مجلس السياسات" (أعلى مطبخ للقرار السياسي) ضد الحظر واستنساخ النموذج الإقليمي، على قاعدة "الخصم الذي تعرفه أفضل مما لا تعرفه"!
أما السبب الثالث فيتمثل في خصوصية التركيبة الديموغرافية الأردنية، وغلبة التمثيل الأردني- الفلسطيني على جماعة الإخوان، ما يجعل من التعامل مع الجماعة مركباً على قاعدة سياسية- ديموغرافية، مجتمعية تتجاوز سؤال العلاقة مع الإسلام السياسي.
تأسيساً على هذه الأسباب، فإنّ قناعتي الشخصية بأنّ قراراً بحظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ما يزال مستبعداً، على الرغم من التطورات غير المسبوقة والخطرة، ومن وصول العلاقة بين الدولة والجماعة إلى مرحلة من الأزمة المتجذرة، واتساع الفجوة بينهما إلى مدى لم تصل إليه في أي مرحلة سابقة. ومع هذا وذاك، يبقى التحدي الجوهري والحقيقي أمام "إخوان الأردن" هو التحدي الداخلي، التماسك والقدرة على الخروج من الأزمة الراهنة التي استنزفت الجماعة، وأخذت من رصيدها وجهودها الكثير.