الدرديري محمد أحمد... خبير النزاعات والقانون الدولي وزيراً للخارجية السودانية

16 مايو 2018
يعد الدرديري محمد أحمد من كوادر الحركة الإسلامية (تويتر)
+ الخط -


قليلة هي المرات التي يتبوأ فيها أحد أبناء ما بات يعرف بمناطق الهامش السوداني منصباً في الوزارات الأكثر أهمية. لكن الرئيس السوداني، عمر البشير، وبمرسوم جمهوري، يوم الإثنين، لم يتردد في اختيار الدرديري محمد أحمد المولود سنة 1956 في أقاصي غرب السودان وزيراً للخارجية السودانية، ليحُل بديلاً للبروفسير إبراهيم غندور، الذي أقيل الشهر الماضي بسبب تذمره أمام البرلمان من عدم صرف للدبلوماسيين السودانين بالخارج رواتبهم منذ 7 أشهر.

ويُعد الدرديري محمد أحمد واحداً من كوادر الحركة الإسلامية السودانية الطلابية، وقد برز خلال دراسته القانون في جامعة الخرطوم، أعرق الجامعات السودانية، حتى تخرج منها في عام 1981، لتكون وجهته القضاء ثم المحاماة.

وحين سيطرت الحركة الإسلامية على مقاليد السلطة في البلاد عبر انقلاب عسكري في يونيو/حزيران 1989، استوعبت كثيراً من كوادرها في الأجهزة الأمنية والعسكرية والخدمة المدنية، فكان نصيب محمد أحمد الإلحاق بالسلك الدبلوماسي الذي تدرج فيه حتى وصل إلى مرتبة السفير، بيد أنه لم يكن موجوداً تحت الأضواء إلا بعد بدء مفاوضات سلام جدية مع متمردي جنوب السودان في الفترة من 2002-2005، حين كان يعمل الدرديري قائماً بأعمال سفارة السودان في نيروبي، حيث تُجرى المفاوضات، إذ تم اختياره ناطقاً رسمياً باسم الوفد الحكومي، وفي نفس الوقت أسند إليه ملف التفاوض حول النزاع بين الشمال والجنوب في منطقة أبيي الحدودية، عطفاً على أنه من أبناء المنطقة، ويمتلك في نفس الوقت خبرة قانونية بحكم الدراسة في موضوع النزاعات الحدودية.

غير أن طريقة إدارته ملف أبيي لم تكن محل رضا، حتى من أبناء قبيلة المسيرية التي ينتمي إليها، والتي تصارع من أجل إبقاء المنطقة ضمن حدود السودان والحيلولة دون إتباعها بالجنوب، ومرد عدم الرضا هو اعتقاد كثيرين أن المفاوض الحكومي وقع على اتفاق سلام شامل مع الجنوب، وبرتوكول خاص بأبيي ينص على استفتاء سكان المنطقة من دون الاتفاق حتى على ترسيم الحدود أو حتى تعريف من يحق لهم التصويت.

ومع تصاعد الخلاف بين الطرفين أحيل الأمر إلى محكمة التحكيم في لاهاي، فترأس الدرديري محمد أحمد مجدداً فريق الدفاع، وانتهى الأمر بترسيم حدود المنطقة، لكن ذلك لم ينه الخلاف، إذ بقي الأمر كما هو معلقاً وقابلاً للانفجار في أية لحظة.

بعد توقيع اتفاق السلام الشامل في 2005، اختير الدرديري محمد أحمد مقرراً للجنة إعداد الدستور الانتقالي، الذي ما زال يحكم البلاد، وفي ذلك العام كان الاعتقاد السائد هو أن فريق التفاوض مع المتمردين أو ما بات يطلق عليهم "أولاد نيفاشا" سيكونون الأوفر حظاً في الترقي للمناصب الدستورية، بحكم إنجازهم اتفاق سلام أنهى عقوداً من الحرب في الجنوب، لكن جاءت التوقعات مخيبة للآمال، إذ أقصي غالبهم من حكومة الفترة الانتقالية، فعاد كثير منهم لأعمالهم الخاصة، واختار الدرديري محمد أحمد العودة لمنصة القضاء الواقف عبر مكتب خاص في الخرطوم.

