الدفء يعود إلى العلاقات المغربيّة ـ الفرنسيّة

01 فبراير 2015
مزوار زار فرنسا بعد الاعتداءات الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -

نجحت زيارة وزير العدل المغربي، مصطفى الرميد، إلى باريس في كسر الجليد الذي عرفته العلاقات الفرنسية ـ المغربية أخيراً، بعد عام من الفتور والتوتر في هذه العلاقات.

أجواء التوتر هذه جاءت نتيجة سلسلة أحداث وإشكالات دبلوماسية بدأت في شهر فبراير/ شباط الماضي بإرسال السلطات الفرنسية أفراداً من الشرطة الى منزل السفير المغربي في باريس لإبلاغ مدير الاستخبارات المغربية، عبد اللطيف حموشي، الموجود هناك شكاوى تقدّم بها معارضون مغاربة. وتبعت هذه الحادثة حوادث أخرى، ولم تتوقف باريس طوال عام كامل عن الحديث عن سوء تفاهم يشوب العلاقات بين البلدين.

وأدى انزعاج السلطات المغربية وعلى أعلى المستويات، إلى فتور غير مسبوق في العلاقات بين البلدين. وكان أبرز دليل على ذلك رفض الملك المغربي محمد السادس خلال وجوده في باريس العام الماضي، الإجابة على مكالمة من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

وبعد عام من الأخذ والرد وحديث المسؤولين الفرنسيين بشكل متواصل عن سوء تفاهم وتصاعد وتيرة الأزمة، تتّجه السلطات الفرنسية لتصحيح الموقف، بعد استنتاجها للأخطاء التي وقعت. فقد سارعت الخارجية الفرنسية ووزارة العدل إلى بذل كل ما يمكن بهدف تجاوز الأزمة الراهنة، في محاولة لإعادة العلاقات إلى عهدها السابق.

ويقول مسؤول رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد": "منذ بضعة أيام توصّلنا إلى قناعة مفادها ألا شيء يمكن أن يصلح الأمور بين فرنسا والمغرب بسرعة، ولعلّ تحقيق المصالحة يتطلّب توجّه الرئيس الفرنسي شخصياً إلى الرباط لحل المشكلة، لأن التوتر بين البلدين تصاعد بشكل كبير أخيراً".

هذا الواقع دفع كبار المسؤولين الفرنسيين إلى التحرك، وفي طليعتهم رئيس الحكومة مانويل فالس، الذي لم يترك مناسبة هذا الأسبوع، من دون الحديث عن ضرورة تحسين العلاقات وتجاوز الأزمة، كاشفاً أن وزير الخارجية لوران فابيوس "سيتوجّه قريباً إلى المغرب".

ونجح وزير العدل المغربي، بعد يومين من المباحثات في باريس، مع نظيرته الفرنسية كريستان توبيرا، بالتوصّل إلى اتفاق بشأن "استئناف التعاون القضائي والأمني"، وفقاً للإعلان الصادر عن وزارة العدل الفرنسية. وأشار البيان إلى أن "المباحثات جرت في أجواء بنّاءة وسادت فيها الثقة".

كما لفت البيان إلى "أن المباحثات جرت بإيعاز مباشر من الرئيس هولاند والملك محمد السادس من أجل وضع حد للأزمة، وهما طالبا بضرورة التحرك للحفاظ على الشراكة الاستثنائية بين البلدين".

وأشاعت زيارة الرميد إلى باريس، وما أحرزته من تقدم، أجواء تفاؤل على سكة المصالحة. وجاءت العبارات التي اختارها الرميد، لتُطمئن المسؤولين الفرنسيين، إذ قال: "لقد حققنا تقدماً، وهناك رغبة لدى الحكومتين في تجاوز الخلافات، والأجواء مشجعة".

ولا شك أن المؤشر الأكبر على أجواء حلحلة الأزمة، هو وجود الملك المغربي في العاصمة الفرنسية، ولم يُعرف ما إذا كان هناك احتمال لأن يلتقي الرئيس الفرنسي، إلا أن "تواجده في باريس بعد عام على زيارته الأخيرة، يُظهر أن هناك انفراجاً في العلاقات"، كما يقول مسؤول فرنسي لـ"العربي الجديد".

ولم يُخفِ المسؤول نفسه "أن تأثير تعليق المغرب تعاونه القضائي والأمني مع فرنسا في قضية مكافحة الإرهاب، طوال عام، ترك أثراً كبيراً على عمل الأجهزة في فرنسا في هذا الوقت الحساس وفي ظرف تُشكّل فيه مكافحة الإرهاب الأولوية القصوى لدى أصحاب القرار الفرنسي".

وكان وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، قد زار فرنسا إثر الاعتداءات التي وقعت في العاصمة الفرنسية، وقدّم تعازي بلاده لهولاند في قصر الاليزيه، لكنه فضّل عدم المشاركة في تظاهرة "شارلي إيبدو" بعد أن نشرت الصحيفة صوراً كاريكاتورية جديدة للنبي محمد.

ولا شك أنه بالإضافة إلى الحوادث الأخيرة التي وقعت بين البلدين، هناك سلسلة عناصر كان لها أثرٌ في التصعيد، ومن بينها بعض المواقف التي صدرت عن موضوع الصحراء، مع العلم أن باريس كانت تؤيد دوماً المغرب في قضية الصحراء.

وهناك عنصر آخر كان له وقعه وتأثيره، ويعود إلى تحسّن العلاقات الفرنسية ـ الجزائرية وتعزيز الشراكة القائمة بين البلدين، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، إذ تم استقبال رئيس الحكومة الجزائري، عبد المالك سلال، بمراسيم وحفاوة كبيرة، كما عوّلت فرنسا أيضاً، على الصعيدين السياسي والأمني، على تعاونها الوثيق مع الجزائر، وأشادت في أكثر من مناسبة بدور الجزائر المميز في مالي والساحل الأفريقي.

خيار فرنسا تعزيز الجسور مع الجزائر كان قد اتّبعه هولاند منذ انتخابه، نظراً إلى العلاقة الوطيدة التي تجمعه مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وذلك خلافاً لخيارات الرئيسين السابقين نيكولا ساركوزي وجاك شيراك اللذين ركزا أكثر على العلاقة مع المغرب مع أنهما أقاما علاقات جيدة مع الجزائر.

وأدركت باريس، في الفترة الأخيرة، أن العلاقات مع المغرب تلقت ضربة، وأنه ينبغي العمل بجهد لإعادة تصحيح الأخطاء التي وقعت والتي أثارت الدهشة والتساؤلات، خصوصاً أن العلاقات الفرنسية مع المغرب هي علاقات استراتيجية ودائمة.