صفة "عميل الموساد" أدرجتها الصحف المحلية عند إثارتها قضية عباس عام 2003. ورغم أنه غيّر اسمه إلى داني عبد الله، إلا أن هويته الحقيقية كشفت في ذلك العام، وكذلك دوره في عمليات اغتيال مسؤولين في حزب الله اللبناني، إبان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، حتى هروبه إلى داخل كيان الاحتلال عام 1989.
لائحة تهم طويلة واجهت عباس وصلت إلى 36 قضية، اعتبرتها المحاكم "جرائم خطيرة منذ قدومه إلى الدنمارك لاجئاً في 1992". وسعى "العربي الجديد" لمعرفة الأسس التي منح بموجبها اللجوء، خصوصاً أنه قدم من إسرائيل، وهو متزوج من إسرائيلية، إلا أن موانع قانونية تتعلق بـ"الخصوصية" حالت دون ذلك.
ورغم تجميد الأحكام السابقة بترحيله عن الدنمارك، وادعاء محاميه بأنه مطلوب للإعدام في لبنان، إلا أن إدخال حكومة يمين الوسط العام 2017 بعض التعديلات التقنية، أتاحت تشديد العقوبة على مرتكبي الجرائم من ذوي الإقامة المؤقتة، كما في حالة عباس الذي سحبت إقامته منذ سنوات.
وأخيرا، ثبتت المحاكم الدنماركية حكمها القاضي بتسفير عباس إلى لبنان، بعد قضاء محكوميته بالسجن المؤبد، على أن تجري "مفاوضة السلطة اللبنانية على استقباله شرط عدم تطبيق حكم الإعدام"، بحسب مصادر عدلية خاصة بـ"العربي الجديد".
عمالة للموساد امتدت سنوات
صدر أول الأحكام بحق حسين علي عباس في 2003، وطرحت مسألة تسفيره إلى لبنان. وخرجت روايته إلى وسائل الإعلام باعتباره مشاركاً في "اغتيال راغب حرب في 1985، واختطاف الشيخ عبد الكريم عبيد بعد سنوات، قبل هروبه في 1989 بحماية الإسرائيليين الذين أرادوا تشغيله، حسب قوله، لكنه رفض وهرب إلى الدنمارك بصفة لاجئ".
ردد عباس عبر محاميه، تجنباً لأحكام التسفير، وبعد سحب إقامته الدائمة وتحويلها إلى مؤقتة، بأنه "على لوائح حزب الله للإعدام في بيروت"، و"مطلوب من القضاء اللبناني بتهمة الخيانة". وتبين للسلطات الدنماركية أن عباس "هرب إلى إسرائيل في عام 1989، ووصل إلى الدنمارك في 1992 مع زوجته اليهودية، الإسرائيلية الجنسية، ويعيشون حالياً مع أربعة من الأبناء بمدينة ألبورغ في الشمال".
وعلم "العربي الجديد" من مصادر في كوبنهاغن، أن "تغيير عباس اسمه إلى داني كان لإبعاد الأنظار عنه، بعد كشف عمالته للموساد ووجوده في الدنمارك". لذلك بقي السؤال: لماذا منح داني عبد الله إقامة مؤقتة في الدنمارك ولم يرحّل، رغم الأحكام وخطورتها؟
وتكشف الأحكام الصادرة في المحكمة العسكرية ببيروت عام 2001، أن عباس حكم غيابياً بالسجن 15 عاماً بتهم تتعلق "بارتكاب جرائم حرب في فترة الحرب الأهلية اللبنانية". وأفاد محامو عباس، إثر أحكام قضت بسجن الأخير ثمانية أعوام في الدنمارك، بعد "ارتكاب جرائم خطرة وتزعم عصابة اتجار بالمخدرات، وابتزاز، وحرب عصابات"، بأن الرجل، البالغ اليوم 51 عاماً، "كان بالفعل عميلاً للإسرائيليين في جنوب لبنان، وكان مسؤولاً أمنياً في قرية جبشيت الجنوبية".
لائحة جرائم طويلة
مصادر خاصة في كوبنهاغن أفادت "العربي الجديد" بأن عباس "فهم خطأ مسألة الإبعاد المشروط (عدم إعدامه) إلى لبنان، كأنه بمثابة السماح له بالاستمرار بجرائمه وأعماله الجنائية". وتبين أنه استمر "بتزعمه عصابات ترويج واتجار بالمخدرات والعنف، واغتصاب امرأتين دنماركيتين تحت التهديد، وإطلاق نار وابتزاز مالي لمواطنين، وقتله مواطنا دنماركيا"، ما ثبت عليه الحكم بالمؤبد والترحيل إلى لبنان.
ومنذ 2006 وحتى 2016، تنقلت جرائم عباس من أقصى شمال غرب الدنمارك، في يورنيغ وفريدركسهاون وقرى دنماركية صغيرة هناك، إلى مناطق في شيلاند بضواحي كوبنهاغن العاصمة.
