الدراما الجزائرية في رمضان: كوميديا في جلباب عاشور العاشر

16 مايو 2018
لقطة من مسلسل "بوقرون" (فيسبوك)
+ الخط -
قبل ثلاث سنوات، قدّم المخرج الجزائري جعفر قاسم، مسلسلاً كوميدياً يروي، في ستّ وعشرين حلقةً، حكاية مملكةٍ متخيَّلة من القرن الحادي عشر تُدعى "المملكة العاشورية"، نسبةً إلى ملكها عاشور العاشر (الممثّل صالح أوقروت).

صُوّر "عاشور العاشر"، الذي ضمّ مجموعةً من نجوم الكوميديا الجزائريّين، في تونس، في أجواء تاريخية تُحاكي المسلسل التركي "حريم السّلطان"، لكن في قالبٍ كوميدي، مع إسقاطاتٍ على الواقع السياسي والاجتماعي الجزائري.
العمل، الذي عُرض على قناة "الشروق" واعتُبر حينها أضخم إنتاجٍ تلفزيوني جزائري بكلفة قاربت عشرين مليار سنتيم، شكّل نقلةً نوعيةً في الأعمال التلفزيونية المحليّة من حيثُ الصورة والديكور والأزياء، وحقّق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، مُكرّساً اسم صاحبه كأبرز مُخرج تلفزيوني في البلاد.
قبل ذلك، قدّم قاسم، الذي بدأ الإخراج ببرنامج "جيل موزيك" الذي كان يُبثّ على التلفزيون العمومي نهاية التسعينيات، مجموعةً من الأعمال الكوميدية (سيت كوم) الناجحة على الشاشة نفسها، منذ سلسلته الأولى "ناس ملاح سيتي" في ثلاثة أجزاء (2002 - 2006)، ثمّ "جمعي فاميلي" في ثلاثة أجزاء أيضاً (2008 - 2011)، و"قهوة ميمون" (2012) و"دار البهجة" (2013)، إضافةً إلى مسلسلٍ درامي بعنوان "موعد مع القدر" (2007)، كان علامةً فارقة في الدراما الجزائرية لجهتَي التقنية والنصّ.
وبعد سلسلة "بوزيد دايز"، التي عُرضت على قناة "الجزائرية" في 2016، عاد قاسم ليُقدّم جزءاً ثانياً من "عاشور العاشر" في شكل دراما كوميدية من ثلاثٍ وعشرين حلقةً. ورغم تخفّفه من جرعة الفكاهة، استطاع العمل أن يتفوّق على نفسه باشتغالٍ أكثر على الجانب التقني وجرأة أكبر في الطرح، فحقّق نجاحاً أكبر من الذي حقّقه في جزئه الأوّل.
ورغم أنه وصَف العمل بالمخاطرة، بالنظر إلى جرأة المواضيع السياسية التي طرحها، لم يستبعد قاسم تقديم جزءٍ ثالث منه. غير أنه ربط ذلك بتوفُّر شروطٍ تضمن حفاظه على مستوى جزأيه السابقَين.
يغيب قاسم عن الموسم الدرامي المقبل، مُفضّلاً التفرّغ لأول أعماله السينمائية، وهو فيلم روائي طويل بعنوان "هليوبوليس"، يتناول جرائم الثامن من أيّار/ مايو 1954 التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في عددٍ من مدن الشرق الجزائري؛ حيثُ انطلق في تصويره منتصف آذار/ مارس الماضي.
لكن المفارقة أن قاسم سيكون حاضراً، بشكلٍ آخر، على أكثر من فضائية جزائرية في رمضان، عبر أعمالٍ تستنسخ "عاشور العاشر" الذي تقوم فكرته على ما يُمكن تسميته بالفانتازيا التاريخية الكوميدية.
