لم تنتظر حكومة الدنمارك اجتماع وزراء الاتحاد الأوروبي لمناقشة الإجراءات المطلوبة لمواجهة "التشدد والإرهاب". فقد اقتربت حكومة يسار الوسط، مدعومة من اليسار، من تبني ما كان يطالب به حزب الشعب اليميني المتشدد منذ العام الماضي.
ويتمثل هذا التبني في مشروع قانون يقول إنّ "أي شخص يسافر إلى سورية بلا إذن، سيعتبر مخالفا لقوانين البلاد، وسيعتبر مقاتلا ضد القوات الدنماركية، ويحارب القيم الدنماركية، وبذلك يرتكب فعل خيانة وطنية".
وكان يمين الوسط واليمين المتطرف قد بدآ منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حملة ضد المهاجرين الذاهبين إلى سورية للقتال. ووصلت هذه الحملة إلى أوجها عقب الهجوم على مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية. ووصلت إلى حد المطالبة بإقامة "محاكم طوارئ".
وبذلك، فإنّ الدنمارك تخطو خطوة متقدمة على دول الاتحاد الأوروبي الأخرى في التشدد مع من تعتبرهم متشددين، وهو ما يثير قلق مراقبين.
من جهتهم، عبر أقطاب اليمين عن سعادتهم بتبني حكومة الدنمارك مقترحاتهم، التي يعتبرونها "نقطة انعطاف"، بحسب أمين عام حزب الشعب اليميني، كريستيان تولسين دال. كما قال رئيس الحكومة السابق وزعيم المعارضة اليمينية، لارس لوكا راسموسن: "في السابق كان المدّعون العامون يجدون صعوبة في إثبات التهم على المسافرين إلى سورية. أما الآن، فمن الجيد تبني ما كنا نطرحه بضرورة الحصول على موافقة قبل السفر. وتلك الموافقة تشمل المواطنين العاديين وعمال الإغاثة والصحافيين أيضا. وإذا لم يحصل هؤلاء على إذن بالسفر وسافروا، فستجري محاكمتهم".
ويأتي التقارب بين الحكومة الاشتراكية الديمقراطية مع يمين الوسط واليمين المتشدد، بعد أشهر قليلة من رفض استخدام قانون العقوبات المتعلق بالخيانة الوطنية.
وكان وزير الخارجية، مارتن ليدغوورد، قد قال قبيل إرسال القوات والطائرات الدنماركية إلى العراق في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين: "لا يوجد قانونيا ما يسمح بتقديم المسافرين إلى المحاكمات بتهمة الخيانة الوطنية".
ويعتبر مراقبون أنّ حادثة "شارلي إيبدو" بدّلت المواقف في هذا الاتجاه. حتى إنّ اليمين المتشدد بات يجد انفتاحاً على دعواته لـ"بناء معسكرات تجميع للمسلمين، كما فعلت أميركا مع اليابانيين في الحرب العالمية الثانية".
في المقابل، بدت انتقادات هذه الإجراءات خجولة. وتركزت حول الخشية من سوء استخدام قانون العقوبات. ويعتبر هؤلاء أنّ "معارضة القيم الدنماركية" مسألة تحتمل الكثير من التفسير، ويمكن تطويعها بحسب مصالح الفئات السياسية. وتتركز الانتقادات بالذات على فقرات البند 102 من قانون العقوبات التي تشمل محاكمة "من يقدم العون بالمشورة والعمل والدعاية لمصالح قوى معادية".
وغالباً ما تصدر مثل هذه الانتقادات عن حقوقيين ونشطاء وإسلاميين. وهي تعتمد على أرقام جهاز الاستخبارات الدنماركي، الذي شدد منذ البداية على أنّ عدد من انضم إلى جماعات متشددة في سورية لا يتجاوز 100 شخص، عاد منهم خمسون. بينما يرى هؤلاء أنّ القانون "تقرأ منه مسايرة أيديولوجيا اليمين الذي يعتبر جميع المسلمين في سلة واحدة. فالخشية هي من استغلاله في التفتيش عن النوايا"، بحسب أحد الحقوقيين المدافعين عن الحريات والحقوق المدنية للمهاجرين، والذي رفض في حديثه لـ"العربي الجديد" ذكر اسمه. فيما أكد أنّ "الأجواء تشي بهيستيريا جماعية من اليمين واليسار".
وبالفعل، فإنّ مواقف اليسار الممثل في حزب اللائحة الموحدة، والمتقدم في استطلاعات الرأي، فاجأت الكثير من الدنماركيين، وخصوصاً أبناء المهاجرين. فقد بدت تعابير هذا الحزب أقرب إلى "اتخاذ موقف فكري من الإسلاميين"، بحسب أحد الأئمة في الدنمارك، من الذين دعوا إلى التصويت لهذا الحزب. وكانت مقررة الشؤون العدلية في البرلمان عن اليسار، بيرنيلا سكيبر، قالت الأسبوع الماضي عن المسافرين إلى سورية: "هؤلاء مجرمو حرب وممارسون للإرهاب. إنهم فاشيون، ويجب الحكم عليهم بأقسى العقوبات، بحسب قانون مكافحة الإرهاب الذي يحكم بالمؤبد، وليس الخيانة الوطنية الذي يحكم بـ16 عاماً فقط من السجن".
يشار إلى أنّ تهمة الخيانة الوطنية، في قانوني العقوبات 101 و102، توجه إلى "الشخص الذي يقدم العون في أيّ أعمال عدائية لقوة احتلال في البلاد أو ضد مصالحها، أو يقدم العون بالمشورة والعمل والدعاية لمصالح قوى معادية للدنمارك ومصالحها، ويعاقب بالسجن 16 عاماً مع النفاذ".