وتضمنت لائحة الاتهام التي اطلع عليها "العربي الجديد" جرائم خطيرة مدرجة بقانون العقوبات الدنماركي. من بينها استخدام سلاح ناري في 21 و22 أغسطس/آب 2016، في قرية فيلسوند الصغيرة. وبعد أسبوع تقريبا أرسل أحد معاونيه مع سلاح مذخر إلى قرية هالفريمين في شمال وسط البلاد، لإطلاق نار على منزل كان يتواجد فيه شخصان. وفي الرابع من سبتمبر/أيلول من العام نفسه حاول قتل الشخصين ذاتهما. وفي العاشر منه أقدم على ابتزاز شخصين تحت التهديد بالاغتصاب لدفع أموال لورشة سيارات. وفي 22 سبتمبر سلم عباس ما لا يقل عن 200 غرام كوكايين لدعم مجموعته هناك. وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول هدد شخصا بالقتل وابتزه لدفع 235 ألف كرون".
الحكم بسجن عباس بتهمة القتل رافقته لائحة اتهام بالاغتصاب تحت تهديد السلاح عامي 2014 و2015، شملت أوصافا رهيبة أزعجت القضاة جدا لتفاصيلها الرهيبة، خصوصاً أنه صور الضحايا أثناء الاعتداء عليهن، مسجلاً كلامه لهن مثل: "رجل العصابات شرف، وإذا لم تذعني سترين ما سيحصل لك". إلى جانب الاعتداء الجسدي على 4 نساء مع تهديدات عنيفة و"إجبار الضحايا على الركوع وتقبيل حذائه".
برلمانيون يطالبون بتسليمه إلى لبنان
واستمر عباس في ارتكاب جرائمه في الفترة التي اشترطت عليه المحكمة الدنماركية، بعد وضعه على لوائح التسفير مع وقف التنفيذ في عام 2015، بأن "يراجع يومياً مركز ساندهولم لاستقبال اللاجئين لتوقيع حضوره". وتبين حيثيات القضية أن "الرجل استهزأ تماما بالأحكام ولم يراجع المركز مدة 500 يوم في 2015 و2016".
ووفق تلك الخلفية الجنائية، حكم أخيرا على حسين علي عباس، (داني عبد الله)، بالسجن المؤبد، بدون سقف زمني، يمكن أن يمتد 16 عاماً أو أقل من ذلك بكثير بحسب تطور حالته في الإصلاحيات التي يوضع فيها. هذا الحكم رافقه أيضا حكم "بإبعاد أبدي عن الدنمارك، دون أية فرصة للعودة حتى لو كان لديه أطفال".
وأطلق الادعاء في جلسات المحاكمة على عباس "زعيم عصابة ومجرم متسلسل"، وكشف أنه مطلوب غيابيا في لبنان بتهمة "جرائم حرب" واعترافه بأنه كان ضمن المجموعة التي قتلت الشيخ راغب حرب واستمراره بالعمل للموساد (وجهاز أمني آخر لم يكشف عنه، بعض المصادر تقول إنه لبناني، واستفادة من خدمات عباس في الدنمارك)، دون تأكيد تلك المعلومات.
وبرغم كل محاولات عباس وقف تسليمه إلى لبنان، حتى لو خرج بعمر 60 إلى 64 عاما، وتغيير اسمه، مدعومة بطلب محاميه عدم الحكم عليه بالإبعاد غير المشروط، إلا أن الغضب السياسي والشعبي الذي أثارته القضية أدت ببرلمانيين من مختلف الأحزاب السياسية إلى طلب تنفيذ الترحيل مهما كانت الموانع.
وذهب مقرر الشؤون العدلية البرلمانية في حزب المحافظين، ناصر خضر، إلى المطالبة بتنفيذ الإبعاد "فلدينا سفير من الخارجية يتفاوض مع دول الترحيل بشأن مواطنيها، وهذا السفير ناشط جداً الآن في هذه القضية".
ودعت وزيرة العدل السابقة في حكومة يسار الوسط، ومقررة الشؤون العدلية، ترينا برامسن، لتنفيذ الترحيل "من خلال العمل الدبلوماسي وألا يحكم عليه بالإعدام في لبنان. فإذا كانت المواثيق تعيقنا عن ترحيل مجرمين مرة إثر مرة فإن الثقة بهذه المواثيق الدولية تضعف. يجب ألا نقبل باستهزاء هؤلاء المجرمين بنا".
أما موقف حزب الشعب الاشتراكي فكان "علينا التأكد من أنه لن يعدم، ويمكن تخطي هذه المشكلة الفردية وإيجاد حلول، ويجب ألا يبقى خلف القضبان لدينا". أما حزب اللائحة الموحدة اليساري فلم يتردد، رغم معارضته الدائمة للإبعاد، من القول على لسان عضو البرلمان رونا لوند "يرغب المرء أن يرسله بعيدا جدا عنا (...) ستكون هناك عوائق بتسليمه إلى لبنان إذا كان سيتعرض للتعذيب، لكن القضية تبقى للشرطة والتفاوض".
وتشوب قضية عباس، رغم الحكم النهائي ضده، الغموض والتعقيد، خصوصاً أن معلومات خاصة لـ"العربي الجديد" بيّنت أن الرجل عمل لمصلحة الأمن الدنماركي جاسوساً على أعضاء عصابات أخرى، ما يوضح أسباب التسامح معه مرات. وتشير بعض الصحف إلى "تشعب علاقات عباس الأمنية"، خصوصاً أنه ادعى بعمله أيضاً "لمصلحة الاستخبارات اللبنانية" أيام الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.