الدستور والحلُّ في ليبيا

04 مارس 2015
+ الخط -

توقف الحوار مجدداً في ليبيا، بسبب تعليق البرلمان المنحل المشاركة فيه، من دون أن يوضح سبباً، والمعلوم أن السبب خوف البرلمانيين في طبرق من انفلات الشرعية من أيديهم، وهذه لم تكن مسلمة لهم من المجتمع الدولي، بعد صدور قرار المحكمة الدستورية في البلاد القاضي بإلغاء البرلمان، وكذلك الضغوط التي تتوالى عليهم من العسكر الحاضن لهم، إذ بدأت هذه الضغوط، أو بالأحرى "التهديدات"، تظهر للعلن من قيادة العسكر، عند عدم تنفيذ مرادهم، أو قل بصورة واضحة "أوامرهم".

من الجهة الأخرى، بدا للمكون الرئيسي والتكتل السياسي المسيطر على البرلمان المنحل أن مصالحه ومصالح قادته، والدول الداعمة له، ستكون مهددة في حالة الاتفاق على جسم تنفيذي مدعوم من الأمم المتحدة أولاً، والدول الكبرى ثانياً، والتي ترى في الحوار والحل السياسي الذي ستنبثق عنه حكومة توافقية، كما صرح أكثر من مسؤول دولي، مخرجاً وحيداً للأزمة الليبية، كل هذه الأمور تجعلهم خارج الدائرة السياسية، أو حتى الشرعية المُتوهمة التي يحتجُّون بها.

من هنا، نرى أن المبعوث الأممي، بيرنار ليون، ومعه الدول الداعمة للحوار، العربية والأجنبية، يرون الحل السياسي مخرج ليبيا الوحيد من أزمتها، كما حدث في اجتماعات مجلس الأمن الدولي، أخيراً، ويرون ضرورة إنهاء الانقسام المؤسساتي، حسب بعثة الأمم المتحدة للدعم في بيانات كثيرة، وإن كان هذا هو المطلوب، غير أن لب هذا الانقسام معتمد على السلطة التشريعية، وليست التنفيذية، باعتبار أن التوافق على الأولى ينهي انقسام الثانية، وهذا هو الحل الذي سيجنب البلاد مزيداً من الاختلاف والتمزق، وأما النظر في السلطة التنفيذية وحل صراعها، قبل التشريعية، فإنه يؤجل الخلاف لا أكثر ولا أقل، فيما يبقى أصله قائماً، ولو حاول الوسيط الأممي تحييد الطرفين، بعد إنشاء الحكومة التوافقية، فإن مردها إلى الخلاف أقرب من الوفاق، لعدم قيامها على أرضية قانونية ودستورية معتمدة.

ومن هذا المدخل، يُؤخذ على المبعوث الدولي، ومعه كلا المتحاورين، أنهم لم يتحدثوا عن لجنة الدستور ولم يدخلوها في الحوار، لا باعتبارها طرفاً فيه. لكن، باعتبارها من مفاتيح حل الخلاف في ليبيا، على الرغم من أن الوقت المحدد لها انتهى منذ نهاية ديسمبر/كانون أول الماضي، ما يجعلنا نقول جدلاً: لو كان الدستور جاهزاً لكان محل النقاش، الآن، في عملية التصويت والاستفتاء عليه بعد التهدئة، وبإشراف الأمم المتحدة، ومراقبة الطرفين المتحاورين، حتى نقضي على الخلاف القائم في السلطة التشريعية، لنسير بعدها إلى السلطة التنفيذية، باعتبار الدستور، أو باعتبار حكومة توافقية مؤقتة، محدودة الوقت والصلاحيات، حتى يصار إلى الانتقال الدائم إلى السلطتين، التشريعية والتنفيذية، ولم يكن هذا المبدأ مطروحاً من المبعوث الدولي، على الرغم من أن نجاحه يكون موازياً مع ما يدفع إليه من تكوين حكومة توافقية، في ظل الاختلاف التشريعي الذي لا يزيله الحوار القائم على إنشاء حكومة توافقية فقط .

لكن، ربما يقول قائل: هناك معضلة قانونية، قبل أن تكون سياسية، هي كيفية الوصول إلى نقطة اعتماد دستور دائم في ظل الانقسام التشريعي الذي لا تزيله الحكومة التوافقية، وتدفع إلى تكوينها أطراف دولية كثيرة، قبل الداخلية، حتى تكون نقطة تواصل بين الدولة والعالم باتفاق، وتكون مقبولة من جميع الليبيين. ويرى كثيرون، هنا، أنه لابد للرجوع إلى الإعلان الدستوري، والتقيد به، ليوصل الجميع إلى الاعتراف بحكم المحكمة الدستورية، ومن ثَمَّ يصار إلى الحكومة التوافقية، وهذا لا يتأتى سياسياً وقانونياً إلا بتجميد عمل المؤتمر الوطني العام، بعد اعتماد الحكومة التوافقية، على أن يجتمع، فيما بعد، للتصديق على الدستور الدائم، بعد طرحه للتصويت عليه، وكذلك تحديد موعد نهائي، وغير قابل للتجديد، للجنة صيغة الدستور، بتقديم الدستور وطرحه للتصويت عليه.

في هذه الحالة، يمكن للحكومة الإشراف على الاستفتاء الدستوري، وتسوية الخلاف، كونها ناشئة من مصدر تشريعي أصيل، ومرضية لطرفي الحوار والمتنازعين، أو إن أريد لها غير ذلك، سواء في اعتمادها، أو بغض النظر على الإعلان الدستوري وحكم المحكمة العليا، فإنها ربما تؤجل الخلاف فترة، لكنها سوف تعمق الشرخ أكبر من ذلك بعدها، وتضيع (المرجعية الدستورية) في البلاد، ولا يمكن الرجوع إلى أصل شرعي، نحتكم إليه في حالة النزاع ثانيةً، بل وستجرُّ كوارث على البلاد بالتدخل الأجنبي فيها، بصيغة قانونية متوهمة، وليست حقيقية، ناهيك عن إهدار مزيد من الوقت، نحو الوصول إلى الدستور الدائم في البلاد.