في التاسع من سبتمبر/أيلول الماضي، كان المصور مارتن ليهمان، الصحافي في كبرى الصحف الدنماركية "بوليتيكن" يقوم بواجبه بتصوير تدفق اللاجئين عبر الحدود الدنماركية الألمانية على الطريق السريع، قبل أن تعتقله الشرطة الدنماركية بتهمة "عدم تنفيذ الأوامر".
فقد طلبت الشرطة منه الابتعاد والتوقف عن تصوير اللاجئين الذين تابع مسيرهم على ذلك الطريق، وبحسب ما قالت الشرطة أمس "طلبنا منه أكثر من مرة التوقف عن التصوير والابتعاد لمسافة، لكنه لم يلتزم بالأوامر". وبعد ظهر ذلك اليوم، تم اعتقال المصور الصحافي وتوجيه اتهام له بـ"تعكير الصفو العام" ثم أطلق سراحه لاحقا. يقول ليهمان لصحيفته إنه جرت محاولة إبعاد الصحافيين عن الطريق لمسافة بعيدة "وذلك ما جعلني أفكر بما سيجري، فهل ستستخدم الشرطة العنف ضد هؤلاء اللاجئين ولا تريد الصحافة تصويرها؟ لذلك بقيت على الشارع بين اللاجئين لأصور ما يجري".
لكن القضية عادت للواجهة مرة أخرى الخميس، بإعلان الصحيفة أنها سترفع دعوى لدى النائب العام بسبب توقيف المصور التابع لها. لكن يبدو أن الشرطة استبقت الأمور وقدمت لائحة اتهام ضد المصور طالبة عرضه على محكمة، وهو ما أثار قلق الصحافة الدنماركية. نقابة الصحافيين وعدة صحف احتجت على توقيف الصحافي معتبرة ذلك التصرف "يتعارض وحرية الصحافة".
فتح القضية مجددًا وعرض المصور الصحافي على المحكمة يراه أيضا قانونيون "شيئا جيدا لفحص ما ستقوله المحكمة عن ضمان الحريات وبالأخص حرية الصحافة"، وهو ما صرحت به مديرة الأبحاث في حقوق الإعلام في مدرسة الصحافة والإعلام، فيبيكا بروبيرغ.
اقرأ أيضاً: إسرائيل تحتجز في سجونها 18 صحافيا فلسطينيا
رئيس تحرير صحيفة "بوليتيكن" بو ليدغوورد، دافع عن ليهمان بالقول لوسائل الإعلام: "لقد قام بعمله من خلال توثيق الحدث وليس لدى الشرطة أية أسباب لإعاقته في أداء واجبه". أما الحقوقي بيتر نيلسن من شركة "بيرد آند بيرد" للمحاماة فقال معقبا على القضية: "إذا لم نقم بتجريب القضية أمام المحكمة فإن الأمور يمكن أن تنزلق نحو أن تصبح الشرطة قادرة على توقيف الصحافيين أو المصورين وأخذهم المحطات الشرطة بدل تركهم يعملون بحرية ومتابعة ما يجري".
لا يختلف العاملون في الحقل القانوني والصحافي بأن للشرطة ضوابطها "بحيث لا تفقد السيطرة على ما يجري حولها، بما فيها انسياب السيارات وعدم حصول تجمهر ومواجهات، لكن في الجانب الآخر للصحافة حريتها في أن تعرفنا بما يجري وهو أمر في خدمة كل المجتمع ومصالحه"، وهو ما تصر عليه الباحثة في حقوق الإعلام بروبيرغ.
وتذكر هذه القضية بأخرى جرت في أوائل التسعينيات، حيث وصلت إلى المحكمة العليا التي أكدت على حق الصحافيين متابعة المتظاهرين حتى إلى داخل حديقة منزل أحد الوزراء السابقين. لكن يبدو أن الشرطة في تقديمها تهما إلى مصور صحافي هذه المرة تستخدم حججا بأنها تصرفت "حتى لا تقع هناك تجمعات وتصادم أو تشجيع اللاجئين بوجود الصحافة لمواجهة الشرطة"، وهو ما رفضته المحكمة العليا في أوائل التسعينيات.
يبدو الصحافيون والإعلاميون، بمن فيهم رئيس تحرير المصور الصحافي الذي سيعرض على المحكمة يوم 3 مايو/ أيار (وهو يوم حرية الصحافة الذي تقيمه اليونيسكو) متضامنين في موقفهم منه "فهو اتخذ القرار الصحيح للقيام بعمله لتوثيق ما يحدث وما سيحدث" وفق تأكيد رئيس التحرير بو ليدغوورد. ويترقب كثيرون ما سينتج عن المحكمة لأنها برأيهم "قضية مبدئية تحدد حقا أساسيا مثبتا يتمثل بحرية الصحافة".
اقرأ أيضاً: انقلاب الحوثيين: واجهوا الإعلام