أول تلك الأعمال مسلسل "الرايس قورصو" الذي انطلق تصويره في ديكورات مسلسل "حريم السلطان" بإسطنبول التركية، في شباط/ فبراير الماضي، تحت إدارة المخرج المصري عادل أديب عن نصٍّ لمواطنه وائل عبد الحميد، وبمشاركة عددٍ من أبطال "عاشور العاشر"، من بينهم صالح أوقروت نفسه، الذي أُسندت إليه البطولة.
وعلى غرار مسلسل جعفر قاسم، يتناول العمل، في إطارٍ تاريخي كوميدي، قصّة صراعٍ على الحكم بطلُها قرصان جزائري يُدعى الرايس قورصو.
وكان مفترضاً عرض المسلسل، الذي وُصف بالإنتاج الأضخم في تاريخ الأعمال التلفزيونية الجزائرية، على قناة "الشروق". غير أن الأخيرة أعلنت، قبل أيّام من بدء الموسم الرمضاني، عن وقف تصويره نهائياً، إلى جانب مسلسلٍ درامي بعنوان "تلك الأيام" أُسند إلى المخرج التركي الألماني محمد جوك، مرجعةً ذلك إلى "أسباب إنتاجية".
غير بعيدٍ عن أجواء "الرايس قورصو"، صُوّر "بوقرون" في ديكورات "عاشور العاشر" في تونس، تحت إدارة خرّيجة برنامج "ستار أكاديمي" (2005)، ريم غزالي، التي أنتجت المسلسل ولعبت دوره الرئيسي.
يستوحي العمل، وهو الجزء الأوّل ضمن سلسلةٍ بعنوان "أسطورة الممالك"، عوالم الفانتازيا الملحمية الأميركية "صراع العروش" مع لمسةٍ كوميدية؛ إذ يروي قصّة صراعٍ على السلطة في مملكة قديمة، يُسافر إليها من المستقبل جزائريٌ يُدعى مسعود (الممثّل حميد عاشوري).
وكان مبرمجاً عرضُ المسلسل، الذي كلّف قرابة ثلاثين مليار سنتيم، على قناة "النهار" الجزائرية التي روّجت له طيلة أشهر، ثمّ اعتذرت، في اللحظات الأخيرة، عن بثّه لـ"أسباب تجارية"، فاشترته قناة "الشروق".
فكرة السفر عبر الزمن ستكون حاضرةً، أيضاً، في المسلسل الكوميدي "عنتر ولد شدّاد" الذي يعرضه التلفزيون الجزائري، وهو من إخراج نسيم بومعيزة وبطولة اليوتيوبر مروان القروابي؛ حيثُ يروي العمل، الذي تجمع حواراته بين العامية الجزائرية والعربية الفصحى، قصّة شابٍ يخترع آلةً للسفر عبر الزمن كي يذهب إلى المستقبل، لكن خطأً يجعله يُسافر إلى الماضي.
ويُقدّم اليوتيوبر، أنس تينا، على قناة "الشروق"، مسلسلاً بعنوان "القبيلة"، يُحاكي مسلسلاتٍ تاريخية عربية بشكلٍ كوميدي وحواراتٍ تخلط العامية بالفصحى، وهو ما يُذكّر بالمسلسل الكوميدي المغربي "الخواسر"، الذي أثار جدلاً واسعاً خلال بثّه في 2015، واتُّهم بالإساءة إلى اللغة العربية.

وتعرض قناة "دزاير تي في" مسلسلاً كوميدياً بعنوان "بيبان دزاير" تدور أحداثه في الجزائر خلال الفترة العثمانية، وهو من إخراج السوري ياسر كردي، ومن بطولة عثمان بن داود ومراد صاولي.
وبينما استهوت فكرة "عاشور العاشر" عدداً لا بأس به من المنتجين والمخرجين، فخصّصوا ميزانيات ضخمة لتقديم مسلسلاتٍ كوميدية في أجواء تاريخية، لا تزال الأعمال التاريخية غائبةً تماماً عن الإنتاج الدرامي الجزائري.
المساهمون