"المبادرة المصرية": الدعم النقدي لا يحمي الفئات الهشّة من الفقر

القاهرة

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
20 فبراير 2018
09D46413-7AC3-4AFF-B0FE-D4340E6A70ED
+ الخط -
قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن الدعم النقدي المباشر للفقراء وسياسة الدعم الانتقائي التي تطبقها الحكومة المصرية منذ 2014 (عام تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة) لن تكون قادرة على مواجهة الفقر، بصورة مستدامة، بدون سياسات كلية تهدف إلى تحفيز النمو وخلق فرص عمل مستدامة تستجيب لمعايير العمل الدولية.

وأضافت المبادرة - منظمة مجتمع مدني مصرية - في دراسة لها، اليوم الثلاثاء، بعنوان "النقود وحدها لا تكفي"، أن "الدولة اتجهت لإجراء تعديلات هيكلية في الدعم السلعي، بحيث يتم توزيعه بنفس الفلسفة الانتقائية، تحت شعار: (توجيه الدعم لمستحقيه)، ليصبح الخبز المدعم متاحًا فقط للمقيدين في بطاقات التموين وبكميات محددة، وفي مرحلة لاحقة جعلت الدولة دخول المقيدين الجدد في منظومة البطاقات مقصورًا فقط على الفئات متدنية الدخل، بعد أن كان القيد بلا شرط تقريبًا منذ تأسيس هذا النظام في الحقبة الناصرية".

وأشارت الدراسة إلى أن "الدولة عكفت على التحرير التدريجي لأسعار بنود الطاقة حتى تصل بها إلى كلفتها الحقيقية، مع وضع خطة مستقبلية لتوجيه الطاقة المدعومة إلى الفئات الأدنى دخلًا. وتحاول الدولة أن تربط منظومة الدعم الانتقائية الجديدة بعضها بالبعض، فنراها مثلًا تتيح بطاقات التموين لمتلقي معاشات تكافل وكرامة وتتيح لهم أيضًا خدمات طبية مدعمة من قِبَل الدولة"، وفقًا للدراسة.

ورأت المبادرة أن هذه التحولات يمكن إدراجها تحت مسمى السياسات الليبرالية، التي تستهدف في الأساس توفير الحد الأدنى من الكفاية للفئات الفقيرة حتى تستطيع تلك الفئات العمل والإنتاج لصالح المنظومة الاقتصادية، وهي وإن كانت تعالج عيوب منظومة الدعم العمومي، التي تأسست في الحقبة الناصرية، حيث كان الدعم متاحًا بدون شروط لأي مواطن يحمل الجنسية المصرية، ولكن هذه السياسات لا تكترث بأوضاع الطبقة الوسطى أو برفاهية المجتمع في كثير من الأحيان.

وتتمثل خطورة سياسات الدعم الانتقائي الجديدة في أنها تأتي مصحوبة بإجراءات لعلاج العجز المالي في البلاد، تحت برنامج اقتصادي اتفقت الحكومة على تطبيقه مع صندوق النقد الدولي في 2016، حيث كانت لهذه الإجراءات الاقتصادية آثار تضخمية بالغة قللت من القيمة الحقيقية للإنفاق الاجتماعي، وفقًا للدراسة.

وفي تقييمٍ لسياسات الدعم الانتقائي الجديدة، قالت المبادرة "لا ننكر أن هذه السياسات تمثل تطورًا مهمًّا في سياسات الدعم النقدي في مصر وسياسات الحماية الاجتماعية عمومًا، من حيث أسلوب الاستهداف والقدرة على الانتشار، لكنها تظل أداة قاصرة طالما أنها تعمل في سياق معيب من السياسات الاجتماعية".

