الدافع الذي بقي دافعاً!

22 ديسمبر 2014
الفقر والهجرة في سوريا (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
في مُراجعة سريعةٍ للتاريخ السياسي القريب، نستطيعُ تحديد العَطب في سببين رئيسين، يتحمّلان جزءاً من مسؤوليَّة مآلات حركات الربيع العربي بشكل عام، والكارثة السوريّة الراهنة بشكل خاص.
السبب الأول، سِياسيّ حُقوقي، يرتبط أساساً بثقافة الاحتقار العام للسياسة في الوعي السياسي العربي، وربطها التبسيطي بأحكام القيمة المضحكة أحياناً، كـ "المكر" و"الخداع" و"التضليل"، وغير ذلك من المغالطات. إضافة إلى المديح الحماسي المندفع وغير المشروط للحركات الشبابيَّة، وبقاء هذه الحركات في نشوة اللحظة الثورية المؤقتّة، وعدم اهتمامها الجدي بالتنظيم والإعداد والترتيب، أي السياسة. اللحظة الاحتجاجيَّة الثوريّة مختلفة عن اللحظة الانتخابية السياسية، الأولى يتصدَّرُها الشجاع والمحقّ. والثانية بطلها المنظم والمسيس. وهذا يفسر سبب سيطرة الأحزاب الأيديولوجية التقليدية على المشهد الانتخابي، بعد غيابها الأوّلي عن المشهد الاحتجاجي.
السبب الثاني، اقتصادي معيشي. وهنا الكلام بشكل خاصّ عن الحالة السوريَّة. فالعقارات باهظة الثمن على سبيل المثال في مناطق سيطرة قوّات الأسد، بسبب مقدرة المليشيا الأسديَّة في توفير الأمن والخبز والمدارس والكهرباء والماء، ومنع انتهاك الأملاك العامّة والخاصّة بشكل نسبيّ. في حين هبطت أسعار العقارات بشكل كبير في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، بسبب فشلها في توفير أبسط مقومات الحيّاة للناس، من أمن وكهرباء وغذاء، وانتشار التوتّر والفوضى والخراب.
ولعلَّ الفارق الكبير بين أسعار العقارات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وبين المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلّحة السورية المختلفة والمتنوعة، ليس مجرد اختلاف مجرّد، بل يحمل دلالة سياسيَّة كبيرة، تٌفسَّر بتمكن النظام السوري من معرفة تقدم المسألة المعيشية الاقتصادية اليوميّة، على المسألة الحقوقية السياسية، في حين بقيت المعارضة السورية في مرحلة الشعارات الأيديولوجية الحماسيّة.
كان العنصر الطبقي الاقتصاديّ عاملاً حاسماً في انطلاق شرارة الاحتجاجات في سورية، وأصبح هذا العنصر نفسه سبباً في تعب الناس من الثورة السوريّة، وانفضاضهم عن بيئاتها الأصليَّة.
المساهمون