غير أنه سرعان ما عاد مرة أخرى، قبل ثلاث سنوات، إلى العمل العام، حين اختير رئيساً لقطاع العلاقات الخارجية بحزب "المؤتمر الوطني" الحاكم، لكنه أبعد منه مجدداً ليعود إلى مكتب المحاماة مرة أخرى، مكتفياً بمشاركات سياسية عبر مقالات صحافية ركز أغلبها على موضوع نزاعات السودان الحدودية مع عدد من الدول، وفي مقدمتها النزاع حول حلايب مع مصر، كما ألف كتاباً عن الحدود الأفريقية والانفصال في القانون الدولي، والتحق في نفس الوقت بجامعة الخرطوم، كأستاذ في القانون الدولي، إذ إنه حائز على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة ليستر البريطانية.

وبعد إقالة الوزير السابق للخارجية، ظلت مجالس السياسة في السودان تتحدث عن عدد من الترشيحات، أبرزها الدرديري نفسه، ووزير الخارجية الأسبق مصطفى عثمان إسماعيل، ومطرف صديق سفير السودان الحالي في بروكسل.

ويقول عبد الماجد عبد الحميد، رئيس تحرير صحيفة "مصادر" لـ"العربي الجديد" إن "كفة الدرديري رجحت في النهاية لأن العديد من صناع القرار يدركون منذ فترة أن كثيراً من مشكلات السودان الخارجية في الآونة الأخيرة ليس لها رجل مناسب لحلها غير محمد أحمد"، مشيراً إلى أن "للوزير مزايا عديدة، إذ يجمع ما بين الخبرة الدبلوماسية والتفاوضية والمعرفة بالقانون الدولي، خاصة في النقاط المتأزمة مثل موضوع النزاع السوداني المصري في حلايب".

ورجّح عبد الحميد أن تكون تلك الرؤية سبباً في مغادرته وزارة الخارجية في أوقات سابقة، لأنها اصطدمت بالرؤية العامة للدولة، مشيراً إلى أن "الوزير الجديد يرى أن الأوضاع المعقدة للسودان في علاقاته الخارجية بحاجة إلى رافعة سياسية وليس رافعة دبلوماسية"، وأضاف عبد الحميد أن "الدرديري واحد من الكفاءات الكبيرة التي شهدت أكثر لحظات السودان تعقيداً، المتمثلة في مفاوضات نيفاشا، التي أفضت إلى انفصال جنوب السودان".


الموقف من حلايب

انتقد الدرديري محمد أحمد في مقالاته التصرفات المصرية في حلايب المتنازع عليها، وحذر الحكومة من مغبة تعاملها في الملف، فقط بتجديد شكوى السودان ضد مصر أمام الأمم المتحدة كل عام، والتقليل من مخاطر التمصير المستمر في المنقطة، بالإضافة إلى نقده العنيف لاعتراف السعودية بمصرية حلايب من خلال اتفاق استعادة جزيرتي تيران وصنافير.

ويقول السفير الطريفي كرمنو لـ"العربي الجديد" إن "تحديات وصعوبات عدة ستواجه الدرديري محمد أحمد في منصبه الجديد، أبرزها فرض سيادة وزارة الخارجية على ملفات العلاقات الخارجية، إذ يدار ملف العلاقات مع دول الخليج بعيداً عن الوزارة وكذلك ملف العلاقة مع تركيا ودول البركس، ما أدى إلى تشويش في السياسة الخارجية"، وثاني التحديات، حسب كرمنو، "هي حل الأزمة المالية في وزارة الخارجية التي بسببها أقيل إبراهيم غندور، فضلاً عن تحدي الحوار مع الولايات المتحدة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتحدي العلاقة مع إيران وإعادة العلاقة معها ولو بمنطق "شعرة معاوية"، فضلاً عن التعامل بحكمة مع ملف أزمة الخليج الحالية".

ويؤكد كرمنو أن "القناعات الشخصية للوزير الجديد التي ظهرت من خلال كتاباته الصحافية ستصطدم حتماً بالرؤية الكلية للدولة"، فيما يرى عبد الماجد عبد الحميد أن بإمكان الوزير تحويل قناعته الشخصية إلى برنامج تتبناه مؤسسات الدولة.

المساهمون