وتساءلت "ما قيمة تحفيز الأبناء على الدراسة طالما أن معدلات البطالة مرتفعة في أوساط الفئات الأعلى تعليمًا؟"، وقالت إن تطبيق برنامج تكافل في الوقت الذي لا تلتزم فيه الدولة بالإنفاق الدستوري على التعليم يجعل هذا المعاش مجرد أداة لإسكات الفقراء عن الاحتجاج على الضغوط التضخمية وليس معاشًا تنمويًّا كما تزعم الدولة.

كما أشارت إلى أنه إن كان الدعم النقدي يهدف إلى توفير الدخول للأسر العاجزة عن توفير الدخل الكافي من العمل، فلا يمكن لهذا المعاش أن يحقق أهدافه طالما أن الاقتصاد غير مهيكل على أساس أن يكون اقتصادًا تشغيليًّا، وقد انتهى الكثير من الاقتصاديين إلى أن هذا البلد يغيب عنه العديد من الإصلاحات التي تجعل الاقتصاد موفِّرًا لفرص العمل الكافية وظروف العمل اللائقة التي توفر الأجر الكافي وأجواء العمل الكريم.

لذا تساعد تلك الأوضاع السيئة لسوق العمل، وفقا للدراسة، على جعل المعاشات دائمًا غير كافية لتلبية مطالب الفقراء مهما توسعت الدولة في الإنفاق، بحسب الدراسة.

وأوصت المبادرة بتبني سياسات متكاملة للحماية الاجتماعية، تحافظ على القيمة الحقيقية للامتيازات المقدمة إلى الطبقة الوسطى وتتوسع في الامتيازات للفئات الهشة المحرومة من الحماية، وتحمي القطاع الأوسع من المجتمع من صدمات التضخم، وأن تكون لسياسات الحماية الاجتماعية أهداف واضحة تتسق مع أهداف الإنفاق الاجتماعي الواردة في الدستور المصري ومواثيق حقوق الإنسان الدولية التي وقَّعتْ عليها مصر.

وخلصت الدراسة إلى حقيقة أن سياسات الدعم بصورها المختلفة كانت عاجزة عن ملاحقة أزمات التضخم التاريخية، وذلك بسبب العيوب الهيكلية في اقتصادنا التي تجعله يعتمد بشكل أساسي على استيراد السلع الأساسية من الخارج، لذا كانت الفترات التي شهدت ارتفاعًا قويًّا في الإنفاق الاجتماعي مجرد محاولات من الدولة للحفاظ على امتيازات الدعم القائمة وليست توسعًا في تقديم تلك الامتيازات.


واستهدفت الدراسة التي قامت بها المبادرة، ونشرتها اليوم، تقييم سياسة التحويلات النقدية في مصر ومدى قدرتها على حماية الفئات الهشّة في ظل تضخم متصاعد، منذ عام 2014 تحول اهتمام الدولة في مجال الحماية الاجتماعية بشكل قوي تجاه معاشات تكافل وكرامة، وهي صورة من الدعم النقدي الموجه إلى الأسر الفقيرة.

وبحثت الدراسة التي صدرت بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، في مدى ملاءمة المعاشات غير المرتبطة باشتراكات في توفير الحماية الاجتماعية تحت التحولات النيوليبرالية الأخيرة، والمساعدة على تحقيق الأهداف الاجتماعية بالدستور، وذلك من خلال تحليل لطريقة عمل تلك المعاشات وفلسفتها وأسلوبها في الاستهداف، مع إجراء 20 مقابلة لأسر مستفيدة من تلك المعاشات وبحث مدى ملاءمة دخولهم لنفقاتهم الأساسية.

كما رصدت الدراسة تطور أحوال الفقر في مصر، حيث يُعرف الفقر بأنه العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية، لذا ستمثل تطورات معدل الفقر في مصر مرآة تعكس مدى نجاح (أو فشل) سياسات الحماية الاجتماعية في الحد من الفقر، خاصة المعاشات غير المرتبطة بالاشتراكات التي تستهدف توفير دخل للفئات العاجزة عن تغطية احتياجاتها الأساسية.




المساهمون